الموقف الفرنسي: مراوغة سياسية تفتقد للخبرة
شهد الموقف الفرنسي الذي وصف بالمتحيز ضد قضية الصحراء الغربية والذي ورد في رسالة تهنئة لملك المغرب، وتعرض لجملة من الإنتقادات داخل فرنسا وخارجها، واعتبره المتتبعون للشأن الدبلوماسي مراوغة سياسية تفتقد للخبرة وللقراءة الصحيحة والعقلانية لظروف المنطقة والرهانات المرتبطة بشؤون السياسة والدبلوماسية والإقتصاد .
فقد شكل اعلان الموقف الفرنسي الغير مؤسس حول الصحراء الغربية سقطة سياسية كبيرة، يعتبرها المتخصصون أنها جانبت الصواب، على اعتبار أن قضية الصحراء الغربية مسجلة في الأمم المتحدة على انها قضية تصفية استعمار، ولا يمكن لتصريح أو خطاب أن يغير من واقعها وحقيقتها الدولية، كما أن الوهم الذي زفه الرئيس الفرنسي في برقيته انطلق من حجة ضعيفة سرعان ما تراجع عنها في الفقرة الأخيرة من رسالته والتي أشار فيها الى حقيقة القضية التي ترعاها الأمم المتحدة باعتبارها قضية تصفية استعمار، ولعله الضعف الذي قابلته الطبقة السياسية في فرنسا بالرفض، وصرحت بأنه موقف انفرادي لا يمثل ولا يحظى بالتوافق والاجماع من قبل الطبقة السياسية الفرنسية، خصوصا اذا ما اشرنا إلى نتائج الانتخابات التشريعية الأخيرة في جويلية 2024 في فرنسا والتي لم يحصل فيها حزب ماكرون على الأغلبية.
اذن الملاحظة الأولى على رسالة الرئيس ماكرون هي انها عبرت عن رغبته وما يريده ماكرون وحكومته لتصريف الأعمال، وهناك فرق بين الإرادة الدولية التي تستند لقواعد القانون الدولي وإرادة الرئيس ماكرون التي تحركها المجاملة والإنحياز.
ضعف الموقف الفرنسي ينطلق من ضعف حجته، وانحيازه ضد إرادة الشعب الصحراوي الشقيق الذي يقاوم ضد اعتداءات يومية وانتهاكات صارخة لحقوق الإنسان، ولا شك ان الموقف الفرنسي يأتي مكملا لسياسة التقاعس والتجاهل التي تنخرط فيها مجموعات ولوبيات المصالح فلا يمكن تسميتها بالدول لأنها تخلت عن العمل بمنطق الدول والمؤسسات وانخرطت في العمل وفق منطق مجموعات وعصب متآمرة على إرادة الشعوب ومصالحها خصوصا الشعوب الافريقية.
وفي ظل التحولات العالمية الجديدة، نؤكد على ان قضية الصحراء الغربية ليست قضية الصحراويين فقط بل هي قضية دول الجنوب كاملة وافريقيا عموما، لأن مواجهة الإستعمار والاستعمار الجديد يجب أن تكون مواجهة جماعية من أجل تنمية عالمية عادلة، ونظام دولي متوازن، وبالتالي وجب اليوم الدفاع عن القضية الصحراوية باعتبارها قضية عالمية وليست قضية إقليمية، لان ما يحدث من انتهاكات يشكل تعدى على مبادئ الإنسانية وقواعد القانون الدولي.
ضمن هذا السياق يصب الموقف الجزائري حيث تبرز قوته في رفضه القاطع لأي شكل من أشكال الابتزاز السياسي والمتاجرة بمصالح شعوب المنطقة، كما عبرت الجزائر عن رفضها القاطع لمختلف أشكال التآمر من أجل اغراق المنطقة والدفع بها نحو المزيد من مظاهر الانفلات الأمني، على اعتبار ان المواقف السياسية المتطرفة أضحت شكلا من اشكال دعم الإرهاب، لأنه وعلى ما يبدوا ويتضح من رصد وتتبع للتطورات الحاصلة في المواقف والتصريحات لبعض الدول الوظيفية فإن الأطماع التوسعية للقوى الاستعمارية تسعى الى ضرب استقرار المنطقة المغاربية بحثا عن مصالحها المرتبطة باستنزاف ثروات وخيرات شعوب المنطقة.