أعمدة الرأي

رسالة إلى سعد بوعقبة: أقولها وأمضي ..

هل يفترض أن أهلل من الفرح لأني في عامي الثلاثين (أي أعتبر فلوسة بالنسبة إلى عمر السردوك) تمكنت من لفت نظر من يسمى “عميد الصحافة الجزائرية” فكتب عني ؟! هل يفترض أن اشعر بالغبطة لأن الرقم واحد في الصحافة المعرّبة هجاني وشتمني وبذلك أدخلني قائمة المشاهير؟!

لكني لم أفرح، ولم ينتبني سوى إحساس وحيد وهو الشفقة. أشفق فعلا على السقوط الحر لسعد بوعقبة والإفلاس الأخلاقي الذي بلغه، فلم أكن أعتقد لوهلة أن تنحدر معارك التموقع والسجالات الإعلامية حد الطعن في شرف الآخر عن جهالة.

سعد بوعقبة الذي نعتني بـ”المخلوقة” في محاولة صبيانية لتقزيمي، يحتكر الأستاذية والبطولة (الورقية) لنفسه وهو حال كل مرضى الأنا المتضخمة، وقد لجأ إلى تقنية “شادي بادي” لترتيب الأسماء في ذاك العنوان المبهم الذي اختاره لمقاله الركيك.

بوعقبة الذي جعل من مناوشة زيتية بين رجل أعمال ومسؤولين في الدولة قضية وطن، وحوّل عموده إلى حائط مبكى على حرية التعبير، لم يسمح له غروره بتقبل النقد من أحد أقلام الجبهة التي يتطاول عليها ويقدح أمينها العام بكرة وعشية، فنفش ريشه المتساقط وأطلق عليّا عفنه الإعلامي لمجرد أني أدافع عن خطي الحزبي وأني تجرأت على الرد على “المعصوم” الذي لا يجادل ولا يخطئ ولا يقول غير “الحق” بشهادة القراء الذين جعلوه صنما وأخذوا يعبدونه في زمن الفراغ الفكري والرداءة التعليمية، و ربما يحسبونه من المائة شخصية الأكثر تأثيرا في العالم!!!

ساهمت الخبر الأسبوعي والأطلس والسفير وغيرها في تكويني الفكري والسياسي، أما اليوميات فبيني وبينها طلاق بائن، لكن الأصدقاء ينقلون لي من حين لآخر ما يكتب من إساءات بحق الحزب الذي انتمي إليه وأمينه العام ولولا ذلك لما اطلعت أساسا على عمود السردوك. وحين كتبت عنه تناولت مضمون مقالاته ولم أخض في عرضه، وهذا الفرق بيني وبينه..

بتاريخ 20ديسمبر2014 كتب بوعقبة مقالا هزليا عن دوره الجبار في ارتفاع أسعار البترول بعد سلسلة مقالات كتبها بأمر من رئيس الحكومة سنة 1999 عن المؤامرة النفطية، ولما استشعرت السعودية الحرج والخوف من كتاباته “النارية” التي وصل لهيبها -حسب زعمه- الرياض قررت تخفيض إنتاجها بمليون برميل ما أدى إلى ارتفاع الأسعار!!! و قراؤه السذج يصدقون النكتة طبعا فهو يستمد عصمته منهم.

وفي نفس المقال، فتح بوعقبة النار على سعداني وجزم أن هجوم الأخير على السعودية “دون تأثير” ولن يكون له نفس صدى مقالاته “السحرية”، فكتبت ردا بعنوان “ماذا يريد سعد من سعداني” أستهجن فيه احتكار هذا الصحفي الوطنية وتسفيهه الآخرين وغيرته من ابن الصحراء الذي يصنع الحدث، عكس السردوك الذي يجتر “أمجاد” الماضي..

ثم كان ثاني مقال لي عنه بعد عام ونصف حين اتهم جزافا سعداني بتحريض غرين ضد الخبر، وهو المقال الذي جعله يستشيط غضبا ويرد عبر اسطر مرتعشة خصص ثلاث أرباعها للتغني ببطولاته الوهمية، فكانت على شاكلة “أنا الذي نظر الأعمى إلى أدبي وأسمعت كلماتي من به صمم”، رغم أن ما خطّه يخلو من الأدب. وختمه بالقول أنه حين كان البطل المغوار لم يكن لسعداني وجود!!!

يا سعد، حين كنت تسرح مع الدجاجات في أوائل الثمانينات كان سعداني ممثلا للجزائر في مؤتمر الدول العربية المصدرة للبترول والأمين العام المساعد للاتحاد العربي لعمال النفط. وقبل ترشحه للانتخابات النيابية في 1997، كان الأمين العام للاتحاد العام للعمال الجزائريين في واد سوف ومحافظ الأفالان هناك. وفي عهدته النيابية الأولى تقلد منصب رئيس لجنة النقل، وانتخب بالإجماع في الثائية رئيسا للمجلس الشعبي الوطني بعد استقالة كريم بن يونس. ثم عين عضو المكتب السياسي للأفلان وبعدها صار الأمين العام للحزب الأول في البلاد ونجم المشهد السياسي بلا منازع، لكنه لم يتنكر يوما لأصله ولم يخالجه أبدا الغرور وجنون العظمة، وليتك تملك ربع ما يملك من بساطة وتواضع ودماثة خلق..

أما الربع الأخير من الأسطر، فخصصه للطعن في سيرة المخلوقة الضعيفة. بوعقبة المتشبع بعقلية حريم السلطان، أوحى له خياله المريض المهووس بما تحت السرة رغم شيبته، أنه بما أني أستاذة في جامعة تبسة فإن نائب الحزب عن تبسة هو صاحب الفضل عليا وهو من أتى بي إلى الحزب، ولو كان ما يدّعيه حقيقة لما أنكرته، لكنه لا يعلم أني جئت من محافظة خنشلة حيث أقيم ولا يربطني بتبسة سوى الكلية مكان عملي. وما أسهل التهم المعلبة الجاهزة! فماذا تركت إذا لمراهقي الفايسبوك، وللقلة من المناضلات والمناضلين الغيورين من وجودي ونجاحي؟!

بوعقبة الذي لا يتحرك قلمه إلا لأجل منفعة أو مصلحة بعينها، يظن أن بعض الأوزان الثقيلة في الحزب تموّل نضالي، فالسفيه لا يرى إلا ما فيه. لكن يؤسفني إبلاغك أنك اخترت الوسيلة الخطأ للوصول إلى النائب الذي تتحرش به من حين لآخر عسى أن يلتفت إليك وينوبك من شكارته نصيب، لأن معرفتي به لا تتعدى إلقاء التحية في التجمعات الحزبية التي قلّما أحضرها نظرا لمتطلبات العمل وبعد المسافة.

وبالنسبة للأسفار التي تتحدث عنها، فالحزب الشيوعي الصيني الحاكم أرسل دعوة إلى كبرى الأحزاب في الجزائر في إطار إثراء التعاون بين البلدين، وقد اختار الأفالان سبع ممثلين عنه من ذكور وإناث من صحفية في الستين إلى شابة في العشرين ومن رئيس بلدية في الخمسين إلى إعلامي في الثلاثين، حرصا على إظهار التنوع والثراء الذي يتمتع به الحزب والذي يضم كافة أطياف الشعب. وبعد عودتنا، نشرت في جريدة صوت الأحرار سلسلة مقالات عن الزيارة والمحاضرات في الديمقراطية التشاورية التي تلقينها.

أما المهمة الأخرى في المغرب، فكانت حول إدارة وتنظيم الحملات الانتخابية ومن إعداد وإشراف المعهد الديمقراطي الأمريكي. وقد أرسل الحزب السير الذاتية لـ12 من إطارات الحزب، و وقع اختيار المعهد الديمقراطي على سيرتي الذاتية.

ثم تقول عن جهل: “وتناضل بمهمة أخرى في فرنسا”! لكني لا املك فيزا ولم ادخل فرنسا يوما. وهذا هو بوعقبة يفجر في خصومته ويخلط بعض الحقائق بالكثير من الأكاذيب ليخرج علينا بعمود “التابلويد” الأصفر الذي كثيرا ما ترد به

 

ما ترد به مغالطات، ويختمه بثلاث نقاط خبيثة أو بعبارته الشهيرة “وأخلاقي المهنية لا تسمح لي بأن أقول أكثر من هذا”، تاركا لقارئه المتشوق لفضيحة الحرية في تشويه الخصم ونعته بأبشع النعوت، غير مدرك أنه يشارك بذلك في إفساد الوعي العام..

في زمن الرداءة الصحفية وغياب القامات الإعلامية، لا أحد يجب أن يشكك في عصمة ومهنية السردوك، ولأني خرجت عن الخط يصير اسمي وعرضي حلالا وأصير من المبشرات بالنار! لكن اعلم يا بوعقبة أن صيحاتك المزعجة (والتي لا تختلف عن الأواني الفارغة كثيرة الضجيج) لا تحرك فيا شعرة وأن بطني مسطحة وما فيهاش التبن، لذا إن غمرك الفراغ وأردت التعرض لي مجددا فأنصحك بالمهنية والقليل من الضمير والابتعاد عن القيل والقال والأحكام الظنية، لكني أتعهد لك أني لن انجر مجددا أبدا إلى الرد عليك مهما أطلقت من شتائم واتهامات..

اعتقدت في البدء أني نتفت ريشك لكن حين أعدت قراءة ردك الرديء اكتشفت انك بنفسك من نتف ريشك وكشف عوارك. ومن هنا انضم إلى الأستاذ أسامة وحيد في دعوة مريديك إلى الحجر على ما تبقى منك حفاظا على تاريخك، لأن عدم القدرة على التقدم إلى الأمام يستدعي وقفة أو ربما توقفا!

واستذكر هنا جملة أخت عزيزة ومناضلة شريفة قالت: “الزيت فعل فعلته وأصبح عمود الهيكل مجرد مستنقع للتزلج”..

 

                                                                                                                             بقلم: إيناس نجلاوي

                                                                                  أستاذة بجامعة تبسة

وعضو اللجنة المركزية لحزب جبهة التحرير الوطني

متعلقات

زر الذهاب إلى الأعلى