أعمدة الرأي

دعوة السلطة لحمس..قراءة في الأسباب والخلفيات والمآلات

منذ مجيء الدكتور مقري إلى رئاسة الحركة اجتهد في النأي بها عن المشاركة في الحكومة وبدأ عهدته بخطاب ناري ضد السلطة حتى صرّح في أشهر تصريحاته ” لا خطر على الوطن إلا النظام الجزائري ” وتحرّك عمليا في خط المعارضة بنكهة راديكالية مع أطراف المعارضة في الجزائر وشارك في وثيقة مازفران التي تعدّ الآن مرجعية نظرية للمعارضة وكانت المطالب الأساسية إنشاء لجنة وطنية تتمتع بالاستقلالية والصلاحية تشرف على انتخابات حرة ونزيهة ومنها يبدأ مسار الانتقال الديمقراطي الهاديء والمتدرج .

أسباب التحوّل القوي نحو المعارضة :

  • رياح الربيع العربي التي هبت على المنطقة
  • عجز السلطة منذ 1996 على بلورة مشاركة حقيقية مع حمس
  • تحمّل حمس للتعبات والمسؤوليات أمام الرأي العام دون أن تكون شريكا فعليا

كما لا يمكن في تقديري إغفال العامل الذاتي للدكتور مقري في اختيار هذا المسار والعامل الداخلي لقد كان واضحا وبعد انتخابات 2012 أنّ تيار المشاركة الراديكالي بقيادة عمر غول وأبو جرة  وجعبوب يشكّل بالنسبة إليه قلقا متزايدا ولم يكن متاحا التخلص من ضغوطاتهم إلا برمي الحركة في معارضة جذرية خصوصا والأجواء مناسبة رياح الربيع العربي ، قلق عموم الشباب وأبناء الحركة من مشاركة شكلية ثم ظهور ثقافة المصالح والريوع والشبهات على بعض الكوادر والمسؤولين مع ظهور مفردات التملق الرديئة وكان لهذا الخيار ثمنه حيث انشق عمار غول وأسس حزب “تاج” الذي حصد في الانتخابات الأخيرة 19 مقعدا أي في الرتبة الرابعة بعد حمس

ثم بعد تداعيات الربيع العربي السلبية واستمرار مجموعة أبو جرة في التحرك داخل الصف وظهور مؤشرات تدخّل السلطة ولها تقاليد معروفة فيما يُعرف بالحركات التصحيحية ازدادت مخاوف الدكتور مقري وشعر فعليا أنّ البساط يسحب منه وبسهولة فكانت الاتصالات التي أعلن عنها قبل الانتخابات وكانت اتصالات غير عادية اتصال بالهامل ورئيس جهاز المخابرات وصرخ بذلك لأعضاء مجلس شوراه

وكانت الغاية من هذه الاتصالات ربما محاولة التأكّد من نية السلطة في ترتيب حركة تصحيحية أم لا وخصومه يعتبرون ذلك اتصال طمأنة للجهات النافذة .

وفعلا منذ تلك الفترة حدثت تغيّرات يلمسها المراقب عن قرب فقد بدأت العلاقات الباردة مع المعارضة

وتمّ شبه طلاق بينهما وبدأ التركيز على الانتخابات ومن هنا أذكّر بالعامل الداخلي الذي يتحكّم في رؤية الدكتور مقري وهو أن الولايات الكبرى مثل الوادي وشلف وغيرهما لم تكن على استعداد لمقاطعة الانتخابات وهو ما كان يخشاه الدكتور مقري أن تعود من جديد السيطرة التنظيمية لأبي جرة وجماعته فأعطى الأولوية للتنظيم وللداخل ودعا إلى المشاركة وقطع آخر خيط بينه وبين المعارضة التي اعتبرته بلغة قاسية صدرت عن بعض رموزهم أنه خان الاتفاق .

واليوم في تقديري تحكمه نفس النزعة وهي أولوية التحكّم في التنظيم .

ولا يستبعد أنّ حوارا جرى بين السلطة وبين أطراف في الحركة حول موضوع المشاركة في الحكم لكن الخوف الأكبر ليس من الشارع فقد أبانت النتائج أنّ حركة حمس يصوّت عليها تيار المشاركة المعروف بالميل إلى الاستقرار والتفاهمات والهدوء .وحصيلة الأصوات التي حصلت عليها الحركة وهي مشاركة مشاركةً منبطحة بتعبير بعضهم كانت أقوى من نتائج الحركة وهي قوية في المعارضة .

إذا في تقديري العامل الداخلي للتنظيم والخوف من انشقاق في الأفق أو حركة تصحيحية سيكون أحد المحددات للمشاركة من عدمها

كما أن الاتفاق على الوحدة مع جبهة التغيير التي لا ترى مانعا في المشاركة في الحكومة من حيث الأصل سيكون محدد آخر من محددات المشاركة من عدمها ويدرج بعض أهل النظر أن أسباب نجاح الوحدة بين حمس والتغيير والسهولة التي ظهر بها مقري تعود إلى هذه الرؤية التي ذكرناها

ومحدد ثالث سيكون حول ما هي مصلحة الحركة من عدمها دون انخراط في مثاليات الرفض والبحث عن جمهور غير موجود فجمهور حركة حمس كما دلت عليه الحقائق والوقائع والأرقام جمهور مشارك

ومحدد رابع مهم يتعلق بالمنطقة عموما حيث تشهد أغلب الدول العربية مطاردة لأي تنظيم محسوب على الإخوان ولو افتراضا تأتي دعوة الدولة الجزائرية في هذا السياق ذات أهمية ورفضها بالمطلق ستكون له انعكاسات سلبية على حمس قريبا

لاشك أن النظام بعد تراجع أسعار البترول والعجز عن الاستمرار في سياسة شراء السلم وضعف الاقتصاد وتحديات الحدود الخارجية ولهيب المنطقة العربية وتحرشات الأجنبي وصعوبة نقل السلطة بآمان داخليا يحتاج إلى مشاركة فصيل مثل حمس فهو تيار إسلامي معتدل له تاريخه في المشاركة وواجه الإرهاب وله كفاءات وإطارات شابة و خطاب ذو مصداقية وتنفذ  في الجماهير

والمؤكد أن السلطة في ظل الحالة التي هي فيها تحتاج إلى تيار مثله للمرور الآمن نحو انتقال هاديء للسلطة يكرس البقاء في جهة أو الانتقال الهاديء لجهة أخرى .

وتبقى العواطف الملتهبة وجراحات التزوير القوي والمفضوح والأذى الذي تعرضت له الحركة أكبر معيق في إبرام مثل هذه الرؤية التي تحتاج إلى هدوء وعقل كبير وتسامح كبير وتفضيل المصالح الإستراتيجية.

الأستاذ لخضر رابحي

متعلقات

زر الذهاب إلى الأعلى