أعمدة الرأي

خالد نزار وواجب التحفظ: أو حين يعِظ الشيطان!

حين نشر النائب بهاء الدين طليبة ليلة الثلاثاء -على صفحته في موقع الفايسبوك- نص مداخلته حول مشروع قانون واجب التحفظ المعروض على الغرفة السفلى لقبة زيغود يوسف، كتبت تعليقا عن أمنيتي في أن يكون وزير الدفاع الأسبق خالد نزار أول من يقع تحت طائلة هذا القانون -بعد المصادقة عليه ودخوله حيز التنفيذ- وذلك كي يرحمنا من هرطقاته ويشد علينا فمه وسابعه.

وبما أن شياطين نزار لا تصفد حتى في رمضان، فقد اطل علينا صبيحة الخميس عبر حوار لموقع “ألجيري باتريوتيك” المملوك لنجله لممارسة دور الواعظ المنبوذ الذي يعلم الجميع زيفه وضلاله.

يقول المثل “من أمن العقوبة أساء الأدب”، ولأن نزار يخال نفسه فوق القانون فلا يفهم بالإشارة (إلى الجنرال بن حديد) ويصر على إدخال البلاد في “الحيط” بمواصلة عبثه اللفظي واستحقار الآخرين، متوّهما أن الباطل لا يأتيه من بين يديه وأنه يملك الحقيقة المطلقة، لذا يصوّر له جنون العظمة انه الوحيد المخول للعب كل الأدوار؛ فهو العسكري والسياسي والمؤرخ والمعلم وحامي الجمهورية، وهو الصواب والصواب هو! وحيث انه لا يستحي من شيبته، فمازال بكل وقاحة يدّعي الوصاية على الشعب الجزائري ويفرض نفسه على حاضرنا، متجاهلا أن مجرد ورود اسمه يفتح جراحا لا تندمل وفظائعا لا تنسى ويعيد إلى الأذهان شبح ماض اسود تفوح منه رائحة الدماء والموت تماما كما يفوح العفن من فمه حين يفتحه ليقذفنا ببذاءته ويلوث سمعنا بضوضائه..

خالد نزار الذي كان يجاهر بعدم ثقته واستخفافه بالطبقة السياسية، يتوجه اليوم إليها وينصح المشرّعين ألا يصوتوا لصالح قانون واجب التحفظ والذي وصفه بـ”قانون العار” و “العمل الشائن” الذي “يحمل في طياته تهديدا لحرية التعبير وانتهاكا لقيم الديمقراطية”! أليس من العبث أن يحاضر في الحريات من كان بالأمس جزار القيم الإنسانية وسالب الحريات العامة؟!

يرى صاحب نظرية الكل الأمني أن المشروع الذي قدمه رئيس أركان الجيش “أثيم، عدمي” و “فاقد للشرعية” و “تمييزي” لأنه -حسبه- يحرم شريحة من المجتمع من حق التعبير والمشاركة في الحوار الوطني حول المسائل المتعلقة بشؤون الأمة! نزار الذي كرس للاعتقال العشوائي والقتل على أساس الهوية السياسية يشتكي اليوم من العنصرية! ذاك الذي أجبر الشاذلي على الاستقالة وعطل العمل بالدستور، يصف مشروع القايد صالح بـ”اللادستوري واللاديمقراطي” الذي يهدد مصالح الأمة.

ترى هل فكر نزار في مصالح الأمة يوم كان واجهة ومحرك مشروع الفوضى الخلاقة في 1988؟ وهل راعى ضميره حين واجه الشباب المتظاهر ضد التهميش والفقر بالرصاص الحي وتسبب في مقتل 500 منهم؟ يهوّن نزار من هول جريمته ويبررها -بابتسامته الصفراء المسمومة- بالأمر الطبيعي الذي غالبا ما يقع حين تنزل الدبابات إلى الشارع، لأن العسكر -على حد زعمه- لا يجيدون التعامل مع المدنيين والمسائل المدنية سوى بالذخيرة الحية! لكنه في 2016 ينقلب على عقبيه ويؤكد على أن العسكريين واعون بمسؤولياتهم تجاه الوطن ومؤسسة الجيش. فهل كان نزار يتحلى بالوعي اللازم حين صدّر لنا -باسم حكومة الإصلاح- تعددية ملغمة لم يكن الهدف منها سوى صنع البعبع الإسلامي ثم التلذذ بمحاربته على حساب الشعب ارضاءا لنزوات مجموعة ميكيافلية جعلت الوطن وأهله مطية للوصول إلى مطامع شخصية تتعلق بالسلطة والثروة والهيمنة؟؟

حين يلقي الجنرال المتقاعد محاضرات ديماغوجية حول الممارسات الديمقراطية، فهو لا يختلف كثيرا عن فتاة ليل تقدم دروسا في العفة، ففاقد الشيء لا يعطيه. وكيف لمن اعتاد الاستبداد بالرأي والبطش وإقحام المؤسسة العسكرية في أمور السياسة، أن يصف -في سابقة خطيرة- القايد صالح بـ”العسكري الجلف المصاب بجنون العظمة والذي ينام عنده شيطان المغامرة”!! وهل هناك مغامرة أكثر جنونا واشد وحشية من تلك التي فرضتها علينا في التسعينات؟ هل هناك مغامرة أبشع من إشعال فتيل حرب أهلية والتسبب في هلاك أزيد من 200000 جزائري؟ أفلا تستحي يا نزار؟!

ليس هناك ما يستدعي خوف السلطة من حديث الجنرالات المتقاعدين، لكن لا احد في الجزائر يرغب في الاستماع إلى كلامك المجانب للحقيقة ولا احد بالتأكيد يعارض استئصالك من حاضر ومستقبل الجزائر، علنا نتناسى ما اقترفت يديك.. نزار الذي لم يفكر قبل أن يصب علينا وبال لعناته ويقذفنا في جحيم العشرية السوداء، يطلب الآن من ممثلي الشعب أن يفكروا جيدا ويرفضوا قانون واجب التحفظ لتجنيب البلاد كارثة وشيكة!! وهو بذلك لم يتهجم فقط على نائب وزير الدفاع، بل تدخل أيضا بشكل سافر في صلاحيات عمار سعداني الذي يحوز حزبه الأغلبية البرلمانية، وهو المخول بتوجيه كتلته، وليس عجوز متقاعد لا يملك ولا يحكم ويعيش خارج توقيت الدولة المدنية..

لم يتبق من أسطورة نزار ومن خلفه سوى بضع رسائل ونداءات بائسة مرة إلى عناصر الجيش ومرة إلى النواب تحض على التمرد والانقلاب، لكنها لا تلقى أي صدى فحين يعظ الشيطان تصم الآذان. وحين يكون المتحدث من عينة خالد نزار، يصير تفعيل قانون التحفظ أكثر من ضرورة بل واجبا لصون هيبة المؤسسة العسكرية والحفاظ على خصوصيتها والنأي بها عن الانزلاقات والخلاط السياسي..

يختم نزار حواره بالتساؤل إن كان أمننا في أيد أمينة، في اتهام صريح لقيادة الجيش الحالية بالتقصير في حماية الوطن والتورط في التجاذبات السياسية. لكننا نعلم يقينا أنه لم ولن يمر على قيادة المؤسسة العسكرية أسوأ من نزار وأمثاله وأن الجيش ما كان له أن يحيد عن مهمته الأساسية في يوم من الأيام لولا قرارات نزار الارتجالية وساديته المفرطة..

لذا فإن الخدمة الوحيدة التي يمكن أن يسديها للجزائر تتمثل في أن يحزم أمتعته اللغوية ويصمت إلى الأبد، لأن كلامه ليس سوى جريمة أخلاقية تضاف إلى سلسلة جرائمه المادية والمعنوية السابقة..

بقلم: إيناس نجلاوي أستاذة بجامعة تبسة وعضو اللجنة المركزية لحزب جبهة التحرير الوطني

متعلقات

زر الذهاب إلى الأعلى