الجامعة الجزائرية وهاجس التصنيفات الدولية

PLAY

يعتبر تصنيف ويبوميتركس العالمي للجامعات (Webometrics Ranking of World Universities ) أحد النظم العالمية المعروفة لترتيب و تصنيف الجامعات إلى جانب العديد من التصنيفات العالمية الأخرى. وحسب موسوعة ويكيبيديا فإنه عبارة عن ” نظام لتقييم الجامعات العالمية حيث يغطي أكثر من 20 ألف جامعة وينشر منهم 12000 جامعة، يصدر في إسبانيا عن المجلس العالي للبحث العلمي. هدف التقييم هو تحسين وجود مؤسسات التعليم العالي والبحث العلمي على الإنترنت وتشجيع نشر المقالات العلمية المحكمة بطريقة الولوج المفتوح (Open access). وهو تقييم نصف سنوي حيث يصدر في شهري يناير ويوليو من كل عام”. و تعتمد مثل هذه التصنيفات على مجموعة من المقاييس مثل نسبة البحوث المنشورة و المحكمة في دوريات عالمية، حيث تتوفر مجموعة من الشروط كنسبة الاستشهاد، و النفاذ. إضافة إلى نسبة الإنتاج الدوري لدى للباحثين. و بصفة عامة فإن مستوى الانتشار العالمي للمنتوج العلمي و البحثي للجامعات و مراكز البحث العلمي هو الذي يؤخذ بعين الاعتبار، إضافة إلى مدى الاستفادة العملية من نتائج البحث (مدى إدماج و قدرة هذه الأبحاث على حل مشاكل السوق و المجتمع).
و من خلال اطلاعنا على التقييم الأخير للجامعات الصادر عن Webometrics في يناير 2016، نلاحظ تحسن تصنيف بعض الجامعات الجزائرية مقارنة بالسنوات السابقة، حيث احتلت جامعة الجيلالي اليابس ( سيدي بلعباس) الرتبة 1725 عالميا في التصنيف الأخير لشهر يناير من عام 2016، متبوعة بجامعة العلوم والتكنولوجيا “هواري بومدين” (1897)، ثم جامعة قسنطينة 1 (2244)، متبوعة بجامعة تلمسان (2331). و رغم هذا التحسن، فما زال هناك الكثير من الإجراءات و التحسينات الثورية و الشجاعة التي ينبغي على السلطات العمومية القيام بها لتحسين صورة و تصنيف الجامعة الجزائرية.
و لم تكن هذه النتائج مفاجأة لي كأستاذ أعيش يوميا و ألاحظ ما وصل إليه الوضع في الجامعة من وضع كارثي ربما يعود إلى أسباب تراكمية ؟. فلماذا تخلفت الجامعة الجزائرية عن مختلف التصنيفات الدولية، في الوقت الذي تقدمت فيه جامعات أخرى ربما لم تكن الميزانية المرصودة للتعليم العالي و البحث العلمي فيها مثل الميزانية المخصصة في الجزائر و لسنوات طويلة. و لماذا أصبحت الجامعات الجزائرية عاجزة عن تخريج شريحة من المثقفين و المتخصصين في مختلف التخصصات و القادرة في المساهمة في خلق الثروة؟. و لماذا تراجع مستوى التعليم و التكوين عندنا؟. و من خلال هذه المساهمة سنحاول تقديم بعض جوانب الخلل التي تعاني منها الجامعات الجزائرية:
1-أصبحت الجامعات الجزائرية و منذ سنوات عديدة خاضعة لمنطق الكم و لا تبحث عن النوعية. حيث حلت الأرقام مكان إنتاج المعرفة الحقيقية. فالمتتبع لوضع الجامعات ربما سوف يلاحظ مستوى ما يقدم من أبحاث في العلوم الاجتماعية و حتى التخصصات العلمية، حيث لا تخضع كل الأعمال و الأبحاث للمعايير العلمية المعروفة، مع غياب في العديد من الحالات للمعايير الأخلاقية، حيث يقوم العديد من الباحثين بانتحال صفة الغير. و رغم طفرة المجلات العلمية في السنوات الأخيرة، إلا ان العديد منها لا تخضع لأية معايير علمية أو منهجية، حيث أن نوعية ما يكتب فيها لا يرقى إلى المعايير المطلوبة، و اغلب هذه المجلات غير موجودة في الانترنت (النفاذ)، و لا تتوفر على لجان قراءة حقيقية، و يخضع قبول النشر لاعتبارات شخصية. كما غاب الإنتاج العلمي الحقيقي، و لم يعد هناك من يكتب، ففي الوقت الذي ارتفع فيه عدد الشهادات العليا و الرتب العالية (أستاذ، أستاذ محاضر)/ انخفض الإنتاج العلمي أو انعدم تماما. كما أن نوعية المشاريع البحثية هي اقل ما يقال عنها أنها معزولة تماما عن الواقع، و لا تخضع لأي تقييم علمي حقيقي غير التحكيم الإداري. و رغم وجود بعض المحاولات الفردية لبعض الباحثين الذين ينشرون أعمال و أبحاث راقية، و لكن في حالات كثيرة تكون لصالح جامعات و مراكز بحثية أجنبية. و في الوقت الذي تم فيه في السنوات الأخيرة إفراغ الجامعة من المحتوى البحثي، فتحول الأستاذ الجامعي من أستاذ باحث إلى مدرس، انتقل أحسن الأساتذة إلى التدريس بالجامعات الغربية و حتى الخليجية، و لم تعد تتوفر للأستاذ الباحث في الجزائر أي بيئة مشجعة للبحث العلمي في ظل تعفن أوضاع العديد من الجامعات و انتشار مظاهر الصراع ما بمختلف أشكاله داخل الحرم الجامعي.
2- ليس هناك سياسات واضحة و مرتكزة على أسس دقيقة و معايير دولية في مجال (التدريس، الترقية، المناقشات العلمية، النشر العلمي…الخ). حيث تسود نوع من الارتجالية و بعض الحسابات الخاصة التي لا تمت إلى الجانب العلمي بأي صلة، ربما تكون مصالح عائلية أو حزبية أو غيرها أو من أجل تحقيق عائد سياسي في بعض الأحيان. فهناك غياب كامل لمعايير الجودة، و عدم امتثال للحوكمة و المعايير العالمية من خلال المراقبة و المحاسبة و المسؤولية على أساس المعايير الموضوعية و ليس الشخصية، هناك غياب كلي لآليات التحكيم للمنشورات العلمية و مناقشة رسائل الماجستير و الدكتوراه، عدم تكوين الباحثين للنشر في الخارج، كما تغيب معايير جودة التعليم و طرق التدريس للأساتذة الجدد حيث تنعدم الخبرة و مناهج التعليم، و ليس هناك مرافقة كاملة حيث تخضع الأمور للاعتبارات غير الموضوعية في توزيع المقاييس العلمية، و تغيب فيه دور مؤسسات الكلية و الجامعة البيداغوجية و العلمية، مع انعدام دور مخابر البحث في احتضان أبحاث طلبة الدراسات العليا (ماستر و دكتوراه)، و تحولت إلى كيانات استهلاكية لا معنى لها.
3-ارتباط منظومة التعليم العالي بالجامعات الفرنسية، حيث أن هذا الارتباط جعل الجامعة الجزائرية خاضعة لمنطق النسخ في البرامج و غيرها، مما ساهم في تراجع تصنيف الجامعات لعدة سنوات و لحد الساعة. حيث أن عامل اللغة مهم، إذ أن معظم البحوث تنشر باللغة الانجليزية، كما ان المشاركة في المؤتمرات العالمية، و التعاون مع فرق بحثية عالمية يتطلب إجادة اللغة الانجليزية، بينما لا يتم تصنيف الأبحاث التي تدون باللغة العربية أو الفرنسية. و إذا رجعنا إلى التصنيفات الدولية للجامعات، فيلاحظ أن أحسن الجامعات العالمية من حيث الترتيب هي الجامعات الأمريكية التي تصدر أكبر عدد من المنشورات، متبوعة بالمملكة المتحدة، حيث ينشر نحو ربع دوريات العالم باللغة الإنجليزية. كما أن 70% من الدراسات اللغوية ونحو 80% من أبحاث العلوم الطبيعية تنشر باللغة الإنجليزية.
و على هذا الأساس، فان إعادة إصلاح منظومة التعليم العالي أصبحت أكثر من ضرورة، و لكن بأية اشخاص و بأية آلية؟. ربما الإجابة على مثل هذا السؤال ستكون موضوع مساهمة أخرى في المستقبل.
أ.د. زايري بلقاسم