أعمدة الرأي

الغرور القاتل…وبصيص الأمل

في وقت تجند فيه مرشحو حزب جبهة التحرير الوطني لإنجاح حملاتهم الإنتخابية في ظل منافسة شديدة من الأحزاب الأخرى، ومناخ سلبي ساده خطاب ارتجالي خارج حدود الزمان والمكان جعل قيادة الحزب مصدر حرج لا دعم مرشحيه، وما لبث أن تحول إلى مصدر تنكيت على صفحات الجرائد ومواقع التواصل الاجتماعي.

في ذلك الوضع المشحون، تعامل مرشحون  -حسبوا أن في مقدورهم أن يخرقوا الأرض والسماء- بمنتهى الأريحية مع السباق الانتخابي وتمادوا في الاستعراض والتعالي متعهدين بحصد كل مقاعد ولايتيهم، وانتقل سجلاهم إلى الجرائد في خرجات كانت أقرب إلى الدعايات الإعلانية منها إلى الحوارات الصحفية المتشابهة في المحتوى، أعرب اثنان منهم عن استعدادهما التام لتولي حقائب وزارية استمرارا في “خدمة البلاد”.

لكن رياح السلطة جاءت هذه المرة عكس ما يشتهيان، ومنيا بهزيمة لم تكن في الحسبان. وهو ما سيكون له -على الأرجح- أثر بالغ على وضعهما في البرلمان القادم وتشكيلة كتلة الأفالان عموما.

تشير النتائج الهزيلة التي حققتها كثير من الأسماء الثقيلة أن المناصب العليا في المجلس صارت بعيدة عن متناولهم، ما يعكس نفاذ صبر النظام من عجرفتهم  وتسلطهم على رقاب السلطة الثانية، واتجاهها نحو خلق مراكز قوى جديدة في البرلمان القادم بوجوه غير مستهلكة وغير مثيرة للجدل.

ولم تجد الأسماء الثقيلة مبررا لفشلها سوى القول أن القوائم التي قاموا بإعدادها لم تتم المصادقة عليها، ويا له من عذر أقبح من ذنب! فقد بلغ بهم الغرور وضعف المناضلين أمام سطوة المال والنفوذ حد اعتبار المحافظة والقسمات شركة تجارية، يتصرفون فيها كما يحلو لهم ويقسموا الغلة على من شاؤوا.

ولعلها تكون الفرصة السانحة لنواب الأفالان لأجل تشكيل كتلة قوية ومستقلة لحد ما، لا تخضع لمزاج نائب رئيس برلمان مراهق سياسيا، ولا تجبر على هز اليد بالإجماع لكل  ما يأتي من الحكومة دون أي نقاش أو تعديل فما بالك بالرفض.

أما قيادة الحزب التي لا يبدو أنها تلقي بالا لتراجع تمثيل الأفالان مقارنة بنتائج التشريعيات السابقة، فقد جاء بيان مكتبها السياسي -أو ما تبقى منه- مخالفا للواقع ومخيبا للآمال. والغريب أنه أعرب عن تحيته “لحشود المواطنين التي توافدت على مراكز الانتخاب”، رغم أن نسبة المقاطعة بلغت 65%، كما أن أزيد من مليوني ناخب صوتوا “لحزب” الورقة البيضاء.

وهكذا تصر قيادة الحزب الحديث عن فوز ساحق والتباهي بنجاح باهر وتواصل سياسة الهروب إلى الأمام، عوض الاعتراف بالفشل ومناقشة أسبابه بموضوعية ومحاولة استخلاص العبر وإيجاد السبل لتفادي تكراره في الانتخابات المحلية المزمعة قريبا.

إن خسارة الحزب للأغلبية المريحة وتمدد الأرندي على حساب العتيد، بقدر ما هو ضربة موجعة “متوقعة”، إلا انه في الإمكان تحويله إلى مكسب على المدى المتوسط إن توفرت النية الصادقة والإرادة المخلصة.

فقد آن الأوان أن يخلع الحزب عباءة السلطة ويتحرر من وهم أن الأفالان هو الدولة والدولة هي الأفالان، ويتعامل بواقعية على انه حزب سياسي ينشط ضمن مجموعة كبيرة من الأحزاب في البلاد، وأن الأفضلية تكون لصاحب المشروع السياسي الجاد وليس لصاحب الشرعية الثورية. وآن الأوان أن يتوقف العتيد عن الاغترار بالقوة العددية والأغلبية غير الفعالة ويبدأ التركيز على الكيف لا الكم.

لقد حان الوقت للكف عن الاستقواء والتبجح بأن رئيس الجمهورية هو رئيس الحزب ومرشحه لأن الرئيس ترشح على مدى عهداته الأربع حرا، وبدلا من ذلك يتوجب على الحزب التشمير عن سواعده واثبات انه يستحق الريادة بفضل جهود مناضليه وليس فقط لان رئيسه هو رئيس البلاد. كما حان الوقت لإفساح المجال لطاقات الحزب الشبابية خصوصا مع انحسار دور ووجود الحرس القديم، وإيقاف سطوة أصحاب الشكارة والاهتمام بإبراز الكفاءات كواجهة جديدة ومشرفة للحزب.

وحتى الأمين العام الحالي، إن لم يصدر الأمر من السلطات العليا بإنهاء خدماته، فمازال بإمكانه استدراك الأخطاء التي وقع فيها، أولا بالتخلي عن أسلوب “الأنا” المثير للسخرية وتبني خطاب سياسي جاد ورفيع المستوى، وثانيا بتنصيب مكتب سياسي قوي ويملك روح المبادرة، وثالثا بالدعوة إلى مصالحة حقيقية جامعة، وليست مثل المبادرة الأولى والتي سميت “لم الشمل” لكنها لم تكن في واقع الحال سوى خبطة إعلامية وذرا للرماد في العيون وربحا للوقت، وقد تسبب عدم الالتزام بالوعود في تفجر الوضع داخل البيت العتيد وزاد عدد الغاضبين والناقمين.

وفي النهاية، فان الفضل في ربح أويحيى لجولة في النزال لا يرجع لجودة أداءه أو ارتفاع مستوى خطاب حملته الانتخابية، وإنما يعود لتهلهل الأفالان وكثرة أزماته. ولذلك فإن أويحيى إن نجح في شيء، فقد نجح في التسلل عبر الثغرات التي تركها الأفالان. لكن بصيص الأمل مازال موجودا، ومازال في الإمكان إعادة الجبهة إلى سكتها الصحيحة..

متعلقات

زر الذهاب إلى الأعلى