أعمدة الرأي

إيهام بصدام أمريكي – صهيوني في منطقتنا

تعد “حرب المجتمعات” جيل رابع للحروب أخترعه الكيان الصهيوني، ويقصد به  التدمير الذاتي -أي دون عدوان عسكري خارجي- لدول شمال أفريقيا والشرق الأوسط، وذلك بإشعال حروب ثقافية وطائفية وعرقية سيكون وقودها سكان المنطقة، ونرى اليوم بأعيننا هذه الحروب المدمرة التي تعتمد على العصبيات الطائفية والعرقية وعلى الفعل وردود الفعل، وإلا فكيف نفسر دور الحركات الدينية المتطرفة في بلداننا؟ وما هي علاقاتها بهذه الإستراتيجية؟، وما دور هذه الفضائيات الدينية سواء كانت شيعية أو سنية، والتي أنتشرت بقوة؟، ولماذا تحمل بعض الحركات الدينية نفس فكرة القوميات التي وظفت في سايكس بيكو 1 أثناء الحرب العالمية الأولى، وتحولت إلى قنبلة إنشطارية لتفتيت الكثير من الدول في المنطقة بواسطة التعصب القومي المنتج كرد فعل لتعصب مقابل؟، كي نفهم ذلك كله علينا بالعودة إلى جذور فكرة “حرب المجتمعات” الواردة في  وثيقة صهيونية سرية ظهرت للعلن في 1982.

فمنذ أن ظهر للعيان مظاهر التفكك في أقطار منطقتنا، أستحضرت أمامي دراسة قديمة نشرتها مجلة دراسات فلسطينية عام 1982 عنوانها “إستراتيجية من أجل إسرائيل في الثمانيينيات” وضعها صحفي إسرائيلي، وفي نفس الوقت كان مستشارا في وزارة خارجيتها يدعى أودينون، وقد ترجمها آنذاك إسرائيل شاحاك إلى الأنجليزية قبل أن تنشرها آنذاك مجلة دراسات فلسطينية بالعربية، ومن أهم ما تحمله هذه الوثيقة قولها أن العالم العربي ليس هو الخطر الرئيسي على “إسرائيل”، بل الخطر الرئيسي آنذاك على إسرائيل والغرب عموما هو الإتحاد السوفياتي، خاصة سلاحها النووي، وكذلك شح الموارد الطاقوية والأولية بسبب رغبة السوفيات الإستيلاء عليها في الشرق الأوسط، ونحن نعلم أن احد أهداف السوفييت آنذاك هو الوصول إلى الخليج من خلال سيطرتها على أفغانستان في إطار الحرب الباردة.

ويبرر أودينون طرحه بالقول أن أقطار العالم العربي هي دول من ورق بسبب التناقضات الطائفية والإثنية والثقافية التي تعاني منها نتيجة سيطرة مجموعات ايديولوجية وطائفية وإثنية على السلطة في كل دولة مهمشة الآخرين، إضافة إلى التفاوت الإقتصادي والإجتماعي الحاد في هذه الدول، ولهذا يرى أن دول العالم العربي ضعيفة جدا ليس بوسعها تهديد إسرائيل، وأن تفككها هو حتمية لسياسات أنظمتها التسلطية، لكنه لايتوانى عن الحديث بإمكانية تفكيك دول المنطقة إلى دويلات ضعيفة، ويحدد الخطة بصراحة بتقسيم العراق إلى ثلاث دويلات شيعية وسنية وكردية ولبنان إلى خمس دويلات وسورية إلى أربع دويلات ومنها سنيتين أحدها في دمشق وأخرى في حلب وعلوية ودرزية ومسيحية، لكن أهم ما يشد الإنتباه هو حديثه عن تفكيك مصر إلى دولة قبطية قوية بجوار دويلات ضعيفة، وهو ما من شأنه أن يجر إلى تفكيك دول أخرى كليبيا والسودان، لكن يشير حول مصر إلى مسألة هامة وهي إستعادة سيناء لإسرائيل بعد ما تنازل عنها رابين بفعل “مكر السادات”-حسب تعبير أودينون-، لأنها تمثل موردا هاما وحيويا للإقتصاد الإسرائيلي لما تحتويه من إحتياطات النفط، مما يتطلب خلق ذرائع لإعادة ضمها من جديد، وهو ما يدفعنا اليوم إلى التساؤل عما يحدث في مصراليوم، وبالضبط في سيناء من عمليات إرهابية هناك؟.

لكن هناك العديد من الأسئلة يجب طرحها ومنها: لماذا نشرت هذه الخطة في وقتها رغم سريتها؟، ولماذا لم تهتم الأنظمة في منطقتنا بها؟، فبشأن السؤال الثاني فنعتقد أن أنظمة المنطقة لا تريد أن تعترف بالواقع والحقائق الموجودة على الأرض لمجابهتها وحلها، وهي شبيهة بالنعامة التي تدفن رأسها في التراب، كما أنها لم تهتم بها، لأنها ترفض الإعتراف بمختلف التناقضات الإجتماعية والثقافية والأيديولوجية والسياسية والطبقية وغيرها الموجودة في بلداننا، وموجودة في كل دول العالم، ومنها الدول الغربية، لكن هذه الأخيرة واجهت ذلك بمبدأ المواطنة وبالحل الديمقراطي الذي يعد الحل السلمي لمختلف هذه التناقضات ، وهي الحلول التي رفضتها، وترفضها أنظمة المنطقة خدمة لمصالح خاصة جدا، وفي بعض الأحيان بسبب سيطرة أيديولوجيات وأفكار سياسية شمولية موجودة لدى الأنظمة وبعض التيارت السياسية والأيديولوجية المعارضة –خاصة الدينية منها- التي ترفض الإعتراف بالتعدد بكل أشكاله.

ويقول إسرائيل شاحاك أن الهدف من نشرالخطة هو إقناع بعض الضباط في إسرائيل ببعض الحلول والخطط الإستراتيجية، إضافة إلى توفر الحريات والديمقراطية في إسرائيل، لكن نعتقد أن هناك هدفا خفيا، وهو إدراك الكيان الصهيوني أنه بنشر هذه الخطة ستقوم بالإسراع في تفكيك دول المنطقة، لأن عادة ما تستغل أنظمتها التسلطية هذه التسريبات للخطط والمقالات لتوجيه إتهام أكبر لطوائف ومجموعات ثقافية مهمشة، وبأنها هي أداة في يد الكيان الصهيوني والغرب لضرب الوحدة الوطنية متسترة على الحقيقة المتمثلة في أن هذه الأنظمة التسلطية هي التي تشكل أكبر خطر على هذه الوحدة بتمييزها الطائفي والثقافي والطبقي، مما يولد ردود فعل لدى المهمشين، وبنشر هذه الخطة أعطى الكيان الصهيوني سلاحا آخر لهذه الأنظمة لتدعيم موقفها خدمة في الحقيقة لمصالح ضيقة جدا.

كما أن قراءتنا لهذه الإستراتيجية تطرح أمامنا اليوم عدة أسئلة فمن وراء نشر التعصب الديني في منطقتنا الذي تحول إلى طائفية مفتتة ومدمرة، ألا يدخل ذلك في إطار هذه الخطة الجهنمية حيث أصبحت هذه الطائفية والممارسات الدينية المتعصبة أكبر خطر يهدد وحدة دولنا.

أفلم يحن الوقت للجوء إلى الحلول البسيطة لتجنب تفتتها، وهي إقامة دولة لكل الشعب، ومعناه دولة ديمقراطية تسود فيها حقوق المواطنة للجميع دون أي تمييز ديني أو عرقي أو لغوي أو قبلي، ويحل مشكلة الصراع حول السلطة نهائيا بالتداول السلمي عليها بواسطة الإنتخابات النزيهة وضمان الحريات الأساسية والمباديء الديمقراطية التي يجب أخذها كلية لأن هناك بعض التيارات الأيديولوجية تريد حصرها في الإنتخابات فقط دون الإلتزام بالمباديء والقيم الأخرى.

ألم يحن الوقت لتحمل مسؤوليات مأساتنا بدل تحميلها الآخرين، وندرك أن من طبيعة الأعداء التخطيط ضدنا، لكن ماذا فعلنا نحن لإفشال خططهم؟، وهل رسمنا خططا لخدمة المصالح الإستراتيجية لدولنا؟، أفلم يحن الوقت لنقد ذاتنا، ونعيد طرح فكرة مالك بن نبي حول “القابلية للإستعمار” بشكل آخر؟.

فبعد هذه الوثيقة السرية التي نشرت في حينها في بدايات الثمانينيات لأغراض وضحناها، فإننا نسمع اليوم مرة أخرى بوثيقة أمريكية سرية للغاية ظهرت في 2014 وضعها البنتاغون الأمريكي بعد إجتماع لقادة أركان الجيوش الأمريكية إيام25 و28 جانفي2014 بطلب من البيت الأبيض في ورشة عمل لبحث السياسات الأمريكة في الشرق الأوسط، ومن أهم ما ورد في الوثيقة الطويلة جدا هو التحذير من مغبة التمادي في سياسات الفوضى الخلاقة في منطقتي الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وتقول الوثيقة أن هذه السياسة ستكون في الأخير في خدمة الكيان الصهيوني وضد مصالح أمريكا، فقد جعلت “حرب المجتمعات” التي أشعلتها إسرائيل في سوريا بأنها جعلت هذا البلد في قبضة روسيا، كما أن نفس الحرب في ليبيا أقلق أوروبا أمنيا، وأثرت سلبا على موارد الطاقة.

لكن نتساءل هل فعلا هذه الوثيقة جدية، ولماذا خرجت للعلن، نعتقد هو للتغطية والتمويه والمخادعة، لأن أمريكا اليوم غير متأثرة بنقص الموارد الطاقوية بحكم أنها ستصبح مكتفية ذاتيا، بل مصدرة لها في 2030 حسب تقرير للمخابرات الأمريكية، خاصة أنها تعتمد على النفط والغاز الصخري الذي يعد أحد العوامل التي كانت وراء إنخفاض أسعار النفط، وهل فعلا خشيت أمريكا على أمن أوروبا أم تسعى لإقلاقها أمنيا بالإرهاب في إطار عرقلة طموحها في الزعامة العالمية؟

يبدو أن الوثيقة هدفها تضليلي وإخفاء  لمشروع أمريكي كبير يستهدف إقلاق أوروبا  وإضعافها بتوظيف الإسلام السياسي، كما وظفته ضد السوفيات من قبل أثناء الحرب الباردة، فلنضع في أعيننا أن  هناك صراع بين القوى الرأسمالية ذاتها بعد غياب عدو مشترك لها، ولهذا ترى أمريكا ضرورة  إضعاف أوروبا بدعم الإسلام السياسي ثم إشعال حرب حضارية على ضفتي المتوسط، وقد تطرقنا إلى ذلك في مقالات سابقة (عد إلى مقالتنا: الإسلام السياسي في إعصار لعبة دولية كبيرة في سبق برس عدد04 أوت2016 ) ، كما ستستخدم بعض مسلمي الصين لإضعاف هذه الأخيرة، فمثلا أثناء الحرب الباردة كان هناك نادي السافاري بقيادة فرنسية وعضوية كل من مصر والسعودية والمغرب وإيران، هدفه تمويل وتدخل عسكري بقيادة فرنسية من هذه الدول لحماية طرق المواصلات وأنابيب النفط في أفريقيا من سيطرة شيوعية في السبعينيات والثمانينيات قبل الإنسحاب الإيراني بعد ثورتها، لكن اليوم لن تتوانى أمريكا على ضرب الطرق والأنابيب الموصلة للنفط والغاز إلى  الصين وأوروبا ذاتها في إطار صراع خفي غير معلن بين هذه القوى من أجل الزعامة العالمية، فإلى متى نستمر بالسماح للولايات المتحدة الأمريكية تحقق أهدافها الإستراتيجية وأهداف الكيان الصهيوني بتشويه وإستغلال إسلامنا الذي أختطفته منذ 1948 بالتواطؤ مع تيارات سياسية وأيديولوجية داخلية؟

عد إلى مقالتنا: نداء من بن نبي- حرروا الإسلام من مختطفيه- عدد15جوان2016 .

 

البروفسور رابح لونيسي

                                                                                     – جامعة وهران-

متعلقات

زر الذهاب إلى الأعلى