الطابور الخامس …
لو جاز لنا أن نتصرف في لغة الضاد، لقدّرنا الضمير المستتر في الجزائر، بالأيادي الخارجية أو الطابور الخامس، من فرط اتهام مسئولينا لأطراف خفية بالتسبب في كل شاردة وواردة تحصل في البلاد، الباحث عن تعليق خيباته على شماعة مؤامرات الآخرين.
لا صوت يعلو هذه الأيام على صوت اسطوانة، أن جمهورية العهدة الرابعة، تتعرض لمؤامرة كونية تستهدف عرش الرئيس، بدأت مع تغريدة فالس وتتواصل مع اجتماع “المماليك العربية”، والذي أعلن حربا معلنة على الجزائر بقيادة الرياض، لجرها إلى فوضى الربيع العربي انتقاما من مواقفها الناصرة للقضايا العادلة، مستعينا بأطراف داخلية مجهولة.
قبل أيام قليلة، خرج علينا وزير السكن عبد المجيد تبون، من سباقه مع الزمن لتسليم مشروع الجامع الأعظم وثالث اكبر مسجد بعد الحرمين، بعدما مل من مشروع عدل التي لن يغلق خلال العهدة الحالية على ما يبدو، مبرئا مكتب الدراسات الألماني الذي يشكك في آجال التسليم بعد فسخ عقده، متهما خصوم المشروع في الداخل بالسعي لإضعاف السلطة وإفساد علاقتها الوردية مع ألمانيا وفرنسا والصين.
على نفس الوتر، عزفت وزير التربية الوطنية نورية بن غبريط، متهمة أطراف باستغلال اعتصام الأساتذة “القصر” للإخلال بالنظام العام، فوجدت الدعم من زميلها في الجهاز التنفيذي وزير الداخلية نور الدين بدوي، الذي سارع بإصدار تعليمة لفض الاعتصام، دون أن تمتد التسخيرة العمومية إلى “محركي” الأساتذة، بعدما غادروا صوب مجرة أخرى ربما.
بدوره لم يخجل وزيرة الصناعة عبد السلام بوشوارب، من ورود اسمه في فضيحة “بنما بايبرز” التي اسقطت حكومات في أوربا، متهما أطرافا باستهداف الجزائر عبر التشهير بإطاراتها، مثلما يحصل معه شخصيا بعد ورقة الطريق التي اعدها للنهوض بالاقتصاد الجزائري، -كأن أرحام الجزائريات لم تلد أفضل منه-، لكن معالي الوزير لم يقدم أي دلائل لدفع الشبهة على تعاملاته، مكتفيا بتقرير قال انه سيقدمه للرئيس.
الأمثلة الثلاث السابقة هي غيظ من فيض كما يقال، فلو تتبعنا تصريحات مسئولينا نجد العديدة منها تفتقد للمسؤولية القانونية وحتى الأخلاقية، فوزير التجارة الحالي بختي بلعايب صرح بعظمة لسانه ان الجزائر تخسر 18 مليار دولار سنويا جراء تضخيم الفواتير، ووزير الصحة عبد المالك بوضياف، اعترف أن مصالحه الوزارية كانت تقتني طوال سنوات الأدوية بضعف أسعارها الحقيقية، ووزير المالية اقر بتصنيف 13 مليون جزائري تحت خط الفقر، لكن لا احد من أعضاء الجهاز التنفيذي الحالي او سابقيهم فتح تحقيق جاد وكشف المتسببين في الفضائح المتوالية.
حينما نصل إلى حقبة تقدّم فيها الحكومة حصيلتها السنوية أمام برلمان شرعي، يحاسب فيه كل وزير على كل دينار وكل تصريح وقرار، حينها لن نسمع عن من يتهم المجاهيل والأشباح والأرواح الشريرة.