أعمدة الرأي

بعضهم بعضا لا البعض

يستعمل معظم الصحفيين والكتاب وحتى الأساتذة تعبير “بعضهم البعض” في كثير من التراكيب والجمل، والحقيقة أنه تركيب خاطئ لأن كلمة “بعض” الثانية لا تدخل عليها الالف واللام إطلاقا، ولم يسجل عن العرب أنهم كانوا يستعملون هذا التركيب فلم يرد في القرآن  الكريم كله ولا في الشعر القديم.. والصحيح القول بعضهم بعضا أو بعضهم ببعض، أو بعضهم لبعض أو إلى بعض… المهم لا يمكنها أن تكون معرفة.. وهذا ما أكده الشيخ ابن عثيمين أيضا عندما قال:”كلمةُ: ( بِبَعضِهما البعض ) لغةٌ أعجمية، ما تأتي في اللغةِ العربيةِ بهذا التركيبِ إطلاقًا “…

وهذه بعض الشواهد من الذكر الحكيم:” ﴿المنافقون والمنافقات بعضهم من بعض﴾ التوبة : 67 ﴿والله فضل بعضكم على بعض في الرزق﴾ النحل : 71 ﴿وجعلنا بعضكم لبعض فتنة﴾ الفرقان : 20 ﴿وقد أفضى بعضكم إلى بعض﴾ النساء : 21 ﴿وكذلك فتنا بعضهم ببعض﴾ الأنعام : 53 ﴿ولا يغتب بعضُكم بعضا﴾ الحجرات :12 ﴿لاتجعلوا دعاء الرسول بينكم كدعاء بعضكم بعضا﴾ النور : 63…

بل إن بعض النحويين يجزمون بأن بعض ولو لوحدها لا يصح أن تكون معرفة أصلا فقد جاء في لسان العرب مادة (بعض):”قال أَبو حاتم: قلت للأصمعي رأَيت في كتاب ابن المقفع: العِلْمُ كثيرٌ ولكن أَخْذُ البعضِ خيرٌ مِنْ تَرْكِ الكل، فأَنكره أَشدَّ الإِنكار وقال: الأَلف واللام لا يدخلان في بعض وكل لأَنهما معرفة بغير أَلف ولامٍ…  وفي القرآن العزيز: وكلٌّ أَتَوْه داخِرين. قال أَبو حاتم: ولا تقول العرب الكل ولا البعض، وقد استعمله الناس حتى سيبويه والأَخفش في كُتُبهما لقلة علمهما بهذا النحو فاجْتَنِبْ ذلك فإِنه ليس من كلام العرب. وهذا ما يؤكده أيضا محمود الطناحي في مقالته (التَّصحيح اللُّغويّ.. وضرورة التَّحرِّي): “منعَ بعضُ النَّحويِّينَ دخولَ «أَلْ» علَى «بَعْض»؛ فلا يجوز أن تقولَ: أحبوا بعضهم البعض؛ وإنما تقول: أحبَّ بعضُهم بعضًا.”

وعليه لا يجوز للصحفيين أن يخطئوا في عبارة “بعضهم بعضا” كما لا يجب أن يغتب بعضهم بعضا، كما على السلطة ألا تكيل بمكيالين فتقرب بعض الصحف وتغدق عليها، وتعادي بعضها وتضيق عليها.. ولا يجوز تفضيل استعمال “البعض”، لأنه انتهاك لأخلاقيات المهنة وان غفل عنه “بعض” الصحفيين ..

 نصر الدين قاسم

nosreddineg@yahoo.com

متعلقات

زر الذهاب إلى الأعلى