قبل أكثر من ثلاثة عقود، عندما كان شي جين بينغ، المسؤول الأعلى آنذاك في مدينة فوتشو بجنوب شرق الصين، في زيارة إلى ماليزيا في رحلة للترويج للاستثمار، وجد نفسه منبهرا بشدة بموقعين رمزيين.
أحدهما هو معبد بوه سان تنغ، الذي يعد تكريما طويل الأمد للملاح الصيني الشهير تشنغ خه (1371-1433) من أسرة مينغ. أما الموقع الآخر فكان مدينة سيبو، التي باتت تُعرف باسم “فوتشو الجديدة” بعد أن هاجر وونغ ناي سيونغ، أحد أبناء فوتشو، إلى ماليزيا برفقة أكثر من ألف صيني قبل أكثر من قرن من الزمن.
ويشهد هذان الموقعان على الصداقة بين الصين وماليزيا والممتدة منذ ألف عام، وهي رابطة تعهد شي مرارا بنقلها وتعزيزها بصفته رئيسا لدولة الصين. وخلال زيارة له إلى ماليزيا في عام 2013، اقتبس مثلا محليا للتعبير عن هذا الالتزام قائلا “المياه الجارية لا يمكن وقفها”.
وفي تلك الجولة إلى جنوب شرق آسيا، التي شملت إندونيسيا وماليزيا، استحضر شي مجددا إرث تشنغ خه وطرح طريق الحرير البحري للقرن الـ21، وهو مكون أساسي في مبادرة الحزام والطريق.
والآن، مع توجه شي إلى ماليزيا في زيارة دولة جديدة، يستعد البلدان لمواصلة البناء على صداقتهما العريقة وتعاونهما المثمر، وتوجيه العلاقات الثنائية نحو مستقبل مشترك أكثر إشراقا في العصر الجديد.
التعاون على المسار السريع
على سفح تل مطل على مشروع خط الساحل الشرقي للسكة الحديدية في ولاية باهانغ بشرق ماليزيا، تبرز سلسلة من الأحرف الصينية والملايوية المكتوبة بخط عريض بوضوح على خلفية المشهد الطبيعي لتشكل عبارة: “مشاورات مكثفة، مساهمة مشتركة، منافع متبادلة – لبناء مستقبل أفضل”.
وهذه العبارة، الموجزة والرنانة، هي المبدأ الأساسي لمبادرة الحزام والطريق، التي أصبحت الآن إطارا عالميا رائدا للبنية التحتية والتنمية، وساهمت في تعزيز مجموعة من الشراكات المزدهرة عبر القارات.
وباعتبارها عقدة حيوية على طول طريق الحرير البحري القديم، تعد ماليزيا من بين أوائل الدول التي شاركت في تعاون الحزام والطريق. وبفضل الجهود المشتركة والدفع المستمر من شي، أثمر التعاون الثنائي في إطار المبادرة عن نتائج وافرة.
ومن أبرز الأمثلة، خط الساحل الشرقي للسكة الحديدية، والذي يبلغ طوله 665 كيلومترا، ويجري العمل على بنائه على قدم وساق. وفي إشارة إلى الأهمية التي يوليها شي لهذا المشروع الرائد، أوفد مبعوثا خاصا لحضور حفل إطلاقه في عام 2017. وخلال لقائه بملك ماليزيا السلطان إبراهيم بن السلطان إسكندر في بكين في سبتمبر الماضي، دعا شي مجددا إلى بذل جهود متضافرة لضمان نجاحه.
وسيعمل خط السكك الحديدية، بمجرد اكتماله، على ربط الساحل الشرقي الأقل تطورا في ماليزيا بمحور القوة الاقتصادية على الساحل الغربي، مما يعزز الربط ويدفع النمو المتوازن. ومن المحتمل أيضا ربطه بشبكتي السكك الحديدية بين الصين ولاوس، وبين الصين وتايلاند، وجميعها جزء من ممر التجارة البري-البحري الدولي الجديد، وهو مسار تجاري دولي حيوي.
وقال وزير النقل الماليزي أنتوني لوك سيو فوك “إذا تحقق ذلك، فسيكون خط الساحل الشرقي للسكة الحديدية قادر على الاستفادة من شبكة السكك الحديدية في تايلاند بأكملها، والاتصال بمدينة كونمينغ في جنوب غرب الصين، عبر لاوس، مما يحقق انسيابية أكبر في حركة السلع والركاب داخل المنطقة”.
وعلاوة على مشروع السكك الحديدية، فإن التعاون بين الصين وماليزيا يشهد توسعا على مختلف الأصعدة. وما تزال الصين أكبر شريك تجاري لماليزيا منذ 16 عاما على التوالي، حيث وصل حجم التبادل إلى مستوى قياسي عند 212.04 مليار دولار أمريكي في عام 2024. في السنوات الأخيرة، ازدادت شعبية الفواكه الاستوائية الماليزية، مثل الدوريان والمنغوستين والكاكايا، بشكل كبير بين المستهلكين الصينيين.
وفي اجتماعه مع رئيس الوزراء الماليزي أنور إبراهيم العام الماضي في بكين، شجع شي ماليزيا على جلب المزيد من المنتجات الماليزية عالية الجودة والمميزة إلى السوق الصينية وحث على توثيق التعاون في مجالات جديدة مثل الاقتصاد الرقمي والذكاء الاصطناعي والطاقة الجديدة.
وقال سمير عارف عثمان، الخبير الاقتصادي بجامعة التكنولوجيا بتروناس الماليزية، إن “العلاقات الاقتصادية المزدهرة بين ماليزيا والصين تظهر المرونة والمنافع المتبادلة لعلاقتنا الثنائية”، مضيفا أن “التوسع المستمر في الاستثمارات في القطاعات عالية القيمة مثل التكنولوجيا والطاقة الخضراء والتصنيع سيزيد من تعميق تعاوننا”.
الصديق عند الضيق
في عام 2012، تبرع يونغ جيون كونغ، وهو شاب ماليزي كان قد درس الطب في الصين، بخلايا جذعية مكونة للدم لصبي صيني يعاني من سرطان الدم (اللوكيميا)، لينجح في إنقاذ هذا الطفل البالغ من العمر 7 سنوات وجعل نفسه أول متبرع أجنبي بالخلايا الجذعية في الصين.
وخلال زيارة شي إلى ماليزيا في عام 2013، أشار الرئيس إلى هذه الحادثة المؤثرة لتسليط الضوء على عمق الصداقة بين الشعبين الصيني والماليزي. وقال شي بتأثر بالغ “لن ننسى أيضا” هذه القصة.
وقال يونغ، وهو الآن طبيب في مستشفى رينجي في شانغهاي، لوكالة أنباء (((شينخوا))، “لم أتخيل أبدا أن مثل هذا الفعل البسيط سيحظى بمثل هذا التقدير رفيع المستوى”. وأضاف مستذكرا “لم أستطع النوم طوال الليل بعد أن علمت بأن الرئيس الصيني قد تحدث عني”.
وأوضح يونغ أن إشادة شي لم تكن شرفا شخصيا فحسب، بل كانت أيضا تحية لروح الدعم المتبادل بين البلدين.
وقال إن “هذا التشجيع قوى من عزيمتي على البقاء في الصين ومواصلة مسيرتي الطبية في إنقاذ الأرواح والمشاركة في المزيد من حملات التبرع بالدم والأنشطة الخيرية الأخرى، وأن أصبح جسرا للصداقة بين الصين وماليزيا”.
وكما جاء في مثل ماليزي اقتبس منه شي ذات مرة: “الصديق الذي يفهم دموعك أثمن من كثير من الأصدقاء الذين لا يعرفون سوى ابتسامتك”. وفي رأيه، فإن البلدين صديقان حقيقيان يمكنهما التعايش بانسجام، والثقة والاعتماد على بعضهما البعض.