شهدت الساحة الأدبية في الجزائر مؤخرا، نشاطا ملحوظا وجدالا واسعا بين الأدباء الذين تناولوا بالنقاش والتحليل رواية “هوارية” التي فازت بجائزة آسيا جبار الكبرى للرواية في طبعتها السابعة.
وأثارت “هوارية” لصاحبتها الكاتبة والمترجمة إنعام بيوض، جدلا واسعا في الوسط الثقافي والأدبي، بسبب محتواها الذي وصفه نقاد ونشطاء في مواقع التواصل الاجتماعي بـ “غير اللائق” بحجة وجود بعض الكلمات والمفردات التي وصفت أيضا بـ “الجنسية”.
وانقسمت آراء الأدباء والنقاد حول الرواية، التي تصف حياة قارئة الكف في تسعينيات القرن الماضي، بين مدافع عن العمل ومنتقد له.
لكن ما لوحظ هو انحراف النقاش الأدبي عن أصله المتأدب، فذهب بعض الأدباء والنقاد إلى تبادل الأوصاف غير اللائقة، وغير المعتادة على غرار مصطلحات “الانكشاريين”، البوم الناعق”، “حراس النوايا”، “الميليشيات” وغيرها من الأوصاف التي راجت في مواقع التواصل الاجتماعي.
واسيني والزاوي يدافعون بشراسة عن “الهوارية”..
دافع الأديبان واسيني الأعرج وأمين الزاوي، بشدة عن رواية “هوارية”، عبر مقالات نُشرت لهما عبر موقعي “العربي الجديد، واندبندت عربية”.
ونشر الأديب الجزائري الكبير واسيني الأعرج، على موقع “العربي الجديد”، مقالا بعنوان “الدرجة الصفر للقراءة“، استهلَّها بقوله: “يعيدنا ما تشهده الساحة الثقافية في الجزائر إلى أسئلة شديدة الخطورة، ظننّاها انسحبت من دون رجعة مع اندحار الإرهاب، ها هي ذي تعود بأدواتها المُرعِبَة كلّها، من مطاردات وتهم مجّانية، وتشويه، وتأليب الرأي العام واللعب على الثالوث السهل؛ الوطنية والدين والأخلاق. وصل بها الأمر إلى محاولة تحريك بعض مُؤسّسات الدولة لتغليف إرهابها بالشكل القانوني، كالبرلمان وبعض الوزارات، والقضاء، والتهديدات وسيل الشتائم..”.
كما دعا واسيني إلى ضرورة قراءة الأعمال والروايات قبل انتقادها، قائلا: “كيف يمكن للإنسان أن يبني رأياً صحيحاً وهو لم يقرأ الرواية؟ كيف يطالب بمصادرتها وهو لم يقرأها ولم يُكلّف نفسه بذلك؟ توقفت دار النشر ميم، وهي من أجمل دور النشر وأكثرها التزاماً، ولم يدافع عنها أخلاقياً حتّى الذين نشروا فيها”.
من جهته، دافع الكاتب والروائي أمين الزاوي، عن رواية “هوارية” عبر مقال له نُشر في موقع “اندبندنت” عربية، تحت عنوان “الخوف من القارئ الجزائري“.
وكتب الزاوي قائلا: “إن الرقابة المؤسسة والمقننة أهون من الرقابة التي تمارسها الميليشيات الأدبية الهوجاء التي تعرض سجاداتها وألسنتها النارية على مواقع التواصل الاجتماعي، جامعة بين القذف والسبّ والتخوين والتهويد”.
وأضاف: “من بغداد إلى نواكشوط، تحول كثيرون من القراء العرب والمغاربيين، على قلّتهم، إلى ميليشيات شعبوية أخلاقوية وشبه دينية في مواجهة حق الكتاب في الحرية الخيالية في نصوصهم، وبالأساس ضد الرواية”، مضيفا أن “القارئ الجزائري لا يشذّ عن هذه الوضعية الثقافية والكتبية المأزومة”.
نقاد أدب أم “إنكشاريون جدد” ؟
انتقد مختصون في الأدب وأساتذة جامعيون، بعض الروايات التي أثارت جدلا، على غرار رواية “حيزية” لواسيني الأعرج، ورواية “هوارية” لإنعام بيوض، بالمقابل دافع الأدباء عن أعمالهم الفنية واصفين المنتقدين بـ “الإنكشاريين الجدد” و “الميليشيات الأدبية”.
وفي وقت سابق، انتقد الأستاذ المحاضر في النقد والأدب بجامعة باتنة 1، الدكتور عزوز لحسن، بشدة رواية “حيزية” لواسيني الأعرج.
بدوره، ردّ الروائي الجزائري واسيني الأعرج، هذه الانتقادات، بعبارات “حراس النوايا، البؤس في الفراغ، والبوع الناعقين” وغيرها من الأوصاف.
كما انتقد الدكتور عزوز لحسن رواية “هوارية” من باب أن “لغتها حملت كتابة رتيبة نوعا ما وكلاسيكية وأقحمت بعض المقاطع التي لا تخدم النص”، مضيفا: “لست ضد أي أحد، أنا أستاذ وأفهم جماليات النصوص”.
كما أدلى المؤلف والمترجم، قواسمية عمار، بدلوه في رواية “هوارية”، حيث شرّحها بالتفصيل الدقيق، وكشف جميع العيوب النحوية والأخطاء الإملائية والتحريرية للرواية، حسبه.
وقال قواسمية في حوار صحفي، إنه “عند قرائة مقاطع من روايات عربية عموما وجزائرية خصوصا يمكننا مساءلة محتواها من منظور القيم الثقافية للمجتمع، فنجد أن بعضها يخالف الأعراف أو يخدش الحياء، مما يعني أنها ضربت القيم التي أكد عليها القانون الذي ينظم أنشطة الكتاب والذي صدر في الجريدة الرسمية”.
وأضاف: “حسب المادة 8 من الباب الثاني، نص القانون صراحة أن الأنشطة الخاصة بنشر الكتاب وطبعه وتسويقه تمارس في إطار احترام الدستور وقوانين الجمهورية، الدين الإسلامي والديانات الأخرى، السيادة الوطنية والوحدة الوطنية، الهوية الوطنية والقيم الثقافية للمجتمع ومتطلبات الأمن والدفاع الوطني وكذا متطلبات النظام العام وكرامة الإنسان والحريات الفردية والجماعية”.
كما كشف قواسمية، أنه قرأ “روائع الأدب العالمي، في لغته الأصل أو مترجما، ولا أذكر أن أحد عمالقته أو جهابذته اضطر إلى هتك حجب الحياء كي ينقل الواقع كما يزعم أنصار حرية الكتابة”، على حد تعبيره.