أعمدة الرأي

شبح الدولة المنهارة

منذ عدة سنين، ظهرت في حقل العلوم السياسية نظرية الدولة المنهارة ولم يأبى بعض الاكاديمين عربا كانوا أو من الجنوب أن يقبلوا هذه المقاربة بحجة أنها تنطوي على خلفية اديولوجية مقصدها تبرير الهيمنة الامريكية على العالم، والحال انه منذ اجتياح تسونامي التغيير بالعالم العربي، ظهر جليا ان نظرية الدولة المنهارة اضحت حقيقة لا مناص من نفيها، بدليل ان ما يجري في العراق وسوريا واليمن وليبيا، يعتبر حجة على أحقية النموذج المقترح لتحليل سقوط الانظمة العربية.

لكن، بالرغم من ما يجري في العالم العربي خاصة، وجهات اخرى عامة، فان باقي الدول العربية التي كانت تتقاسم نفس المواصفات مع تلك التي تنهار اليوم، لازالت لم تع ولم تفق بالخطر المحدق الذي يشكله الوضع الداخلي المزري وتقلبات المحيط الخارجي، إن هذه الحالة تنطبق تماما على الجزائر.

بالامس، كان هناك نظام احادي سياسيا واقتصاديا، ورغم أن السلطة الجزائرية استطاعت ان تنجو من حرب على الارهاب كادت ان ترميها في غياهب التاريخ، فانها لم تفلح لا في بناء دولة الحق ولا في قيام اقتصاد متين، رغم السيولة المالية التي تدفقت عليها منذ عشر سنوات جراء ارتفاع اسعار البترول.

هذا الرسوب في الانتقال الديمقراطي يرجع اساسا الى طبيعة النظام الذي لم يستطع  تحديد دور الجيش والاجهزة الامنية والمؤسسات الجمهورية في اللعبة السياسية.

ولما كان الامر كذلك، فان الريع وما انجر عليه من سياسة الحفاظ على النظام والمتمثلة في انشاء شبكات الزبانية وارشاء الفاعلين السياسيين والاجتماعيين، قد منع من نشوب اية ازمة من شأنها تقويض النظام الحالي ودفعه امام بوابة المجهول، لكن هذا لا يجعل الجزائر في مأمن على الاطلاق.

ان السياسة الاقتصادية والاجتماعية المنتهجة من قبل الحكومة الحالية والتي اعطت ظهرها الى مؤشرات الازمة التي تلوح في الافق وتردي الاوضاع الاجتماعية وانهيار اسعار النفط والغاز وتأثيرات المحيط الخارجي عوامل تجعل من غياب استراتجية الامن القومي النظام الحالي نظام يتآكل من الداخل، مصاب بالشلل، وككل جسم مصاب بهذه العاهة، فانه معرض لاي نسف، اللهم إلا إذا  تم تدارك هذا الامر في حينه، لكن في اعتقادي لا يوجد الى حد الآن ما يبين ذلك.

قديدير منصور – باحث اكاديمي ورئيس ديوان رئيس الحكومة الأسبق

متعلقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى