جاب الله يعلق على عودة الرئيس، موقف الجزائر من التطبيع والتطورات في الصحراء الغربية (حوار)
أكد رئيس جبهة العدالة والتنمية، عبد الله جاب الله، أن موقفه من السلطة مرتبط بجديتها في توفير شروط البناء الديمقراطي ومحاربة الفساد.
بالمقابل أثنى جاب الله في حوار مع “سبق برس” على موقف الجزائر الرافض للتطبيع مع الكيان الصهيوني، وأكد دعم تشكيلته السياسية لحق الشعب الصحراوي في تقرير مصيره.
عاد الرئيس من رحلته العلاجية وباشر أداء مهامه، ما هو تقييمكم للوضع الحالي ؟
نحن نعتمد في مواقفنا على مدى جدية رئيس الجمهورية في توفير شروط البناء الديمقراطي التعددي السليم والصحيح، وكذلك نتساءل هل سيجتهد في محاربة الفساد المتنوع والمتفرع الذي نخر الإدارة الجزائرية، ونخر أيضا القضاء الجزائري بكل أنواعه ومس مختلف شرائح المجتمع، أم أنه سوف يستسلم لهذا الواقع المر ويحاول أن يقننه تدريجيا على غرار ما فعله السابقون، هل سنشهد الوفاء عمليا لثورة الشعب التي دامت سنة كاملة، وخاض فيها الشعب بالملايين، أم أن نصيب الشعب من كل ذلك مجرد وعود التي لا تصدقها بعد ذلك الخيارات المتبناة والسياسات والمواقف المتخذة.
الأجوبة على هذه الأسئلة هي التي تجعلنا نبني مواقفنا من السلطة وليست أمرا آخر.
كشف الرئيس تبون قبل رجوعه عن قرب الإنتهاء من إعداد قانون للانتخابات، ما هي تطلعاتكم من هذا النص وموقفكم من حل المجالس المنتخبة ؟
لا ننسى أن الرئيس كلف أحمد لعرابة الذي ترأس لجنة صياغة الدستور، ليترأس أيضا لجنة صياغة قانون عضوي للإنتخابات، وأنا قلت سابقا أني لا أثق في هذه اللجنة، ورأيت بعد ذلك ما صدر منهم في الدستور من مخالفات صارخة وعميقة جدا، فكان الأولى أن يسند الأمر لأناس أكثر معرفة بطبيعة الأمة و مرجعياتها وواقعها، وأكثر وفاء أيضا للتاريخ والواقع القائم.
ولذلك مثلما تشاءمت لما عينت اللجنة المكلفة بكتابة الدستور، وطالبت بأن تكون اللجنة متوازنة وجامعة للآراء، ولا تسند إلى تيار واحد، أنا أيضا غير متفائل هذه المرة.
في ظل التشاؤم الذي تبديه من خيارات السلطة، هل لديكم مقترحات يمكن أن تجتمع حولها المعارضة ؟
في الحقيقة تنوعت المبادرات في مسارنا السابق، ومنيت جميعها بالفشل الذي كان في حد ذاته متوقعا، وهو الفشل الذي تتسبب فيه السلطة أحيانا، وفي أحيان أخرى الأطراف الشريكة في المبادرة وهو الذي يدمي القلب، التساؤل الآن هل الساحة نضجت بعد تنوع الإخفاقات التي عرفتها المبادرات السابقة حتى تكون أكثر استعدادا للوفاء لما يتم التوافق عليه وتكون أكثر حرصا على خدمة الصالح العام ؟، تلك الخدمة الكفيلة بتمكين هذا الشعب من إسترجاع حقوقه المعتدى عليها، في مقدمتها إسترجاع حقه السياسي وحقه في السلطة والثروة، وهذا الأمر سوف تبوح به المواقف والأيام المقبلة، فإذا وجدنا أن هناك اتعاظا من التجارب السابقة وحرصا صادقا للدفاع عن حقوق الشعب، عندئذ سوف نقوم بالواجب، ولا نبخل في أداء هذا الواجب بما يتوفر من طاقات وإمكانات وقدرات.
فُتح في المدة الأخيرة ملف الذاكرة مع فرنسا مع إنشاء لجنة بين البلدين، هل يمكن أن يطوى هذا الملف بما يخدم مصالح الجزائر ؟
فرنسا خرجت كإستعمار إستيطاني نعم، ولكن ثقافتها ولسانها ونمط الحياة الفرنسي لا يزال موجودا في الجزائر، خصوصا عند الطبقات النافذة، العلمانية المعتمدة في فرنسا هي الأكثر تطرفا، قياسا بالعلمانية “الأنجلوسكسونية”، فالعلمانية المنتهجة في الجزائر من طرف النخب الموالية لهذا التيار هي العلمانية الفرنسية والتي يصطلح عليها في فرنسا باللائكية، وتعد المعاني المتبناة في هذا الجانب مضامين بالغة الخطورة، ولذلك لست ممن ينخدعون بمثل هذه المبادرات، على غرار لجنة مشتركة لمعالجة ملف الذاكرة، فالشعب الجزائري استعمر 132 سنة من طرف فرنسا، فكيف لنا أن نشركها في التقرير الذي يخص الذاكرة التاريخية الجزائرية، نحن ضحايا ظلم وعدوان فرنسا وضحايا الممارسات الإجرامية على كافة المستويات سواء خسائر الأبدان وسقوط ملايين الشهداء قتلهم المستعمر أو التداعيات المعنوية والسلوكية و ما إلى ذلك، فأنا لست موافقا على مثل هذه المسائل و لا أنخدع بها، بل يجب أن نقتنع أننا شعب متميز بإسلامه وعروبته وأمازيغيته ما يحيلنا إلى الاختصاص في فكرنا وعقيدتنا وعباداتنا وتصوراتنا علاوة على نظرتنا للنظم السياسية، من جهة أخرى أنا أساند فكرة نقاش هذه المسائل نقاشا علميا وأكاديميا.
يتواصل مد التطبيع العربي مع الكيان الصهيوني، أين سيصل وما موقع الجزائر من هذه القضية ؟
في العموم النظام العربي الرسمي ليس مستقلا، بل هو نظام تابع، ونذكر بالتبعية السابقة للقطبية العالمية سواء للاتحاد السوفييتي أو أمريكا، وقد انحصرت التبعية العربية لواشنطن والمؤسسات التي أوجدها النظام الدولي بعد زوال القطبية، والتي هي مجرد أدوات يستعملها لمواصلة هيمنته على العالم العربي، لاسيما استغلال الثروات من جهة والتسويق لأفكاره السياسية و الاقتصادية والثقافية من جهة أخرى، عساه يضعف من تأثير الإسلام على هذه الأمة، وهذا ما جهل الوضع جاهزا لتضييع العرب لفلسطين، فلا نجد العرب قد خسروا فلسطين بالقوة والقهر بعد معركة طاحنة خاضوها بكل حزم، بل نجد أن النظام العربي الرسمي قد سار بالقضية الفلسطينية إلى الوراء عقدا بعد آخر، وإن ثمة فارق بين قادة العرب في نظرتهم للقضية من خلال جرأة القادة في الدعم والخيانة بالنسبة للقادة الآخرين، فيما يتعلق بالقادة المتعاقبين على حكم الجزائر على غرار بن بلة وبومدين، نلحظ أنهم أكثر غيرة على فلسطين بالمقارنة بغيرهما، وموقف الجزائر من التطبيع موقف إيجابي أتمنى أن تصمد وتصبر عليه.
الأنظمة التي انخرطت في التطبيع، هي أنظمة كانت مطبعة في السر، حتى جاءت المرحلة التي تسمح بالمجاهرة بالتطبيع، لأن هذه الأنظمة لم تخض حروبا مع الكيان الصهيوني، ولكن من المنطق الشرعي فقد مست كل الأراضي العربية، لأن استعمار الصهاينة للأرض الفلسطينية هو عدوان على كل مسلم ووجب تحريرها من كل المسلمين من قاعدة “الأقرب في الأقرب”و”الأقدر في الأقدر”، لكن الأنظمة العربية سلمت أن الأراضي التي سلبت قبل 67، أضحت أراضي خالصة للصهاينة، والإسلام لا يقر ذلك بل يرفض الظلم و العمل في إتجاهه.
المغرب أعلن التطبيع مقابل دعم الرئيس الأمريكي المنتهية عهدته لموقفه من الصحراء الغربية، كيف ترى هذه المقايضة ؟
خطوة المغرب تندرج في هذا السياق الذي أشرت اليه، نظام المخزن لم يكن يوما معاديا للكيان الصهيوني، ومعروف العلاقة بينهم، ومعروف أيضا نفوذ الصهاينة في المغرب وكذلك تواجد مغاربة يهود في الكيان الصهيوني، لقد جاء الوقت وأعلنوا عن العلاقة التي لم تكن مقطوعة أصلا.
لكن إعلان العلاقة تزامن مع قيادة حزب من التيار الإسلامي للحكومة، ألا يعد ذلك إنتكاسة لتيار الإسلام السياسي ؟
الحجة للنص، أما مواقف الاسلاميين فهي محكومة بالإسلام فإن وافقته فقد زكيناها أما إذا عارضت الإسلام فهي رد على أصحابها وهي مرفوضة ولا تمثل إلا أصحابها، هناك أدلة شرعية كثيرة تؤكد مخالفة ماقاموا به، من بين ذلك أن الإسلام حرم العهد الذي فيه ذلة وهوان، والكل يعلم أن أي إتفاقية مع الكيان الصهيوني قائمة على إقرار الظلم والعدوان وأخذ أرض الفلسطينيين وإقرار الظالم على ظلمه لا يجوز، أعود فأقول الإسلام حجة على أتباعه والناس كافة أما الناس فليسوا حجة على الاسلام مطلقا.
وموقف حزب العدالة والتنمية في المغرب موقف مخزي ومتعارض مع تاريخهم السابق حيث كانوا يعلنون دعم فلسطين ومجتهدين في التعريف بالقضية، للأسف وجودهم في السلطة اتضح أن لديه ثمن ومن ذلك التخلي عن المبادىء.
استقبلتم السفير الصحراوي مؤخرا وذكرتم بموقفكم الداعم للشعب الصحراوي، ما هي رؤيتكم لتطورات النزاع؟
دعمنا للشعب الصحراوي ليس موقفا جديدا وإنما متجدد، موقفنا مبني على معطيات وأدلة، لقد واجهت شخصيا من لا يقرون بحق الشعب الصحراوي في أرضه من أشقائنا المغاربة بسؤال هل كان للمغرب إسهام في تحرير الصحراء الغربية من الاستعمار الإسباني ؟ كل من سألتهم أكدوا أن المغرب والمغاربة لا علاقة لهم بإرغام الإسبان على الخروج من الصحراء الغربية، إذا المغرب لا تملك أي حق في الصحراء الغربية ووجودها حاليا استعمار، أيضا المسائل المتفق عليها في العلاقات بين الدول هو إقرار ما تركه الاستعمار من حدود.
وأؤكد على حق الصحراوييين الذي ضحوا لأجل تلك الأرض ووقفوا ضد الاستعمار الاسباني أن ينتزعوا استقلالهم بالطريقة التي يرونها مناسبة، وموقف الجزائر فيه عدل كبير، فالجزائر أكدت أنها ليس لها أي أطماع وأنها تدعوا لاحترام حق الشعب الصحراوي في تقرير مصيره من خلال الاستفتاء الشعبي وهو موقف نثمنه ونسانده.