الميلاد الميت لمبادرة حمس

الميلاد الميت لمبادرة حمس zoom

يعتقد الكثير أن الرد القوي من نائب وزير الدفاع الوطني وقائد الأركان العامة للجيش قايد صالح على مطلب عبد الرزاق مقري بمرافقة وضمانه الجيش لعملية إنتقال ديمقراطي هو وراء فشل مبادرة “التوافق الوطني” التي طرحتها حركة مجتمع السلم(حمس)، والتي حاولت الإلتواء على رفض السلطة فكرة إنتقال ديمقراطي بدعوى أن الجزائر دولة ديمقراطية ولها مؤسسات منتخبة، فطرحت حمس مبادرتها في إطار إحترام الدستور والآجال الإنتخابية برئيس توافقي بين السلطة والمعارضة في إنتخابات 2019 وينفذ برنامجا متفق عليه بين كل الأطراف.

يصر مقري على القول أن قايد صالح لم يكن يقصده برده، ويحمل ما يسميها “القوى العلمانية” بأنها وراء محاولة إفشال مبادرته في صفحته على الفايسبوك، وهو مايدل على عدم تخلص بعض الإسلاميين من خطابهم التقليدي، لأن عادة مصطلح “العلمانيون” لايستخدم اليوم في الساحة السياسية إلا من بعض الإسلاميين، ويطلقونه على معارضيهمن ويوحي منه كأنهم معادين للدين مستغلين عدم فهم الكثير من أطياف مجتمعاتنا الدلالات الحقيقية بعض المفاهيم والمصطلحات.

فلنذكر مقري الذي نكن له كل الإحترام والتقدير بحقائق يبدو انه نسيها أو غابت عنه، فهذه الحقائق هي التي تفسر نسبيا فشل مبادرة حركة حمس، بل يمكن لنا القول أنها ولدت ميتة من أولها، ويأتي على رأس هذه الحقائق فقدان الحركة مصداقيتها لعدة عوامل ومنها:

إن مبادرة حمس هي في الأصل مبادرة جبهة القوى الإشتراكية(الأفافاس) التي مافتئت تطرحها منذ مؤتمرها الخامس في 2013، ولم يدخل عليها مقري إلا بعض التعديلات في الوقت الذي رفضت حمس  حتى إستقبال وفد الأفافاس عندما ذهب لطرح الفكرة عليها في 2014 في الوقت الذي حظي بإستقبال من الحزب مؤخرا، ليتهجم فيما بعد بالتلميح على من سرق مبادرتهم في صفحته على الفايسبوك، وهو ما يزيد الشرخ أكثر بين قوى المعارضة .

– لم تنس السلطة وكل الجزائريين قفز حركة حمس من باخرة التحالف الرئاسي(الآفالان والأرندي وحمس) في بداية ما سمي بالربيع العربي في 2011 بهدف إستغلال تلك الأحداث لصالح الحركة، ولهذا فالسلطة، خاصة حزبيها الأفالان والآرندي لن يثقو إطلاقا في الحركة التي تخلت عنهم في ظرف عصيب بعد ما كانت تستفيد معهم من الريع النفطي بمشاركتهم في الحكم، وهو الأمر الذي لم يغب عن الجزائريين الذين صفعوا الحركة في الإنتخابات التشريعية 2012 بعد ما اعتقدت أنها ستعيد نفس إنتصارت النهظة في تونس وحركة الإخوان المسلمين في مصر آنذاك.

– لم تنس أحزاب المعارضة، وعلى رأسها التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية (الأرسيدي) وجيل جديد، بل حتى بن فليس وبن بيتور أن حركة حمس تخلت عنهم وخدعتهم عشية الإنتخابات التشريعية 2017 بعد ما كانت شريكة لهم في تنسيقية الإنتقال الديمقراطي التي فتته، وهي في الحقيقة كانت تريد إستخدام هذه التنسيقية وأعضائها للتفاوض من موقع قوة مع السلطة بحكم إعتبارها إحدى أقوى التنظيمات السياسية بداخلها، وهو ما دفع سفيان جيلالي إلى توجيه إنتقادات لاذعة للحركة، فهل بإستطاعتها اليوم إقناع هؤلاء بأي مبادرة منها بعد ماخذلتهم من قبل؟، فلتعلم حركة حمس أن المصداقية والأخلاق عامل رئيسي وأساسي في أي ممارسة سياسية، وهو ما أفتقدته الحركة بممارستها هذه.

– مجيء المبادرة بعد حادث المرور الذي تعرض له مقري، ونحمد الله على نجاته وشفائه، وقد حظي مقري بإهتمام السلطة بعد الحادث، وتكفل بذلك هرمها الرئيس بوتفليقة الذي أعطى أوامر للتكفل به، وقام الكثير من عناصر النظام بزيارته في مستشفى عين النعجة العسكري، مما جعل البعض يعتقد أن حادث المرور استغلته عناصر من النظام لإعادة تشكيل التحالف الرئاسي الثلاثي القديم، وبأن كل المهاترات اليوم هو إعطاء مصداقية لمبادرة الحركة، ونشير انه عادة ماتكون الكثير من المبادرات المشابهة مدخلا من بعض قيادات الأحزاب للمشاركة في الحكومة تحت ذريعة التوافق بين المعارضة والسلطة.

– من غير المستبعد أن تكون المبادرة نتيجة تجاذبات داخلية بين تكتلات الحركة، خاصة جماعة أبوجرة سلطاني وسعيدي الداعية للمشاركة في السلطة حفاظا على مصالح مقابل جناح مقري الذي يريد إعادة كسب ثقة الشعب في الحركة والمشاركة في السلطة إنطلاقا من إنتخاب شعبي عليهان وقد وضع ذلك أسود على أبيض في وثائق مؤتمر الحركة الأخير، فللأسف أغلب الأحزاب تنطلق في سياساتها من تجاذباتها وتآكلها الداخلي من أجل السيطرة على الحزب، وليس من إهتماماتها بقضايا  الدولة والمجتمع.

– عدم ثقة السلطة ومختلف الأحزاب الوطنية والديمقراطية في ممارسات الإخوان المسلمين التي تعد الحركة أحد تنظيماتها، والتي تلعب على عدة حبال معتبرة أياها أنها براغماتية، فلم ينس الكثير تلاعب الإخوان في مصر بحركة 25جانفي 2011، ففي الوقت الذي كانت الجماهير المصرية في ساحة التحرير كانت حركة الإخوان في مصر تتفاوض مع السلطة مستغلة الضغط الشعبي التي لم يكن لها أي دور في بداياتها قبل أن تركبه، بحكم أنها الأكثر تنظيما، ثم تفاوضهم مع المجلس العسكري بقيادة المشير الطنطاوي بعد سقوط حسني مبارك كي يشارك محمد مرسي في الإنتخابات الرئاسية، ليستخدم الجيش في مصر الإخوان المسلمين لإجهاض كل عملية إنتقال ديمقراطي حقيقة في مصر آنذاك، خاصة أن الإخوان المسلمين وعدوا بعدم الترشح للإنتخابات الرئاسية، لكن تراجعوا فيما بعد بعد إتفاقهم مع المجلس العسكري.

– الولاء لقوى خارجية خاصة تركيا أردوغان، وهو ما يظهر بجلاء في إحتفالات بعض مناضلي حمس بإنتصار أردوغان في الإنتخابات الرئاسية الأخيرة، ولهذا تبق السلطة وبعض أحزاب المعارضة يشككون في مبادرة حمس وفي ممارساتها السياسية المشبوهة، فكل علاقة وطيدة مع اردوغان معناه محاولة لمواصلة مشروع وتحقيق أهداف ماسمي ب”الربيع العربي” بطرق أخرى، فقد كانت تركيا اللاعب الرئيسي في ذلك الربيع، حيث أرادت إيصال موالين لها إلى السلطة في المنطقة بتنفيذ إستراتيجية “العمق الإستراتيجي لتركيا” التي وضعها داوود أوغلو، ويقصد بها سيطرة تركية ناعمة على الآراضي السابقة للدولة العثمانية، كما تدخل أيضا في إطار إتفاق خلق قوة تمثل الحضارة الإسلامية، وتتحكم في العالم الإسلامي ومتحالفة مع الغرب – حسب طرح الإستراتيجي الأمريكي صمويل هنتغنتون في كتابه “صدام الحضارات”-، لكن فشل المشروع الأمريكي –التركي بتدخل قوى التطرف الديني، خاصة الوهابية، لتدخل المنطقة في صراع بين الطرفين الإخوان والوهابية للسيطرة على دول الربيع العربي، مما أدى إلى عنف دموي وفوضى وإعادة إنتشار الجماعات الإرهابية بقوة في هذه الدول، فمادام حركة حمس مستمرة في هذه العلاقات والولاءات المشبوهة، فمن حق السلطة وبعض أحزاب المعارضة الشكك في نوايا حمس.

نعتقد في الأخير أن كل مبادرة مطروحة هي فاشلة ما لم تطرح من موقع قوة وفي ثقة تامة بين أحزاب المعارضة، فالمسألة هي توازن قوى بين المعارضة والسلطة، لكن أحزاب المعارضة ضعيفة جدا بسبب تآكلات داخلية، ولهذا عليها تطبيق فكرة إعادة بناء الإجماع الوطني التي طرحها الأفافاس، لكن تبدأ من داخل كل حزب لذاته بجمع كل طاقاته كي يعيد قوته وينتشر في المجتمع ويعد الثقة له في هذه الأحزاب، ثم تتفاوض كل عائلة سياسية وأيديولوجية فيما بينها، لتشكل تكتلا قويا ثم تتفاوض مختلف العائلات السياسية واليديولوجية فيما بينها كي تتوصل إلى مبادرة إنتقال ديمقراطي حقيقة تضمن مكانة كل التيارات السياسة في الساحة، وتطرح حلولا عملية لمشكلات المجتمع، ثم تطرحها على السلطة من موقع قوة للتفاوض حولها على السلطةن فنعتقد ان السلطة سترضخ لتنازلات أمام أحزاب قوية بمناضليها ووراءها شعب يثق فيها ومتكتلة، فإن رفضت السلطة ذلكن فلتتوصل إلى أفتفاق على مرشح توافقي من المعارضة لمواجهة مرشح السلطة في الرئاسيا القادمة، ويكون المرشح محل ثقة كل الأطراف، حتى ولو كان في السلطة من قبل، وتكون مهمته تنفيذ ما أتفق عليه من خطوات لإنتقال ديمقراطي حقيقي في الجزائر، وبتعبير آخر بإمكان أحزاب المعارضة اليوم بكل أطيافها تكرار تجربة أحباب البيان والحرية في 1944 أين أتفقت كل قوى الحركة الوطنية، وأتفقت حول مشروع تحرري آنذاك لولا أحداث 08ماي1945 التي أجهضته.