ماذا تفعل وفاء شعلال في القصر ؟
تغري الوزيرة لأنها ليست من الوسط الثقافي وفي هذا إمتياز يلعب لصالحها، فهي لحد الساعة لم تتلوث ولم تغرق في نعيم النفوذ السلطوي أو تقترب من مصالح الكارتلات الثقافية المتعددة الحيل الأشكال والأساليب والنماذج أكانت سينمائية أو مسرحية، أو فنية، أو تراثية، أو..غيرها..، والتي تعودنا رؤيتها بالشكل والمضمون تحوط بكل شيء تتخفى أو تكون خلف الستار أو في العتمات تخطط ترسم وتهمين وتستفيد من كل شيء مرتبط بالثقافة ولو أدى ذلك إلى نشر التفاهة والسخافة والرداءة، بقيت الوزيرة خلف الصورة المعتادة للمسؤول الذي لا ينفك يغتنم أي فرصة للظهور أو الإستعراض أو التبجح.. لربما أرادت وأقتنعت أن تعزيز الصورة هي بقوة العمل وحسن التدبير والتريث دون صخب أو هرج أو بهرجة.. ولكن يظل السؤال المتطاير في سماء هضبة قصر الثقافة هو: ماذا تفعل الوزيرة هناك ؟.
نأت بنفسها عن الحضور الصاخب والمدوي كما عهده المشهد الثقافي سابقا مع وزراء القصر.. تم تعينها في إطار محاصصة سريعة ومبهمة بين النظام والأحزاب.. صادفها التعيين حسب مصادر وتفاجأت به حتى أنها بعد أيام من تنصيبها عادت إلى مقر حزبها لتشكوى حالها وصعوبة المهمة، وقالت لرئيس الحزب: “لقد ورطتموني”.. وجدت ما يشبه قنابل موقوتة تركتها سلفها مليكة بن دودة التي أستشاطت غضبا عندما علمت أنها مغادرة بعد أن نالها طمع ما وأوحي إليهاأن علية القوم سيجددون فيها الثقة، لذا عمدت إلى وضع المتاريس والقلاقل، ونصبت الفخاخ في كل مكان، تركتوضع كارثي.. تعيينات عشوائية.. مناصب فارغة.. إطارات تنتظر الترسيم وأخرى بمهمات غير محددة.. مستشارون بدون إستشارة.. ضف إلى ذلك ما يشبه موت حقيقي يسيطر على الواقع الثقافي بسبب شح المصادر والأموال دون نسيان تفشي وباء كورونا.. لا سينما.. لا مهرجانات.. لا معارض.. لا مسرحيات.. لا تظاهرات.. كل شيء عاطل ومعطل عن التحرك وعن الفعل وعن الإقدام، وخلا المشهد إلا من القليل الذي لا يغني ولا يسمن من جوع.. فقط لحفظ ماء الوجه.
فبعد أشهر مرت على جلوسها على كرسي قصر الثقافة، لمترتدي الوزيرة وفاء شعلال أي لون يمكن أن يحدد الوجهة والمقصد وما ستقوم به.. “تريثي”..قال لها محيطها المتمثل خاصة في مدير ديوانها الذي يتبعها في كل خطوة صغيرة وكبيرة، فهو المتبصر الأزلي والعليم الأبدي بخبايا وخفايا الإدارة وكواليس الواقع الثقافي، أصبح ظلها الذي تستند إليه في محيط هائج ومضطرب يضرب بأمواجه على الرمال المنزلقة للثقافة، يدرك التجاذبات والرهانات وأين تميل أياديالبسط والقبض التي تتصارع على باب الوزارة، حتى أنه لوحظ في الزيارة التي أدتها إلى أهل الفنان الراحل رابح درايسة لتقديم واجب العزاء وقبل أن تنزل من السيارة وتواجه وسائل الإعلام التي كانت تنتظرها كي تدلي بتصريح، قلت شوهد خارج السيارة الرسمية وهو ينحني إلى داخلها يعطي النصائح الخاطفة السريعة، يلقنها “واش تقول” كي لا ترتبك أو تقع في خطأ يمكن أن يتلقفه قناصو الفرص للهجوم والإنتقاد وإطلاق النكت و..غيرها، مثلما دأب عليه هؤلاء خاصة من الوسط الثقافي الكسول المتراخي الفارغ الذهن الإتكالي الذي لا يعجبه العجب ولا الصيام في رجب كما يقال.
لم تظهر الوزيرة إلا في مناسبات قليلة، لا يضج موقع الوزارة ولا صفحة الفايس بالكثير مما تقوم به، بعض صور لإجتماعات مكثفة مع إطاراتها ومسؤولي القطاعات الثقافية لإستيعاب الزخم الهائل الذي هو بين يديها، يتردد أنها بعد ما زالت تحت وقع ما هي فيه وكأنها لا تصدق أنها وزيرة.. زيارات محسوبة هنا وهناك.. تصريحات محتشمة على الهامش تظهرها مترددة ومرتبكة، تحصي الكلمات وكأنها تلتقطها من الهواء بصعوبة، وجه خجول وحزين وكئيب، تكاد لا ترى إبتسماتها، وعندما تسمعها تلحظ كيف تخرج الكلمات والجمل متراصة ومصطفة ومحسوبة.. قلق صموت يسري بداخلها كأنها تحس أن شيء ما سيحدث ليس في حسبانها أو بالها.
لم يعرف عن الوزيرة تعاطيها مع الثقافة ولا مع الفن، فسيرتها المقتضبة المبثوثة في النت لا تشفي غليل المتابعين أو المهتمين أو من رجالات الثقافة الذين عاصروا وعايشوا وتعايشوا مع وزراء إما جاؤوا مباشرة من الوسط الثقافي أو القريبين منه أو المهتمين به، عكسها تماما التي لا يعرف لها ميل واضح نحو الثقافة أو الفن إلا ما قيل عن شغف يلازمها بالفن التشكيلي.
لكن هل يمنع هذا من مجرد التفكير فيما يمكن أن تقوم بهلو بادرت بالقوة والفعل،وأنخرطت أكثر في خضم التغير الذي تنشده الهوامش والفعاليات الثقافية الجادة البعيدة أو المغيبة، أو تحدث ثورة نزاعة للمواقع التي سطى عليها آخرين بحسن نية أو بسوءها، يمكن تصور أو تخيل الوزيرة وهي تتقدم دون الإكتراث بالألغام التي وضعها “البنديا” الذين تجذروا في محيط الوزارة أو في الزوايا والمنعطفات أو خارجها المكون من تكتلات وعصب كانت ولا زالت تقصي هذا وتقرب ذاك وتدمر ذلك وترفع من تشاء وتعز من تشاء، أو الذين يهمسون بمكر في الكواليس، تقاومهم بشق مسارات جديدة في نهر الثقافة الجاري من عمق الجزائر ليتدفق بالجواهر واللالىء.
يجب أن تدرك الوزيرة أن صراع الثقافة في الجزائر ليس حول من يحظى برفقتها أو حول من ستراهم ركعا سجدا عند بابها، بل الصراع حول الدفع بالثقافة وإخراجها من حلبة الصراعات والنميمة والدسائس والشائعات التي ما أنفك العديدون يلهبون بها المجالس والمحاضر واللقاءات العابرة وفي صالونات خاصة وعلنية، عليه تفكيك العقد والأسلاك الشائكة التي ضربت على الأبواب والنوافذ، وإستبدال النماذج التي عششت وشاخت وعجزت وتكلس خيالها.. لا معنى لأي حركة ما لم تتخلى الوزيرة بشكل واسع عن الأساليب التقليدية في معالجة الأعطاب والكسورات والمشاكل والخلل.. هناك حشد ثقافي وفنيضخم ومهول يتفاعل ويتناسل في كل مكان خاصة في الفضاء الأزرق.. هناك مبادرات سلسلة وفعالة ومنتجة تفوق كثيرا ما يتم طرحه أمامها.. مباردات خلاقة ومبتكرة.. هناك نساء ورجال أصح وأنفع وأقدر وأصلح ممن هم اليوم في عرين المؤسسات الثقافية الذين لم يتغيروا منذ غابر الأزمنة ولم يغيرواحتى في شكل هندامهم ولا في قصة شعورهم ولا في طريقة كلامهم كأنهم واحد يتكرر على طول الخط جبلو على حالة من التراخي والسهولة، واستحلو الموات والعجز والثبات ورؤية الأشياء والأحوال وهي تتلاشى وتندثر، ناهيك عن وقوعهم في مصيدة الرداءة والإفلاس والسخافة والإنتهازية.
المهمة ليست بالمستحيلة، بل هي رهينة بفك الإرتباط بما ساد وبمن ما زال يريد أن يتمسك وينشب أظافره أكثر وأكثر في جسد الثقافة وهو مفلس وبدون رؤية ومشروع حقيقي ناهض ومتميز.
في زيارة لها بمناسبة الإحتفال بالمولود النبوي الشريف إلى الزاوية التيجانية أختصرت وزيرة الثقافة وفاء شعلال على نفسها الكثير من المطبات والدعاوي والشائعات والدسائس وكلما يمكن أن يحيط بها من قريب أو بعيد من هجوم او قصف وإنتقاد..التحفت بالبياض..هناك التقطت لها صورة وهي في لحظة خشوع ورهبة، تمتمت في سرها بأدعية صامتة، أخذت البركة والغفران والحصن المتين من كل عين قد تصيبها حين تبدأ في شق الأرض والسماء لكشف ما ستفعله في المشهد العام للثقافة المستعصي والمعقد والمهلهل، فهل ستلاحقها بركات الزاوية في حلها وترحالها وتساعدها، أم أنها ستعتمد على اليد القوية وتغامر لإيجاد مناطق حرة لإطلاق الثقافة من الأوهام المغشوشة والرداءات القاتلة التي تلتف حولها كالأخطبوط، وتترفع عن الأفكار المضللة التي تزحف نحوها.. ذلك ما ننتظره وسنرى.
مساهمة: الكاتب بوبكر زمال
بوركت يا رجل … لباندية من جهة والبركات من جهة… من سيتفوق؟