أعمدة الرأي

قضية الوزير المقال .. محاربة فساد أو تصفية حسابات

من الصعب جدا التمييز بين الحقيقة والكذب في قضية الوزير المقال مسعود بن العقون، لكن يبدو أن فيها رائحة تصفية حسابات بين أطراف متصارعة في السلطة، وقد استخدم فيها هذا الوزير المقال، فإن كان ما قيل عنه حقيقة، فهي من المهازل الكبرى ، لكن يبدو أنها مجرد  تصفية حسابات قديمة جديدة بين أطراف النظام التي  تستهين بسمعة الجزائر ولا تهمهم أكثر مما يهمهم ما سيتحقق من ذلك من إبعاد أطراف فاسدين لأطراف فاسدين، فهي مجرد أطراف تتصارع حول النفوذ والسلطة والريع لا أكثر ولا أقل، فهم يشبهون في ذلك صراع السراق حول ما سرقوه، فهذه المهزلة تدل على مدى ترهل السلطة في ظل مجتمع مدني وأحزاب ضعيفة جدا وغير قادرة على ملأ الفراغ ، كما أن هذه الصراعات حول السلطة سيدفع شعبنا المسكين ثمنها غاليا كما تعودنا من خلال كل صراعات الأجنحة منذ 1962، وما أكتوبر 1988 وإنعكاساته الكارثية عنا ببعيد، لكن هذه الصراعات اليوم جاءت في ظروف وطنية ودولية لا تخدم الجزائر وإستقرارها إطلاقا، بل يمكن إستغلالها من أطراف دولية تبحث عن مصالحها، ومنها تفجير وتفيتيت دولنا كما وقع في الكثير من بلدان منطقتنا، ولهذا يجب على الجزائريين تنظيم أنفسهم كما دعونا في إحدى مقالاتنا المعنونة “نحو إنشاء جبهة للإنتقال الديمقراطي الفعلي”.

لكن ما يضحك هو الحديث عن فساد الوزير المقال، وكأننا أكتشفنا أشياء عجيبة وغريبة، فالفساد يراه الجزائريون يوميا أمامهم، وتعود جذوره إلى بدايات إسترجاع الإستقلال في 1962، لكنه كان في قمة السلطة في عهد بومدين، ليصبح لا مركزيا وموزعا على المسؤلين في الولايات والبلديات في عهد بن جديد، وأصبح اليوم عاما.

لا يمكن لنا محاربة الفساد في الجزائر بمهازل كمهزلة الوزير المقال بن العقون، فما علينا إلا تطبيق مبدأ “من أين لك هذا؟” لنعرف كيف بلغ الفساد ذروته في الجزائر، وكيف لا تتماشى مداخيل الكثير مع ممتلكاتهم، فلماذا رفض النظام منذ الستينيات مطلب الجزائريين بتطبيق هذا المبدأ، بل تم دفع شعبنا منذ ثمانينيات القرن الماضي إلى تناسي هذا المبدأ الذي وضعه الخليفة الراشد عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وأصبح غائبا في خطابات كل الأحزاب السياسية، مما يدل على خوف الكثير من تطبيق هذا المبدأ، فهناك مبدأين جديرين بمحاربة الفساد وهما تطبيق مبدأ “من أين لك هذا؟” ووضع ميكانيزمات تنفيذه، والذي يطبق في أغلب الدول الغربية بالرغم من انه نابع من قيمنا الإسلامية، ففي الدول الغربية اليوم  يفتح تحقيق قضائي مباشرة عند بروز مظاهر ثروة لا تتماشى مع مداخيل فرد معين، لأن ذلك معناه أنه إما متاجر في المخدرات والممنوعات أو لا يدفع الضرائب وغيرها من الجرائم الإقتصادية والجنائية، فما علينا إلا نقل تلك الميكانيزمات وتحيينها مع ظروفنا وقيمنا.

لكن تطبيق ذلك يتطلب تطبيق مبدأ أساسي في الديمقراطية وهو إستقلالية القضاء، فلا نطالب النظام بشيء كبير، بل فقط بإخراج تقرير بن يسعد رئيس لجنة إصلاح العدالة التي أنشأها الرئيس بوتفليقة في بداية حكمه من الدرج ثم تطبيقه على العدالة، وإن تعذر ذلك  فما على النظام  إلا نقل آليات مطبقة في دول غربية وتطبيقها في الجزائر مع تحيينها مع ظروفنا الخاصة.

متعلقات

زر الذهاب إلى الأعلى