الإرهاب في الجزائر … رقصة ديك أم عودة ممنهجة ؟
القاعدة تستأنف العمليات وداعش يمارس البروبغندا
صام الإرهاب عن النشاط فترة من الزمن حتى اطمأنت أغلب القراءات، إلى أن الجزائر قد تخلصت نهائيا أو تكاد من هذه الآفة التي قضت مضجعها سنوات طويلة، ثم جاءت عمليات القاعدة الأخيرة التي استهدفت أفرادا للأمن والجيش في مناطق مختلفة، وتسجيلات الحرب النفسية لتنظيم داعش المبثوثة على الأنترنت، لتوقظ الهاجس من جديد حتى وإن بدا الجزائريون هذه المرة مكتسبين للمناعة التي تقيهم من الاستسلام للخوف.
بعد رمضان آمن نسبيا عرف عملية إرهابية وحيدة نفذت ضد حاجز أمني بالبويرة وخلفت سقوط 4 جرحى من أفراد الشرطة، أفطر الجزائريون على شوال دموي، ففي أقل من أسبوعين شهدت الجزائر عمليتين، الأولى بعين الدفلى وكانت حصيلتها ثقيلة عندما استهدف تنظيم القاعدة في عملية أطلق عليها “غزوة جبل اللوح” دورية لقوات الجيش فقتل 9 أفراد ونشر صورا دعائية لهم على مواقع التواصل الاجتماعي، أما الثانية فاستهدفت مفرزة للجيش بمنطقة واد الشعبة بواسطة قذائف “الهبهاب”، ذلك السلاح اليدوي الصنع الذي عاد للظهور، وخلفت العملية في حصيلة أولية 4 جرحى، وقد جاء تبنيها سريعا من تنظيم القاعدة عبر خلية تابعة له تدعى سرية الملاحم.
واللافت في العمليتين الأخيرتين تبنيهما من تنظيم القاعدة في المغرب الإسلامي الذي يقوده عبد المالك درودكال، وهذا التنظيم كان يعاني حالة شبه حصار في الشمال بعد العمليات العسكرية المتتالية التي أدت إلى الحد من نشاطه بشكل كبير، وأضعفت قدرته على التجنيد واستقطاب عناصر لتجديد دمائه، فعمد مقابل ذلك إلى تركيز نشاطه في الجنوب ومنطقة الساحل، عبر الفروع التي أعلنت ولاءها له، على غرار مختار بلمختار قائد كتيبة “الموقعون بالدماء”، الذي وصل ذروة نشاطه بالتخطيط للهجوم الدموي على قاعدة تيغنتورين الغازية الذي أخذ بعدا عالميا.
ويبدو أن تنظيم القاعدة اختار هذا التوقيت لمعاودة نشاطه، حتى يثبت وجوده على الميدان بعد أن سحب تنظيم داعش البساط منه إعلاميا، إذ يتقن هذا التنظيم التسويق لنفسه رغم محدودية تأثيره الفعلي على الأرض، فنشاطه انتهى تقريبا مع العملية الوحيدة التي نفذها باختطاف واغتيال الرهينة الفرنسي ايرفي غوردال في سبتمبر 2014.
لكن تنظيم داعش منذ تلك العملية وأمام محدودية قدرته على التنفيذ، مضى في استراتيجية التهديد والوعيد والإيهام ببدء انتشاره في “ولاية الجزائر” كما يسميها، عبر إعلان كتائب مجهولة ولاءها له، على غرار كتيبة “سكيكدة” أو كتيبة “أنصار الخلافة”، في ماي الماضي، ثم “سرية الغرباء” بقسنطينة قبل أسبوع، وهما كتيبتان تتبعان “جند الخلافة” الذي أعلن عن نفسه ممثلا لتنظيم داعش في الجزائر في سبتمبر الماضي، كما خصّ التنظيم لأول مرة من مركزه في سوريا الجزائر بشريط مصور، يظهر فيه ثلاثة شبان جزائريين التحقوا حديثا يهددون بلادهم ويتوعدونها بالغزو.
وفي مقابل هذه العودة إلى النشاط سواء في الميدان أو عبر الدعاية، لا يزال الخطاب الرسمي السائد يتحدث عن انتصار الجزائر على الإرهاب، بل يسوق لتجربة فريدة من منظوره في مكافحة هذه الظاهرة واستئصالها كما جرى ذلك مؤخرا في الندوة الدولية التي احتضنتها الجزائر برعاية الأمم المتحدة حول “التطرف العنيف”. أما هذه العمليات الأخيرة فيعتبرها استثناء شاذا عن القاعدة، لأن الخطر “صفر” لا يوجد في أي مكان في العالم وفق مستشار الرئيس رزاق بارة.
وبعيدا عن هذه النظرة المثالية للوضع الأمني في الجزائر، ستكون الأيام القادمة وحدها كفيلة بإظهار إن كانت معاودة النشاط “رقصة ديك أخيرة” بعد العمليات القوية التي تعرضت لها هذه التنظيمات على يد الجيش (القضاء على 66 عنصرا في 6 أشهر)؟، أم أنها عودة ممنهجة ومدروسة اختير لها هذا التوقيت الذي يتميز بصراع الجيش على جبهات الحدود في ظل الوضع المنفلت في دول الجوار، واستغلال ذلك في الاعتداء على مناطق داخلية خفت فيها صوت الإرهاب منذ زمن طويل؟.
وفي الحالتين يبدو الجزائريون عبر تعاطيهم مع الأحداث عبر مواقع التواصل الاجتماعي، متضامنين بقوة مع قوات الجيش في ما تعرض له عبر حملات واسعة اشترك فيها الآلاف، ومتفاعلين بالسخرية من تسجيلات داعش وتهديداتها، وهو ما يثبت أن الإرهاب لم يعد هاجسا كبيرا أو مثارا للرعب كما أيام الجزائر الحمراء، رغم أن اليقظة والحذر واجبين.