ريبورتاج

أيقونة البحر المتوسط “زيامة منصورية”…إبتسامة الطبيعة أمام البشر

أيقونة البحر الأبيض المتوسط، قليلة هي المناطق التي تملك رونقها وجمالها إنها زيامة منصورية المدينة الساحلية الجيجلية بنكهة قبائلية، موقعها الجغرافي بين ولاية جيجل و بجاية، جعل الأخيرتين تتقاسمين هويتها، سبق برس زارت المدينة الصغيرة لتتقاسم معكم الإحساس الذي ينتابكم وأنتم تعانقوا سحر الكورنيش في هذه الرقعة من الجزائر.

على بعد 350كلم من الجزائر العاصمة شرقا ، تقع هذه المدينة السياحية الصغيرة المطلة على البحر الأبيض المتوسط حيث تأخذ عاصمتها شكلا مثلثا يرسو في البحر ينتهي بجزيرة صغيرة حيث يربط الضفتين ميناء صيد صغير يسترزق منه غالبية سكان المنطقة، و من الجهة الجنوبية يغطيها الجبل كاملة حتى يكاد يحجب عنها الشمس طوال النهار.

شواطئ الأميرة ولؤلؤة الساحل الجيجلي  

إذا كانت الميزة الأساسية لزيامة منصورية هي ذلك الزواج غير الشرعي بين زرقة البحر وخضرة الجبال حيث ترسم بذلك لوحة فنية لكورنيش اقل ما يقال عنه أنه فريد من نوعه، فالشواطئ التابعة لها ليست أقل روعة من باقي جسدها. شددنا الرحال من العاصمة في اتجاه الجوهرة الجيجلية و بعد 5 ساعات من السير نصل إلى آخر الكيلومترات البجاوية و بالضبط في الطرق الملتوية التي تشكل الجزء الأول من الكورنيش و التابع لبجاية في المنطقة المسماة بلمبو قبل دقائق من الوصول إلى حدود ولاية جيجل أين ترحب بنا لافتة كبيرة تعلمنا بأننا دخلنا بيت أميرة الساحل الجيجلي.

الطريق هذا يتوسط غابة على يميننا وأخرى على يسارنا فتمتطي الأولى جبلا و الثانية اتخذت من منحدر وسيلة لتعانق به البحر، بمجرد الغوص في جمال هذه الطبيعة تقابلك اللافتة الأولى معلنة عن أول شاطئ فاقت شهرته الحدود الجزائرية، انه الشاطئ الأحمر. فعلا انه أحمر فلون رماله تختلف عن لون رمال الشواطئ الذهبية حيث يميل إلى الاحمرار و يزيده خيط الشمس الحارقة احمرارا مشكلة بذلك مزيجا من الطبيعة الأرضية والشمسية في مشهد لا تصفه الكلمات.

غير بعيد عن الشاطئ الأحمر شاطئ أخر يتوسطه الفندق الوحيد في المنطقة، شاطئ الولجة يختلف عن الأول بحكم تواجده في شبه حفرة حيث تحيط به أشجار الصبار التي تزين المخيم الذي يقع في ذيل الجبل الذي يمتد على طول ساحل البلدية. الفرق بين الشاطئين هو أن الأول عمقه صغير والثاني أكثر عمقا بكثير مما يجعله خطيرا على من لا يتقن السباحة.

إلى حد الآن لم ندخل إلى عمق المدينة الصغيرة و لكننا على بعد كيلومتر واحد، مدخلها مزدحم بالسيارات لضيق الطريق التي لا تسع اليوم عدد السيارات الهائل حيث قرر المسؤولون المحليون إعادة النظر في اتجاهات الطرقات، ففي السنوات الأخيرة أصبحت زيامة منصورية قبلة للعديد من السواح الجزائريين ليس فقط لجمالها و لكن لأمنها و سكينتها كذلك، لم ندخل المدينة لازدحامها وفضلنا مواصلة السير نحو الشرق تحت الجبال و فوق الصخور البحرية قبل أن نعود في المساء لعل الازدحام يخف.

11837141_1019666668078525_841558833_o
الشاطئ الأحمر

الكهوف العجيبة … عندما تبدع الطبيعة

من يقرر زيارة “زيامة” نسبة إلى الأسطورة التي تقول إن الاسم مشتق من ابنة احد المماليك المسمى المنصور قبل أن تغيرها الزمن  ثم يجمع بين الملك و ابنته الأميرة فتشكل اسم زيامة منصورية، لا يمكنه إلا المرور عبر الكهوف العجيبة فهي اسم على مسمى، ملايين السنين من عمل الطبيعة الهادئ شكل ألواح فنية لا يصدقها العقل. فكيف لقطرات المياه أن تشكل نوازل وصواعد من مادة الكالسيوم في مغارة، فعلا فما نراه بأعيننا حقيقة و ليس خيال.

مع دخول المغارة يكلمنا المرافق السياحي ليعلمنا أن البرودة التي تتمتع بها المغارة ثابتة 12 شهرا 24 ساعة على أربعة و عشرون ساعة وشاءت الصدف أن تكون درجة الحرارة نفس ترقيم الولاية، فجيجل هي الولاية 18 و درجة الحرارة في المغارة العجيبة تحمل نفس الرقم، في سقف الكهوف العجيبة وردة الرمال و في جوانبها مجموعة من الصواعد و النوازل شكلت مع مر السنين آلات موسيقية يتقن العزف عليها إلا المرافق السياحي.

مغارة الكهوف العجيبة
مغارة الكهوف العجيبة

ألغاز الطبيعة …تبقى دون إجابة

هذا الكورنيش الذي يمتاز بالمحمية الطبيعية المسماة بتازة و المشكلة من مجموعة من الغابات الكثيفة و الأودية بالإضافة إلى المحمية المائية التابعة لها بحكم النظام البيئي المتجانس بينهما معروفة كذلك بحيوانات مهددة بالانقراض تابعة للمحمية.  نجد قرد المكاك مثلا أحد أنواع القردة على طريق الكورنيش فهو محمي من طرف الأمم المتحدة و الدولة. ولكن كيف يمكن تفسير أن الطبيعة قامت برسم ذلك القرد في المغارة المعروفة بالكهوف العجيبة. فعلا إنه العجب الذي لن تراه إلا  في سحر هذه المنطقة. المغارة تقع في خندق داخل الجبال التي تغطي الشاطئ المسمى على اسمها و الذي يصب فيها الوادي الذي ينبع من أعالي تلك الجبال التي تمتد حتى سطيف جنوبا و القالة شرقا.

لم ندرك أن الوقت يلتهمه جمال الطبيعة حتى انتبهنا أن الساعة تشير إلى السابعة مساء، و الأجندة تحتم علينا الدخول إلى المدينة حتى نكمل هذه الزيارة التي في آخر المطاف اتضح لنا أنها خاطفة و لا تكفي لاكتشاف عنفوان الجمال الذي صادفنا.

قلب المدينة شاهد على توقف شريان التنمية

هنا نبض قلب المدينة التي لا تنام في الصيف وتدخل في سبات عميق طول اليوم في الفصول الأخرى، دار البلدية الذي تعد من أقدمها في الجزائر حيث يعود تشييده لسنة ألف وتسع مائة و ثمانية عشر من طرف المستعمر الفرنسي تتوسط شبه الجزيرة وتقابل الحديقة التي تقع تحت قدم الجبل الذي يغطي أحياءها كاملة لكن سحرها يبقى في شكلها الذي يشبه مقدمة الباخرة التي تشق الموج في وسط البحار.

البحر الذي لازم المدينة طوال العصور يشكل عصب الحياة في الصيف خاصة. إذ يشكل قبلة السياح و في الشتاء يسترزق منه السواد الأعظم من العائلات الساكنة هنا بممارستهم مهنة الصيد، قلب المدينة ينبض بسرعة بحكم العدد الكبير من السياح لكن ضيقها يفقدها شريانا رئيسيا يضخ فيها المزيد من الدم، إنه غياب المرافق فالفنادق منعدمة تماما، أماكن وقاعات الحفلات، السينما و الترفيه غائبة. كل المنطقة لا تتوفر على مسبح مثلا. انه شريان التنمية السياحية المعطل. البعض يرجع ذلك إلى نقص الوعاء السياحي لتشييد المرافق. المركبات السياحية في زيامة منصورية ليست فقط غائبة بل منعدمة تماما ما عدا بعض المخيمات على هامش الشواطئ و التي لا ترقى إلى ما يبحث عليه السائح.

المدينة القديمة
المدينة القديمة

السياسة والسياحة.. لا يستقيم الظل مادام الجسم أعوج

لكن ليس الوعاء السياحي الذي ينقص بل الإرادة السياسية فهذه المنطقة شاهدة على غياب إرادة سياسية حقيقية للنهوض بالقطاع في بلادنا رغم الخطاب الرسمي، هذا على الأقل ما التمسناه من الحديث مع المواطنين المتتبعون لتطور السياحة في هذه البلدة منذ عقود، فالقطاع لا يخلق مناصب عمل حقيقية و لو موسمية  ماعدا بعض المطاعم التي تفتح فقط في أشهر الصيف،  و التجارة التي تتضاعف أرباحها في هذا الفصل.

إذا إستثنيا ايضا الشقق الذي يتم كرائها شهر أوت و القليل من شهر جويلية فباقي النشاطات المتصلة بالسياحة وجدناها غائبة تماما في إحدى اجمل المدن في المتوسط، فلا صناعات تقليدية ولا مطاعم سياحية بأتم معنى الكلمة ولا نشاطات فنية و لا حتى مهرجانات مصغرة للأطفال. وضعية يصفها السكان بالمأساوية و يطلقون على منطقتهم اسم “المنطقة المنكوبة بدون حدوث كارثة”.

وخلاصة الرحلة…الزائر لزيامة منصورية سيجد جمال الطبيعة، و لكن من المستحسن أن لا يأخد عناء الخوض في مشاكل المنطقة حتى لا تسرق منه الإحساس الجميل بالمتعة لما تبحر عيناه في هذه المناظر الساحرة، لهذا قرر فريق سبق برس العودة ليلا إلى العاصمة في انتظار التفاتة من المسؤولين لهذه المنطقة و مناطق أخرى في الوطن التي تتمتع بإمكانيات سياحية هائلة غير مستغلة حتى الآن.

ريبورتاج: جلال صابر

متعلقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى