صادف استضافة الجزائر للصالون الدولي للكتاب و الذي كانت فرنسا ضيفة الشرف في الطبعة الـ 20، واحتفالات البلاد بالذكرى 61 لاندلاع ثورة التحرير المجيدة، وسط تسابق دور النشر الفرنسية من أجل إصدار أكبر عدد من العناوين حول الجزائر في محاولة منها فرض منطقها من خلال تناولها مواضيع تخص التاريخ الجزائري
هولند حرص على أن تكون فرنسا ضيفة شرف الطبعة الـ 20
تداولت بعض المصادر الإعلامية أن زيارة الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند الأخيرة إلى الجزائر ساهمت في اختيار فرنسا ضيف شرف للصالون، بعد طلب من هذا الأخير، حيث أشارت نفس المصادر أن المسؤول الأول عن الاليزيه قد طلب شخصيا إدراج فرنسا ضيف شرف الطبعة العشرين من الصالون الدولي للكتاب، رغم أن المشاركة الفرنسية تعرف كل سنة حضورا قويا عبر مشاركة دور نشر كبيرة وتحتل الأماكن الرئيسية في الصالون، كما تقوم بنشر عديد الأعمال الأدبية والعلمية التي تعرف إقبالا كبيرا من طرف زوار المعرض الذين دائما ما يجدون ضالتهم في دور النشر الفرنسية، حيث عادة ما تحقق نسبة كبيرة في المبيعات خصوصا وأنها تنشر للعديد من الكتاب الجزائريين الذين يكتبون باللغة الفرنسية.
الكتب الثورية أهم الإصدارات و لغة “موليير” تخطف الأضواء
تصدرت كتب الثورة التحريرية أهم إصدارات دور النشر الفرنسية المشاركة في سيلا، التي عرفت كذلك تزايدا كبيرا مقارنة بما كانت عليه السنوات الماضية، كما رجّحت دور النشر الفرنسية والجزائرية الناشرة بالفرنسية الكفّة لصالح لغة “موليير” في الطبعة 20 من الصالون الدولي للكتاب، على حساب الكتاب الديني والثقافي الذي اعتاد أن يكون الأول فيما يخص نسبة المبيعات طوال الطبعات السابقة، خاصة الكتاب المستورد من المشرق العربي، حيث شهدت أجنحة الأولى توافدا كبيرا على الكتاب العلمي والقواميس، إضافة إلى كتب الطّب المتخصصة، والتي تعرف ندرة في السوق الجزائرية، وبعض القصص المصورة للأطفال.
المؤرخ “بنجامين ستورا” يرفض الحديث عن الرقم الحقيقي لشهداء الثورة الجزائرية
اعتبر الفرنسي المؤرخ والباحث المختص في تاريخ الحركة الوطنية الجزائرية وتاريخ الثورة المؤرخ الفرنسي، بأن عودة الرئيس عبد العزيز بوتفليقة سنة 2000 كانت بمثابة عودة لتحرير التاريخ الجزائري الرسمي من الطابوهات، و هو الذي أعاد الاعتبار لأب الوطنية الجزائرية مصالي الحاج والمناضل محمد بوضياف وغيرهم من رموز الوطنية الجزائرية والثورة، وهو ما اعتبره “ستورا” صورة حقيقة للمصالحة مع الذاكرة والتاريخ في الجزائر، في حين رفض المؤرخ الفرنسي التصريح عن أي معلومات حول العدد الحقيقي لشهداء الجزائر وقال أنه لا يملك اليقين حول العدد الحقيقي لأنها مسألة سياسية بالدرجة الأولى ولا علاقة لها بالتاريخ والأرقام تتجاذبها الذاكرة الجزائرية الفرنسية وجراح الذاكرة الكولونيالية، مشيرا أن الطرف الفرنسي أيضا يشكك في عدد الأقدام السوداء التي هاجرت من الجزائر والتي حددت بـ1 مليون نسمة.
كما اعتبر المتحدث، وفي سياق استعراض مساره الأكاديمي البحثي في مجال الشخصيات الوطنية الجزائرية وهو المسار الذي يصل إلى أزيد من 40 عاما، بأن لقاءه بالمناضل محمد حربي 1975 محطة مهمة لتوجهه واهتمامه بدراسة وتفكيك تاريخ الحركة الوطنية والثورة الجزائرية 1954 والشخصيات الوطنية الجزائرية خاصة أن اسم مصالي الحاج خلال الـ70 والـ80 كان من الطابوهات ومن الملفات المسكوت عنها . وهو ما أدى إلى منع نشر كتاب”مصالي الحاج ” سنة 1978 في الجزائر.
وتحدث “ستورا” عن قاموس بيوغرافي للوطنيين الجزائريين الذي يضم 600 بورتري حول مناضلين جزائريين وأغلبهم من المعارضة من مختلف مناطق الجزائر وصدر سنة 1985 حيث تحصل على أرشيف وشهادات نادرة عن بوادر الحركة الوطنية حيث إلتقى بمناضلين كبار على غرار آيت أحمد ومحمد بوضياف وعناصر فيدرالية جبهة التحرير الوطني بفرنسا وأكد أن المناضلين الذين إلتقاهم رغم معارضتهم لمواقف ميصالي الحاج غير أنهم يحترمونه كثيرا.وتأسف ستورا أن كتابه أيضا لم يوزع في الجزائر إلى سنة 2000.
من جهة أخرى، كشف ذات المتحدث عن مشروعه التاريخي الجديد والتي يتعلق بمسار شيخ الحركة الإصلاحية الجزائرية “عبد الحميد بن باديس” لإكمال ثلاثيته بعد مصالي وفرحات عباس .
المؤرخون الشباب أكثر عمقا في الكتابة عن الثورة الجزائرية
تحدث المؤرخ عيسى قادري عن المؤرخين الجدد الذين ظهروا حسبه بداية سنة 2000، و الذين يقدمون التاريخ برؤية جديدة أكثر عمقا و دقة مما كتبه المؤرخون القدامى الذين ارتبطت كتاباتهم بمواقفهم الوطنية و النضالية على غرار المؤرخ بنجامين ستورا، مؤكدا أنه ومند الاستقلال قرأنا التاريخ بأقلام المؤرخين الذين كانوا قريبين من الفترة الاستعمارية و عايشوا الثورة الجزائرية و لكن في السنوات الأخيرة، بدأت تظهر للسطح كتابات و بحوث المؤرخين الشباب من الطرفين الجزائري و الفرنكو جزائري، خاصة – يضيف المؤرخ الجزائري -أنّ كتابات الشباب المؤرخين تتم بشكل جدي وعلمي أكاديمي مبني على مناهج علمية تقدم التاريخ في سياقه الحقيقي بعيدا عن بعض الأكاذيب و التلفيقات التاريخية .
و أضاف عيسى قادري أن المنهج الذي يتبعه هؤلاء الشباب في التنقيب عن الأرشيف، وجمع المادة التاريخية و طرح الأسئلة العميقة و مقارنة الشهادات و الحوارات و الوثائق التاريخية بالشكل الذي يعطي لأبحاث المؤرخين الجدد رؤى أعمق للتاريخ، وعليه يمكن أن نقول بأن تاريخ الثورة الجزائرية بدأ يكتب اليوم، والأهم أنّ هذه الكتابات الشابة تتجه نحو التخصص، حيث نجد من يكتب عن تاريخ المناطق الثورية كل على حِدا، و هناك من يكتب عن الشخصيات النضالية الوطنية و الوجوه التاريخية على غرار ماكس بيرو و جاك شوفالي..الخ.
فرنسا فتحت المدارس مبكرا لأغراض مبيتة
واستعرض مولا عبد العزيز دراسته الميدانية عن الولاية الثالثة التاريخية واعتمادا على الأرشيف السري والخاص فقد عرفت المنطقة محطات عنف كثيرة وأزمات بسبب موقعها الإستراتيجي والمكانة الخاصة التي رسمتها فرنسا من أجل لعبتها السياسية والجيو ـ إستراتيجية، وقام بدراسة ميدانية ولقاءات مع مناضلي المنطقة للوقوف عند أسباب انخراط المواطن البسيط في العمل المسلح وعن المحفزات ومرجعيات الانتقال من السلمية إلى العنف، مضيفا في هذا الصدد ان المنطقة شهدت انزلاقات خطيرة خاصة بعد استشهاد العقيد عميروش ثم خلافته من طرف الكولونيل محند ولحاج وتم بطريقة سلمية وكانت العقيدة العسكرية الفرنسية تكمن في الفوز بالحرب .
وأكد ذات المتحدث، انه من خلال تصفحه للأرشيف وعبر مختلف مواثيق جيش وجبهة التحرير الشعب كان عنصرا مقدسا وتحدث عن تفاصيل مختلف الصراعات داخل المنطقة وتأثريها على مسار الثورة لاحقا، من جهته، تناول المؤرخ الفرنسي “جوليان هاغ” موضوع النشر حول الثورة الجزائرية والحركة الوطنية التي توسعت من فرنسا و الجزائر نحو الولايات المتحدة وإيطاليا ما أدى بالناشرين إلى نشر وترجمة أعمال حولها وثمن جهود العديد من الناشرين الفرنسيين الدين ساندو الثورة من خلال نشر النصوص على غرار فرانسوا ماسبيرو كما غاص المؤرخ فابيان سكريست في دور إتحاد الطلبة المسلمين الجزائريين ومساهمته في خدمة الثورة وهو دور ريادي وكان سباقا في مطالبه الاستقلالية.
عرف المعرض الدولي للكتاب هذه السنة، إقبال كبير للزوار، وهذا ما يدل على مكانة الكتاب لدى مفكرة الشعب الجزائري، خاصة وأن الإقبال لم يقتصر على فئة معينة من الزائرين بل شمل كافة أطياف المجتمع، كما أن هذه الطبعة شهدت ابتعاد العديد من رواد و نشطاء مواقع التواصل الاجتماعي عن الشبكة العنكبوتية و لو لفترة زمنية قصيرة قاصدين الصالون لتغيير الأجواء وكسر الروتين و الرتابة التي يخلفها الجلوس أمام الفايسبوك الذي أضحى العدو الأول للكتاب في زمن التكنولوجيا.