أعمدة الرأي

داعش…دولة التنظيم في تنظيم الدولة

بداية نجح ما سمّته دوائر الاستخبارات الغربية الصهيونية باسم تنظيم الدولة الإسلامية ” داعش ” في تعميق التظليل المعرفي و الفكري و السياسي لقطاعات واسعة من المحلّلين و أشباههم في المنابر الإعلامية من المرخّص لهم لوحدهم بالظهور الإعلامي في الفضائيات واسعة الانتشار أو حتى تلك ضيّقة الانتشار لدى مشاهدين محلّيين ، هنا أو هناك في بلاد واسعة تمتدّ من نقطة البداية التي أسّس لها لورانس العرب قبل أزيد من 100 سنة من الزمن ، حتّى أصبح ما هو سطحيّ في التحليل الأكاديمي و السياسي و الإعلامي الهجين هو الصّوت الثابت لدعم نظرية ” إرهاب الدولة ” / أي إرهاب داعش.

في حقيقة الأمر ، تظهر أغلب العمليات العسكرية بالمفهوم العسكري للكلمة لهذا التنظيم الاستخباراتي العالمي دائما ذائعة الصيت و الأمثلة كثيرة على ذلك ، من بينها عمليات ملعب باريس لكرة القدم و قبلها كثير ، بحيث نجح هذا التنظيم في إيهام الرأي العام العالمي – على الصعيد الشعبوي – في إشاعة مفهوم أنّ ” داعش ” يمتلك قوة المبادرة و المباغتة و التنفيذ وهي أساليب الجيوش النظامية القوية التي تمتلك قوّة التخطيط و التفكير الاستراتيجي و بالتالي فإنّ ” داعش لن تكون سوى سلاح استخباراتي أمريكي و أوروبي له عقيدة ديدينة تلموديّة مسيحية من جهة و عقيدة استعمارية ” سلسة و ليّنة ” من جهة ثانية ، تعطي دائما الانطباع بأنّ الهدف المباشر لهذا التنظيم العالمي هو تغيير صحّة المفاهيم السائدة منذ قرون طويلة على ” دين الإسلام ” ، بحيث نجح أيضا تنظيم داعش في جعل ” الجلاّد هو الضحيّة “( من الناحية الفيلميّة الصورية فقط ) ، بمعنى أنّ القوة التكنولوجية الحربية التي يعلم الجميع أنّها ملكيّة فكرية حصرية للولايات المتحدة الأمريكية و علماء إسرائيل و دول أوروبا ، لا يمكن أن يملكها أوباش الفكر العاجز عن انتاج المعرفة و العلم كما هو حال بقايا المسلمين من المحيط إلى الخليج ، لذلك جاء تنظيم داعش كحلّ استراتيجي و أنتليجانسي لحلفاء الولايات المتحدة الأمريكية ، ليحقّق عدة أهداف آنية سريعة و أهداف أخرى متوسطة متّزنة و أهداف ثالثة طويلة المدى ، تعمل جميعها على تحويل الكائنات البشرية التي تنتمي لعقيدة الإسلام إلى مجرّد أتباع منصاعة لتدابير التخطيط التفكيكي الذي عمل على إنتاجه على مدار عقود من الزمن فلاسفة الغربيين من المسيحيين من جهة و فلاسفة الغربيين من الإسرائيليين من جهة ثانية ، على اعتبار قوّة التحالف بين هذه العقائد في التدمير و التفكيك ، للوصول في نهاية الأمر إلى تأسيس أمبراطورية ” داعش الغربية الاستيطانية الواحدة ” التي تدعو إلى إشاعة الموت باسم دين الإسلام و الدّفاع عن روح الحياة و الحرية باسم حقوق الإنسان باسم الديانات الأخرى .

و يمثّل تنظيم داعش في المنظور الفلسفي لعلماء التفكيك في جامعات هارفارد و السربون و منهاتن ميشيغن و غيرها من الجامعات التي أنتجت علماء التفكيك التي انبهرت بها أجيال متعاقبة من مسلمي الشرق و المغرب و انطمست فيها كلّ هويّاتهم – وهي نفس الأجيال التي تروّج اليوم للتحليل التظليلي الخاطئ في الفضائيات العربية و الناطقة بالعربية -.

ومن عجائب تنظيم داعش و ذكاء المؤسسين لشكله و مضمونه النجاح أيضا في جعل العالم بأسره يحارب ” داعش ” و العالم بأسره أيضا يجعل من ” داعش ” مادة إعلامية دسمة تؤثّر حتى في أسعار البورصا والتنقلات الشتوية و الصيفيّة للاّعبين دون اهتمام واضح من ابسط المهتمين بظاهرة دولة التنظيم في ” تنظيم الدولة “.

متعلقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى