لماذا الأخبار السيئة ؟؟

PLAY

لماذا الأخبار في التلفزيون الحكومي مملة وعادية ولا يهتم بها إلا المسؤولون الحكوميون ؟ لماذا تبدو الاخبار في القنوات المستقلة والخاصة تستحق المشاهدة؟ لماذا القنوات الأجنبية لا تنقل الا الاخبار السيئة التي لا تغطيها القنوات الرسمية وشبه الرسمية مثل فضائح الفساد ؟ ولماذا لا تهتم الصحف الخاصة التي يُقبل عليها الجمهور بنقل الاخبار الجيدة التي تتعلق بالإنجازات التنموية أو الإجراءات الحكومية والتي تغطيها وكالة الانباء الحكومية بكل تفاصيل وبجميع اللغات؟

أحد الإجابات الخاطئة هي أن الاعلام الحكومي يخدم المصلحة العامة، في حين أن الإعلام الخاص المحلي يخدم المصالح الخاصة و اختيار الاخبار السيئة التي تسئ لصورة البلد هي أخبار مغرضة، فأما القنوات الدولية فهي تخدم أجندات أجنبية.

لكن الإجابة الصحيحة، أن الأخبار هي بمثابة سلع هناك من ينتجها (وسائل الاعلام) و هناك من يستهلكها ( المشاهد والقارئ) وسوق الاخبار مثل أي سوق اقتصادية، فهي تمتاز بتنافسية عالية من أجل إرضاء رغبات وحاجات المستهلك للأخبار التي تهمه والتي لها قيمة في نظره، مثل أي سلعة استهلاكية أخرى ولهذا فالأخبار العادية المعروفة والمتوقعة والروتينية التنموية التي يغطيها الاعلام الرسمي لا تلبي رغبة المشاهد الذي يتطلع إلى الأخبار غير الروتينية وغير العادية التي تستطيع ان تكسب اهتمامه، فلهذا تتنافس الوسائل الإعلامية الخاصة في انتاج اخبار جديدة و توصلها الى القارئ والمشاهد بأسرع السُبل ( سبق برس نموذج صاعد في هذا الاتجاه)، ويبقى الحكم الأخير للمشاهد الذي يقيم قيمة هذا المنتوج الإعلامي ويحكم على مصداقية منتجي الاخبار.

هذه هي الآلية التي تجعل من الاخبار السيئة تنافس الأخبار الجيدة ،إنها آلية السوق الذي لا يتحكم فيه احد ،فقط منتجون يسعون لإرضاء المستهلكين، ولهذا يبقى الإعلام الحكومي ينتج سلعا إخبارية خارج السوق سلعا ذات تكلفة عالية للحكومة (ميزانية الاعلام الرسمي) لا يستهلكها الجمهور الواسع مثل السلع الرديئة التي تنجها الشركات الوطنية العمومية و التي لا يشتريها احد ويُفضل الناس عِوضها سلع ينتجها القطاع الخاص، ثم لماذا تريد الحكومة ان تقدم خدمة الاعلام في حين أن السوق بإمكانه ان يقدم خدمات تنافسية مجانية للمستهلك.

لقد وفرت الحكومات خدمة الاعلام الرسمي من قبل وكان الهدف هو تقديم وجهة نظر الحكومة ، سميت هذه الخدمة دعاية نازية وفاشية، وحتى بريطانيا خلقت قناة الـ ” ب. ب. سي” لأغراض الدعاية الحربية، وبعد 11 سبتمبر خلقت الحكومة الأمريكية “قنوات الحرة” وإذاعة “سوا” لعرض وجهة نظر الحكومة الأمريكية.

الدعاية النازية سقطت بسقوط الحكومة الفاشية و استمرت الـ “ب ب سي” بدعم من دافعي الضرائب البريطانيين وسط جدل حول استمرار دعم الحكومة لقناة إعلامية بأموال دافعي الضرائب في ظل وجود قنوات خاصة منافسة، وذلك ينسحب أيضا على قناة الحرة التي يدعمها الكونغرس لشرح السياسة الأمريكية باللغة العربية تشتغل ولكن لم تنجح في كسب المشاهد العربي الذي مازال يكره التدخل الأمريكي في شؤون الغير .

كل هذه القنوات الحكومية الغربية و العربية تبقى تسعى للسيطرة على رأي المشاهد وتوجيهه، فهي بعيدة عن قانون السوق، هذا الأخير الذي ترجع فيه الكلمة الأخيرة للمستهلك القارئ والمشاهد لما تكون الخيارات متوفرة أمامه.

لقد انتهت الدعاية النازية والفاشية لأنها وجدت لخدمة الحكومات النازية والفاشية فزالت بزوالها وبقيت القنوات الحرة المستقلة، لأنها وجدت من اجل خدمة القارئ والمشاهد ومادام راضيا عن ما تقدمه فهي قد تستمر وإذا غير رأيه عنها فقد تندثر.

 

الدكتور مصطفى راجعي أستاذ علم الاجتماع بجامعة مستغانم