تعمل الدبلوماسية الجزائرية اليوم في ظل ظروف وتحولات إقليمية ودولية معقدة ومتشابكة، لكن الملاحظ جليا اليوم أن فيه خوف واضح ممزوج بالانزعاج والتوجس الملحوظ تجاه عودة الجزائر إلى الساحة أو تجاه أي موقف أو دور أو تحرك دبلوماسي للجزائر، صنعته فكرة ”الجزائر استثناء” ولا تسري عليها مخططات الرماد.
وجدير بالإشارة هنا، التنبيه إلى موجات الاهتمام الإقليمي بالشأن الجزائري والتي تتصاعد وتتراجع وفق منحى أفقي، يعمل على تسليط الضوء على كل ما هو مثير للبلبة وتضخيمه، أو الترويج لكل ما هو قابل للتأويل، وكأن فيه رصد مقصود، يتم الاستثناء منه كل ما هو إيجابي أو كل تفوق أو نقطة قوة قد تحسب لصالح الجزائر، وهو ما يجعل الإعلام الوطني مطالب ببذل المزيد من الجهد من أجل التصدي لحملات التأويل والتوظيف السلبي لكل ما يُصنف في خانة الموقف الجزائري وإخراجه عن سياقه.
نحتاج اليوم إلى ذكاء وإبداع إعلامي وطني يتصدى للحملات المشبوهة ويستقطب عقل الجزائري بالشكل الذي يعزز مناعته ضد كل ما يسوق من قبل المخابر الأجنبية، وأن لا يلجأ إليها لاستقراء الواقع أو فهم موقف أو حتى تحليل خطاب سياسي تتعمد الأبواق المأجورة إفراغه من كل أبعاده الإيجابية.
وفي ذات السياق، أخذت الدورة الـ 38 لرؤساء دول وحكومات الاتحاد الإفريقي حيزا من الاهتمام الإعلامي الواسع، خصوصا إعلام منطقة شمال إفريقيا، وقد يرجع ذلك إلى حجم التنافسية التي خلقتها انتخابات تجديد عضوية هيئات الاتحاد الإفريقي بين الجزائر، مصر، المغرب، وليبيا، وطبعا شكلت في ذلك المناورات المغربية عنوانا للتحايل والهوس من أجل تخطي عقدة الجزائر التي تبقى كبيرة بمواقفها وإسهاماتها ودعمها لمصالح ووحدة الشعوب الإفريقية.
كما كان لحضور السيد رئيس الجمهورية في أشغال القمة الـ 38 الأثر في تجسيد إرادة سياسية عازمة على إعادة الاعتبار لدوائر العمل الدبلوماسي الجزائري في إفريقيا، وتأكيد صريح منه على أن الجزائر جزء من مستقبل إفريقيا وأن الجزائر مساهم أساسي في معادلة إفريقيا المستقبل، ضمن ما يرتبط طبعا بالحسابات السياسية والاقتصادية الدولية التي تتشكل اليوم.
لذلك فإن حضور السيد رئيس الجمهورية لمؤتمر قمة الاتحاد الإفريقي في دورته الـ 38، كان عنصر دعم وأضفى الكثير من الفاعلية على دور البعثة الجزائرية بأديس أبابا، حضور يؤكد على أن الرؤية المستقبلية لواقع العمل الإفريقي المشترك تعتزم فيها الجزائر لعب دورها الكامل سواء داخل هياكلها أوفي رسم أهداف القارة الإفريقية.
* فوز بعنوان الإصرار
يعتبر الفوز الذي كان من الضروري تحقيقه بمنصب نائب رئيس مفوضية الاتحاد الإفريقي لمرشحة الجزائر، خطوة مهمة لتعزيز كلمة الجزائر ودورها داخل أجهزة وهياكل الإتحاد الإفريقي، وهو الفوز الذي سيسمح بإعادة التوازن للعمل داخل هياكل الإتحاد ويضمن الجدية في خدمة أهداف وميثاق الإتحاد الإفريقي وأجندته لسنة 2063، كما يشكل بابا لقطع الطريق على المشوشين وأصحاب المناورات المشبوهة، واعتقد أن أهم ما يمكن تقصيه من هذا الفوز والزخم الذي صنعه هو:
إن سياسة الكرسي الشاغر قد انتهت وأن العمل الإفريقي واستعادة الجزائر لدورها وكلمتها داخل الاتحاد الإفريقي قد بدأت وفق مقاربة عملية براغماتية، تؤسس لمرحلة جديدة من أجل قيادة العمل الإفريقي المشترك، بما يجعل من الجزائر صوت إفريقيا ويدها الممتدة نحو خدمة قضايا الأمن والاستقرار والتنمية، وهو العمل الذي يكمل ما تقوده الجزائر داخل أروقة مجلس الأمن من خطط داعمة لحق إفريقيا ومكانتها في النظام الدولي العالمي.
ورغم ما ينتظرنا من عمل كبير داخل أروقة الاتحاد الإفريقي فإن هذا التتويج يعد بداية لعمل أكبر تستوجبه ظروف المرحلة الحالية والقادمة، لأن من سينجح في تعزيز دوره ومكانته في قيادة الاتحاد الإفريقي، سيكون له دور في رسم معالم مستقبل القارة الإفريقية، وفي ذلك تشكل توجيهات السيد رئيس الجمهورية بوصلة العمل الدبلوماسي في شقيه العملي والتأطيري، وهو ما يترجم اليوم في التحركات التي يقودها وزير الخارجية وطاقمه، وفي ذات السياق نجدها توجيهات تسعى إلى تحقيق أهداف عملية لتحيين منظومة العمل الإفريقي بما يجعلها تواكب التحديات والتحولات ويمكن إجمال أهداف هذه التوجيهات في كونها تصب في خدمة التالي:
- التعافي: الأمني والاقتصادي في إفريقيا.
- التضامن: من أجل مصالح الشعوب الافريقية وخدمة مؤسسات العمل الإفريقي المشترك.
- التكامل: من أجل إفريقيا مستقرة وخطط تنموية حقيقية.
لتشكل بذلك المساهمة الجزائرية في دعم العمل الإفريقي المشترك مقاربة قائمة على الرشادة والفاعلية ومتطلبات بناء القدرات الذاتية للقارة، وهي محطة لاستعادة ثقة إفريقيا عبر تجديد الخطاب الدبلوماسي وآليات العمل بما يتماشى مع الواقع وشروط الفعالية، وقطع الطريق على الطروحات المتطرفة المتسربة تحت الطاولة الإفريقية، لان الرهان هو الحفاظ على أهداف ميثاق الاتحاد الإفريقي.