ثقافة

المثقف… بين السلطة والمعارضة

 

تاريخيا أكثر الأشياء فضاعة مثل الحرب والإبادة الجماعية والعبودية لم تحصل بسبب العصيان وإنما بسبب الطاعة..

(هاورد زين. مفكر وناقد أمريكي)، في كتابه “قصص لا ترويها هوليود” يتحدث المفكر والناقد الأمريكي هاورد زين عن أزمة الثقافة والمثقف في العصر الراهن. عن التحديات والقضايا التي تمثل بالنسبة للمثقف مرتع واجباته المحورية التي من خلالها يحقق هدفه الأسمى في تنوير الرأي العام، وطرح البدائل والحلول للمشاكل التي يمر بها المجتمع المحلي والعالمي..

يرى زين أن على المثقف اليوم أن يكون حاضرا في كل ما يهم الإنسان، قضاياه التي عليه أن يحملها في كنف خطاباته وإبداعه. إبداعه الذي عليه أن يتجاوز به الحدود الضيقة إلى حدود أوسع وأرحب خدمة للآخر، خدمة للثقافة ومنوطا بالدور الكبير الذي به يصل إلى مرتبة أن يكون مثقفا حقا، المثقف الحق المعارض الذي لا تتلائم توجهاته السلطات الحاكمة في بلاده. إن زين يرى أن المثقف عليه أن يكون معارضا دوما للحكومة، ليست تلك المعارضة التي ينتهجها السياسيون والتي تتغير بتغير مصالحهم مع الحكومة، ولا تلك المعارضة التي تكون بشروط. وإنما معارضة تأتي في تواز مع توجه الحكومة والسلطة، معارضة يحكمها الانتقاد دوما.. ومرد ذلك حسب زين، ليس نابعا من كون السلطة على خطأ وإنما لكون المثقف، المبدع في درجة أسمى هو المراقب على تصرفات الحكومة التي يتسلط أشخاص فيها بالحكم بطريقة أو بأخرى.. المثقف عليه أن يوجه انتقاده دوما للسلطات الحاكمة، أن يكون الرائي بعيون الشعب يعنى بمصالحه وطموحاته وأحلامه ومطالبه لدى الحاكم.

ولا يترك زين مجالا لتلائم التوجه بين المثقف والسلطة، كلاهما في صف، المثقف الأسمى هو من يعي أن عليه واجب المسؤولية بالطبقات الأدنى من الشعب على الحكومة، في إطار خاص به كمثقف يتحدد وطرق النضال المعروفة التي تحفظ للكل حريته. ورأي زين لدور المثقف في المجتمع ينبع من كون إيمانه العميق بعقلية المثقف النابعة من إيمانه بالآخر، بالمواطن البسيط وبحريته وحقه في عيش حياة كريمة وهو ما يتسامى لدرجة الإبداع في تعبيره عن ذلك الإيمان. ومن جهة أخرى التوجس من السلطة، ذلك المركز الذي قد يفقد فيه الحاكم قدرته على الوعي بالمسؤولية الملقاة على عاتقه، وحمايته بما يجب من الانسياق خلف رغباته الشخصية. ويدلل على ذلك التوجس قول زين في نفس الكتاب “هناك إرهاب الدولة، عندما ترتكب الدولة الإرهاب فإنها تمتلك الكثير من الوسائل لقتل الناس أكثر من الإرهاب الذي يرتكبه أشخاص أو جماعات”.

بهذا الشكل الذي يطرحه زين لعلاقة المثقف مع السلطة والحكومة، فهو يرتفع بالمثقف إلى مرتبة عليا سامية تعصف بالتعريفات الكثيرة للمثقف، وتحدد له توجها جديدا مبني على مدى وقوفه إلى جانب الطبقات الضعيفة وناقدا للسلطة السياسية بشكل خاص في أعماله الإبداعية.

الكاتب: قادة زاوي

متعلقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى