أعمدة الرأي

في اليمن أعزّاء القلب

لم يؤلمنِ الغياب والغربة و” الوحْش ” ، لكن تؤلمني كثيرا صور أبناء اليمن ، صرت أرى في محنة أبناء بلدي الجزائر منحة كبيرة ، لاوجه للمقارنة عندما نرى ونسمع قصص وحكايات الزملاء والأصدقاء من اليمن الشقيق ، أولئك الذي رفعوا راية العلم بيدهم اليمنى لتخط بذلك جمل وعبارات الصبر والجهاد من أجل طلب العلم هنا في الجزائر أو في تونس أو في أي بلد في العالم ، وفي يدهم اليسرى جواز سفر يجعلهم يقطعون آلاف الكيلومترات لتحقيق حلم أو هربا من انتحار يومي .

بعيدا عن لعبة السياسة والمصالح التي تذكرها الأطراف المتصارعة في بلد كان قبل سنوات يعرف ب” اليمن السعيد ” وبعيدا عن تلك التصريحات المتضاربة عبر الإعلام في السر وفي العلن ، أطراف لم تنقذ هذا البلد العزيز على قلوبنا من التفتيت ، والأمراض والفقر واللأمن ، تهزني كل يوم صورة الأطفال والمرضى في المستشفيات ، لمشاهد لا يمكنني فهم الرواية ، حتى وإن حاولت مرارا وتكرارا أن أفهم بعد أسئلة عديدة .

بعيدا عن تلك الصورة القاتمة والمخيفة ، أفرحني فرح أحد الزملاء اليمنيين ، لأنه سمع أبناءه عبر الشبكة العنكبوتية  ” الواتساب ” وهم يخبروه بأن اللعبة وصلتهم ، وهم مبتهجون وفرحون بلعبة ” الزّحليقة ” ، أليس هذا عظيما بالنسبة له وبالنسبة لي أيضا ، فسعادتهم جعلتني أرى النِّعمة نِعَمٌ كثيرة .

أعزائي في الجزائر، في اليمن أطفال يحلمون بنوم عميق ونوم هنيء ، دون صوت الرصاص، يحلمون بكوب حليب وبقطعة خبز وكأس ماء نظيف ، وبدواء وبفرحة تنسيهم آلام السنوات.

أعزائي في الجزائر ، في اليمن العزيز يظل العزيز عزيز ، لأن أبناءه ولدوا وترعرعوا على الجود والكرم والشهامة ، كيف لا وهم في قمة الأزمة يقولون :” الحمد لله والله كريم ويطمحون للأفضل ، ويكابدون من أجل العلم والمعرفة “.

نعم ، الكثيرون منهم اختاروا طلب العلم ، فلا مفر من الحرب التي طحنتهم ، وكل شيء لا يرد القضاء والقدر ، الكثيرون منهم أبدعوا في مجالاتهم وأخلصوا في إعطائي طاقة ايجابية رهيبة رغم كل الحزن الذي لف عيونهم ، رغم تلك المسافة التي أبعدتهم عن أهاليهم ، البعض منهم يرون في تذكرة السفر حلما صعب المنال ، وطموحهم أن يسمعوا ضحكات أبناءهم فقط ، نعم كل شيء يهون أمام تلك المشاهد الصعبة على قلوب الآباء والأمهات ، البيت يهون والمال يهون والجاه يهون والوجاهة تهون والوساطات تهون ، أليس العزيز يظل عزيز حتى وإن مرّغته الدنيا في مستنقع المصالح الضيقة .

تحية كبيرة لك يا ” أم  محمد وعزام ” من أرض المليون ونصف المليون شهيد ، فقط لأنّك لخّصت صورة آلاف الأمهات في اليمن العزيز ، فالعزيز يظل عزيزا مهما طال الزمن أو قصُر ..

متعلقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى