أعمدة الرأي

العبقرية دليل وحدانية الله تعالى

لا يوصف مخلوق بالعبقرية غير الإنسان؛ فهي منحة إلهية أكرم بها الخالق مخلوقه الذي كرّمه وأسجد له ملائكة قدسه .فهي بعد قوة الإيمان تعبيرعن أقوى موضع في عالم الروح التي هي نفخة العظيم في مخلوقه المصطفى .
فالعبقرية دليل وحدانية الخالق تبارك وتعالى ؛ آية هذا أن العبقرية التي يتجلى بها عبقري في مجال وميدان ما لا تتكرّر في غيره بتفاصيلها وسرّها ، وإن اتحدا . أي أن ما تجلت به عبقرية عبقري لا يمكنك أن تجدها لدى غيره. فقد يوهمك تواتر العباقرة في نشاط فكري أو علمي أو فني و غيرها أنها عبقرية ؛ يكفيك إدراكها، فوصفها بأنها عبقرية، لكنك عند التحقق بمنطق السبر والتأمل ستجدهم أنهم اتحدوا في الصفة أما الموصوف فله دمغته التي لا تشرك فيها غيره.
فالأنبياء والرسل صلى الله عليهم وسلم صفوة البشر في الخصائص الإنسانية الرفيعة ، منها الذكاء الحاد الذي لا تحرّج في وصفه بالعبقرية ، منح الله المولى تعالى كل واحد منهم ما تجلت فيه عبقرية لا تجدها بالقوة والوضوح والتميز كما تجدها عنده؛ فلك ان تقول عن صبر أيوب (عبقرية الصبر ) ، وعن حلم إبراهيم (عبقرية الحلم الإبراهيمي )، وعن قوة موسى وشدة بأسه (عبقرية القوة)وهكذا .
أما سيد المرسلين صلى الله عليه وسلم فقد جمع الله له ما تفرق من أعلى الأوصاف والخصال في غيره من الأنبياء والرسل ؛ ولك أن تعبر عن هذا أيضابـ (جُماع العبقريات ) . فأنت في عالم النبوة والأنبياء تتملّى أرقى وأعظم وأنقى ما منح الله تعالى مصطفاه من الخلائق .
ولك أن تتفحص مكامن العبقرية في كلّ مجال ، فتستجد أن كلّ عبقري نسيج وحده ، لا يشاركه فيما بزّ فيه غيره وفاق واشتهر ، حتى ليكاد أن يكون التحدى هو الاهتداء للتعبير الوصّاف الدقيق لتلك الميزة في لغتك التي تكتب وتتكلّم .
فمهما جهدت كي تعثر على النسخة العبقرية المطابقة لعبقرية المتنبي في شعرنا العربي فلن تجدها . سيقول قائل : الشعراء العباقرة في شعرنا العربي الباذخ كثر ، فنقول : لا إنكار لهذا، لكن عبقرية المتنبي تختلف عن عبقرية المعري وهذه تباينها عبقرية أبي تمام وهكذا.
وعبقرية الإمام البخاري في توخي الصحيح من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم نسيج متفرد من العبقريات ، لايشركه في خصوصيتها أحد . وكذا الحال في كبار المحدثين الإمام مسلم وغيره رضي الله عنهم .
وعبقرية الإمام مالك في أئمة المذاهب -مثلا – تدعوك لتقصى مكامن العظمة والتفرد في فقه ونظر هذا الإمام كي تسلم لك مقولة تلميذه الشافعي : ( إذا ذكر العلماء فمالك النجم )، ثم تلوح لك عبقرية استنباط وافتراض لدى الإمام أبي حنيفة النعمان، تتحداك أن تعثر لها في اللغة على الوسم الملائم المتفرد .
فكأنّ المولى تبارك وتعالى أقام من العبقرية وفرادة كلّ عبقري عن سميّه دليلا من أدلة وحدانيته؛ فكلّما تأمل المرء في عبقرية عبقري أُودعت في كائن كريم غير كامل ، تطّلع للكمال المطلق فلم يجد له مستحقا غير رب العالمين سبحانه وتعالى ، لا إله إلا رب السموات والأرض ومن فيهن .

 

متعلقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى