بن فليس لسبق برس: بوتفليقة ناكر للديمقراطية، ورائحة المناورات السياسوية تفوح من التغييرات الأخيرة
بوتفليقة قزم مطالب أكتوبر إلى مطلب للبطون بدل العقول
رفضت نصيحة بتخفيف انتقاداتي بُغية تسهيل عملية اعتماد الحزب
لا يمكن للمتورطين في العشرية السوداء الممارسة السياسية خارج أطر الدستور و القوانين
الجزائر تدفع ثمن التزوير الذي حدث في رئاسيات 2014
لا يمكن تنظيم أي إنتخابات قادمة دون هيئة مستقلة
الأزمة الإقتصادية التي تعاني منها الجزائر حلها سياسي
التغييرات التي حدث في المخابرات ليست إعادة هيكلة
حاوره: محمد رابح
اخترتم البقاء في الساحة السياسية بعد انتخابات 2014 من خلال تأسيس حزب سياسي وهو ما خلف انتقاد بعض الأوساط للخطوة، بعد حصولكم على الاعتماد، هل ترون اليوم أنكم سلكتم الطريق الصحيح ؟
لم يسبق و أن قرأت أو سمعت انتقادات بشأن تأسيس طلائع الحريات من أي مصدر كان، و لو حصل أن وجهت لي استفسارات أو انتقادات لكنت قمت بالرد عليها في حينها، أصدقك القول بأن العكس هو الذي حدث ولقيت المبادرة بإنشاء حزب سياسي ترحيبا و تشجيعا واسعين في الساحة السياسية – إذ تعد رسائل التهاني التي تلقيتها بالمئات – ومن طرف شرائح واسعة من المواطنات و المواطنين كما يدل على ذلك أحسن دلاله الإقبال اللافت الذي عرفته وتعرفه عمليات الانخراط في صفوف طلائع الحريات، إني لم أقدم مع رفقائي على تأسيس طلائع الحريات بطريقة عفوية وغير مدروسة، فلم يستقر رأينا على ضرورة إنشاء حزب سياسي إلا بعد دراسة معمقة ومستفيضة لكل جوانب هذا المشروع وبعد أن حسبنا له ألف حساب.
و أهم من كل هذا و ذاك فإن تأسيس طلائع الحريات ليس نتاج اجتهاد شخصي و لا نتاج إرادة فردية، بل كان مطلبا ملحا لقوافل المساندين و المتعاطفين والمشجعين لترشحي في الاستحقاق الرئاسي الأخير، هذه الشرائح الواسعة طلبت مني الخوض في تأسيس إطار سياسي حزبي حتى يتسنى لها مواصلة نضالها السياسي.
و أختم هذا الرد على سؤالك بتوجيه سؤال إليك : إذا كانت لك قاعدة سياسية واسعة – و حتى الأرقام المزورة للاستحقاق الرئاسي الأخير تشهد على ذالك – تريد تعبئتها و إذا كان لك حقا مشروع سياسي تريد إيصاله إلى شعبك و إذا أردت أن تقنع بأنك حامل مشروع بديل كيف يمكنك الاضطلاع بكل هذه المهام بدون الارتكاز على حزب سياسي؟
إن تأسيس طلائع الحريات كان خيارا صائبا و مبادرة تخدم الوطن و خطوة واعدة على درب التجديد الوطني الذي نعمل من أجله.
بعد اعتمادكم من طرف وزارة الداخلية، هل نستطيع القول أن الرئيس بوتفليقة قد وفّى بالتزاماته التي قطعها أمام الشعب بفتح الساحة السياسية، وها انتم تعتمدون في عهدته الرابعة؟
على أي التزامات و على أي فتح للساحة السياسية تتحدث؟ فالمسؤول الذي تشير إليه لم يخف أبدا تحفظاته إن لم أقل تنكره لمزايا و منافع الديمقراطية عامة و التعددية السياسية خاصة، أليس هو من قزم أحداث أكتوبر 1988 إلى مطلب من البطون و ليس مطلب من العقول معتبرا إياها مطالبة بتوفير الخبز و ليس مطالبة مواطنتية بالحقوق و الحريات؟ أليس هو من اعتبر أن الساحة السياسية مكتظة و فاضت بالأحزاب؟ أليس هو من قدم لنا تونس بن علي كنموذج يصح الاقتداء به؟ هذا عن صدق و جدية الالتزامات.
طلائع الحريات لم تعتمد إلا بعد 14 شهر من التبليغ بطلبها، و هكذا صودر حقنا في النشاط السياسي أكثر من سنة، و لو كان لعدالة مستقلة وجودا في بلدنا – لحق لنا مقاضاة الجهاز السياسي – الإداري على هضمه لحقوقنا السياسية طيلة هذه المدة، و توجد إلى حد الساعة مبادرات منسية بتأسيس أحزاب سياسية طبقا للدستور وقوانين الجمهورية ولم تصل لمبتغاها لا لشيء سوى تعسف الجهاز السياسي – الإداري في حقها، و أسأل حتى الأحزاب المعتمدة فلها ما ترويه بإسهاب عن مظالم النظام السياسي القائم في حقها وعن تصرفاته العدائية وعن تحرشاته ضد كل من تُشتَمُ فيه رائحة المعارضة.
يعتقد المتتبعون للشأن السياسي بالجزائر أن اعتمادكم بهذه السرعة فيه نوع من المفاضلة، بحيث توجد عدة أحزاب عقدت مؤتمراتها قبلكم ولم يمنح لها الاعتماد ؟
أين المفاضلة؟ انتظرنا 14 شهر للحصول على اعتماد حزبنا، و يصعب علي في هذا الإطار سرد كل الحواجز والعراقيل والمضايقات التي واجهها مسار تأسيس طلائع الحريات، المفاضلة تأتي كمقابل لملاطفة النظام السياسي القائم، هل أحسست و لو بذرة من الملاطفة تجاه النظام السياسي القائم في خطابنا السياسي؟
لقد ظن الكثير أن بخطاب سياسي كخطابنا لا يعقل و لا يمكن للجهاز السياسي – الإداري القائم في بلدنا أن يمنح الاعتماد لطلائع الحريات؛ و حتى لا أخفي عليك و على مواطناتنا و مواطنينا أي شيء سأبوح لك بسر : لقد وجهت إلي النصيحة بأن أخفف من انتقاداتي و أن ألطف مداخلاتي السياسية بغية تسهيل عملية اعتماد الحزب.
دعني أقول لك بكل ما أوتيت به من نفس أن طلائع الحريات جاءت إلى الوجود بدوافع أخلاقية : أننا قمنا بإنشاء طلائع الحريات لتمكين مناضليه من قول كلمة الحق بخصوص الأوضاع الخطيرة التي يمر بها البلد ولتجنيبهم موقع شهود زور على ذات الأوضاع.
إن تأسيس حزب سياسي حق من حقوقنا انتزعناه من مخالب الجهاز السياسي – الإداري بتواجدنا الكثيف في الساحة السياسية و بقوة طروحاتنا السياسية و بسعة قاعدتنا السياسية و الاجتماعية.
هذه هي الحقيقة التي فهمها النظام السياسي القائم و هذه هي المعطيات الدامغة التي توجب عليه أخذها في الحسبان.
برنامج حزبكم مستمد من برنامجكم في الرئاسيان الفارطة والمتضمن في إحدى فقراته أنكم من دعاة التوافق والتسيير بإشراك كامل الفعاليات السياسية، فهل ستقبلون المشاركة في الحكومة إن عرض عليكم الأمر ؟
أنا من دعاة الشروع في أسرع وقت ممكن في البحث عن حل أزمة النظام التي يواجهها البلد مع كل ما تتضمنه هذه الأزمة من أخطار على ديمومة الدولة الوطنية و تماسك الأمة و استقرار المجتمع.
إن أزمة النظام هذه هي وليدة شغور السلطة و لا شرعية المؤسسات و تعطلها على أداء المهام المخولة لها دستوريا.
و لا حل لأزمة النظام هذه دون معالجة مكوناتها الأساسية أي فك معضلة شغور السلطة و إعادة الشرعية للمؤسسات و تفعيلها من جديد حتى يتسنى لها الاضطلاع الفعلي بمسؤولياتها كاملة.
هذا من جهة و من جهة أخرى يجب أن تعتبر هذه المرحلة الاستعجالية كمرحلة تمهيدية و افتتاحية لمرحلة ثانية تكون مرحلة بعث مسار انتقال ديمقراطي حقيقي تقوده قوى سياسية شرعية تحضى بتفويض شعبي أصيل، فهذا هو تصورنا للحل التوافقي و المنظم و التدرجي و الهادئ الذي ندعو إليه.
و إن أردت الدخول في تفاصيل موقفي من شروط حل الأزمة الشاملة التي تمر بها البلد فإنني أدعوك إلى مراجعة مقترحي الكامل و المتكامل الذي عرضته على الشعب الجزائري منذ سنة والذي قرر تبنيه المؤتمر التأسيسي لطلائع الحريات المنعقد مؤخرا.
كنتم احد مهندسي مشروع الوئام الوطني في عهدة بوتفليقة الأولى، واليوم أنتم من دعاة مجتمع الحريات، بين هذا وذاك أين تقع قناعتكم في موضوع عودة من تسببوا في العشرية السوداء للنشاط السياسي ؟
يجب أن تقال الحقيقة كاملة وغير مزيفة في موضوع بالغ الدقة كهذا و المثير لكثير من الحساسيات و العواطف.
و الحقيقة هي أننا لم نكن مهندسو مشروع الوئام المدني بمعنى أننا لم ننطلق من فراغ أو نقطة الصفر، كان هناك في سنة 1999 مشروع ورثناه ممن سبقونا في المسؤولية و عملنا و اجتهدنا على أساسه و في إطاره، هذا المشروع لم يتناول الجوانب السياسية.
نعم أنا من دعاة مجتمع الحريات و لكنني أيضا من دعاة دولة القانون، و دولة القانون تنظم و تؤطر ممارسة الحقوق و الحريات بصفة متجردة و حيادية و عادلة.
و يتم تنظيم و تأطير ممارسة الحقوق و الحريات عن طريق الدستور و قوانين الجمهورية.
و لا يمكن بالنسبة لي أن تمارس هذه الحقوق و الحريات خارج أطر الدستور و القوانين أو بمخالفة أو خرق لهم.
ألا ترى بأنه آن الأوان لأن تتصالح مع النظام بعد منحكم الاعتماد أم على النظام التصالح مع برنامجك وأفكارك ؟
طرح سؤال كهذا يوحي بأنني في خلاف شخصي أو في صراع مع أشخاص آخرين، ممارستي السياسية لقنتني الكثير من الدروس وأهم هذه الدروس بالنسبة لي هو الدرس الذي أتعظ و أقتدي به : إن السياسة برامج وأفكار تعلو وتسمو فوق مواقع ومراتب النساء و الرجال مهما كانت مكانتهم و مناصبهم، النساء و الرجال يأتون و يغادرون و تبقى الأفكار و المشاريع السياسية.
شغلي الشاغل اليوم ليس أن أتصالح أو أن أعادي أي كان، و شغلي الشاغل ليس أن يتصالح معي أو يعاديني أي كان، أنا و حزبي حمالة مشروع سياسي و أصحاب طرح بديل معروض على الشعب الجزائري ليحكم إليه و عليه.
و من هذا المنظور فإن شغلي الشاغل هو أن تعطى الفرصة للشعب الجزائري للفصل في الخيارات المقدمة إليه بكل سيادة و شفافية ونزاهة دون أن يخلط التزوير الأوراق و يشوه الإرادة الشعبية و يغتصبها كما هو الحال راهنا.
تتحدثون دائما عن شغور منصب رئيس الجمهورية ويشدد زعماء أحزاب الموالاة من جهتهم على إكمال الرئيس عهدته الدستورية، هل يمكن أن يقبل بن فليس بالأمر الواقع وينتظر موعد الرئاسيات القادمة أم أنه سيظل متمسكا برئاسيات مسبقة ؟
تنظيم رئاسيات مسبقة مطلب رسمي لهيئة التشاور و المتابعة للمعارضة التي أنتمي إليها، و هذا المطلب الرسمي أعلن عنه في بيان صدر عن هذه الهيئة في 18 أكتوبر 2014 فالأمر واضح و لا لبس فيه.
أنت عضو في هيئة التشاور والمتابعة التي تطالب بضرورة تشكيل هيئة مستقلة للإشراف على الانتخابات، هل ستظل منسجما مع هذا الطرح لو ذهبت السلطة إلى إقرار انتخابات سواء تشريعية أو رئاسية مسبقة دون تشكيل الهيئة المستقلة ؟
من صميم قلبي أتمنى أن يكون الاستحقاق الرئاسي لسنة 2014 آخر فصل من الفصول المخجلة للتزوير في بلادنا، لا يمكن لجريمة التزوير أن ترتكب مجانا، فنحن ندفع ثمنها اليوم ويتضرر البلد بأكمله من تداعياتها المتفاقمة من خلال فقدان النظام السياسي القائم للشرعية و المصداقية و الثقة، و أصبحنا محل التشفي أو السخرية في العالم قاطبة.
إن التزوير قد قضى على حرمة و هيبة الدولة و أضعف مؤسسات الجمهورية من معناها و جوهرها و علة وجودها، وإن تكلفة التزوير تكلفة باهظة لا يمكن لبلدنا مواصلة دفعها، و بالتالي أضحى تأسيس هيئة مستقلة لتحضير و تنظيم و مراقبة سير الاستحقاقات الانتخابية ضرورة ملحة.
لقد دعم عدد كبير من دول العالم بما فيها دول جوارنا مشهده السياسي و المؤسساتي و الدستوري بهيئة كهذه لوضع حد نهائي للتشكيك في نزاهة الانتخابات و التلاعب الخطير بنتائجها.
شخصيا، يصعب علي تصور تنظيم انتخابات في بلادنا مستقبلا دون تأسيس هيئة حيادية تشرف عليها من انطلاق مسارها إلى نهايته.
خيار التصعيد ولغة القطيعة مع النظام ظهرت كثيرا في بيانات المعارضة، حيث سبق لكم الخروج للشارع في 24 فيفري، هل خيار الشارع يدخل في أجندتكم للوصول إلى التغيير السياسي الذي تطالبون به ؟
أنا من دعاة حل توافقي و تدرجي و هادئ للأزمة الشاملة التي ابتلي بها البلد، وأنا كذالك من الحريصين على تجنيب البلد دفع ضريبة زعزعة الاستقرار والانقسام والاضطراب من اجل الإصلاح و التجديد، إننا أبناء الوطن الواحد و بإمكاننا جدا إحداث التغيير المطلوب و المرجو دون إخضاع البلد إلى محن و مآسي هو في غنى عنها.
فردي هو نعم أنا مع خيار التوجه إلى الشعب – فمصطلح الشارع لا يرضيني إطلاقا – و لكن في حدود المساهمة في تحسيسه بخطورة الأزمة الراهنة وتعبئته حول مقتضى التحول الديمقراطي و عرض مشروعي السياسي عليه.
تلوح في الأفق بوادر أزمة اقتصادية، ويظهر المشهد العام الذي تنقله وسائل الإعلام بوجود تخوفات كبرى لدى خبراء الاقتصاد والشارع عموما من سياسة التقشف وحدوث كارثة اقتصادية، هل فعلا نحن مقبلون على أزمة وهل يمكن أن تكون بداية انهيار النظام ؟
إن المعارضة الوطنية ليست وحيدة في معاينتها لافتقاد الحكومة إلى أبسط تصور جاد لمواجهة الأزمة الطاقوية العالمية، و حتى إلى مؤشرات مقاربة مقنعة لامتصاص صدمات هذه الأزمة الموجعة، فالغالبية العظمى من الخبراء و العارفين بالشأن الاقتصادي الوطني قد وصلت إلى نفس الخلاصة و نفس الاستنتاج الموضوعيين، و ما التصريحات المتناقضة لأعضاء الحكومة حول طبيعة هذه الأزمة و طرق التصدي لها و ما كل القرارات التي تم الاعلان عنها قبل العدول عنها دون شرح أو تفسير و ما التضارب الصارخ في كل الأرقام المقدمة سوى دلالات واضحة على تخبط السلطة و ارتباكها الشديدين في وجه أزمة أضحى من الواضح أنها تجاوزت قدراتها الابتكارية.
و بالفعل فإن الكل يرى بأم عينيه أن الحكومة ليست في مستوى تحديات الأزمة الاقتصادية الراهنة، فليس لها تصورا عقلاني و متناسق بخصوص السبل و الوسائل الواجب حشدها للتعاطى مع مقتضيات هذه الأزمة، و ليس لها مقاربة منهجية غير الارتجال و التصرفات العفوية؛ و ليس لها أهداف واضحة المقاصد و المعالم، و ليس لها من وصفات سوى تلك التي تم اللجوء إليها إبان حدوث أزمات مماثلة في العقود الماضية و التي منيت كلها بفشل ذريع.
و لنرجع الآن إلى لب سؤالك؛ فحكامة فاشلة قادت البلد إلى انسداد اقتصادي كالذي يشهد عليه الجميع اليوم لا يمكنها إخراجه منه، و حكامة مسؤولة عن إخفاق قياسي بالرغم من توفر 800 مليار دولار لديها لتمويل خطط انعاش مزعومة لا يمكن بتاتا تصديقها لما تدعي أنها قادرة على تحسين إدارتها للاقتصاد الوطني حتى بدون أي مخطط إنعاش يذكر، و حكامة تميزت بالتبذير و بالعبث بالمال العام و بالفساد الفاحش لا يمكن أن تؤتمن في مزاعمها بأنها جديرة بتعبئة الجزائريين حول مقتضيات الصرامة و التقشف و التضحيات و هي كلها مقتضيات سيفرضها تفاقم الأزمة المنتظران آجلا أم عاجلا، وفي المحصلة فإن الحكومة تضيع الوقت على نفسها كما تضيعه على البلد كله.
فالجزائر تواجه أزمات و ليس أزمة واحدة، هذه الأزمات سياسية و اقتصادية و اجتماعية، لقد حاول النظام السياسي القائم التغطية على هذه الأزمات كلها مستغلا البحبوحة المالية لشراء السلم الاجتماعي و لضمان ديمومته الذاتية. و ها هي الأزمة الطاقوية تأخذ من يديه هذه الورقة التي ظنها رابحة إلى الأبد.
و ها هو نظامنا السياسي تُفرض عليه العودة إلى الواقع، وهذا الواقع يملي عليه ضرورة الاعتراف بأن حل مجمل هذه الأزمات سيكون سياسي أو لن يكون؛ و محرك هذا الحل يكمن في شرعية نظام الحكم وحدها دون سواها.
تشهد المؤسسة العسكرية إعادة هيكلة بغية الوصول إلى جيش احترافي كما يقول رجال الرئيس بوتفليقة، هل ترى ما يحدث مؤخرا يخدم المؤسسة العسكرية أم هو انعكاس لصراع بين الأجنحة حول موضوع خلافة الرئيس بوتفليقة ؟
إن النظام السياسي القائم و كل من يدورون في فلكه يتفننون في إفراغ المصطلحات و المفاهيم من معناها المعروف و المعهود من أجل طمس الوقائع و تشويهها، يصلح الحديث عن إعادة هيكلة أي كيان لما تطرأ تغيرات على تركيبته أو مهامه أو أهدافه أو أدواته؛ هل هذا ما حدث بمناسبة التغييرات التي طالت مؤخرا بعض القيادات العسكرية ؟ قطعا لا، و كل ما في الأمر تحويل لصلاحيات و ليس إعادة هيكلة بأتم معنى الكلمة، أما عن صراع الأجنحة فأنا لا أود أن أدخل فضاء الإشاعات و التخمينات و النظريات المؤامرتية، لا يحق لرجل سياسي يعي ثقل مسؤوليته بأن يقدم شهادته في أي موضوع كان إلى الرأي العام الوطني دون التأكد من صحة و صلابة منطلقاتها و معطياتها و استنتاجاتها، ففي جو التعتيم السائد لا يمكنني الوقوف أمام المواطنات و المواطنين والجزم لهم بوجود صراع أجنحة من عدمه.
لكنني و كسائر المتتبعين والمحللين للشأن الوطني أَشتمُّ في كل ما جرى رائحة المناورات و الحسابات السياسوية و السلطوية، و أخشى ما أخشاه أن تأكد مثل هذا الإحساس هو إضعاف قدرات الجيش الوطني الشعبي في اضطلاعه بمهامه الدستورية و في مواجهة كل ما أثقل كواهله من تحديات أمنية وطنية و جهوية على حد سواء.