أعمدة الرأي

نحو إنشاء جبهة للإنتقال الديمقراطي الفعلي

يعتقد البعض أن ظاهرة مقاطعة الإنتخابات هي ظاهرة خاصة بدول معينة، فهي في الحقيقة ظاهرة عالمية  تتوسع يوما بعد يوم، ولعله يعود إلى عدم تجديد الإنتماءات الطبقية للنخب، فمثلا في أوروبا أصبحت البرامج المطروحة هي تقريبا متشابهة، وتخدم طبقات إجتماعية معينة، وتقودها نخب محددة، ولهذا أصبح المواطن يشعر أنه لا يوجد أي تغيير سواء أنتخب أم لا، ولهذا طرحنا في كتابنا “النظام البديل للإستبداد-تنظيم جديد للدولة والإقتصاد والمجتمع-” نظاما برلمانيا بشكل آخر يكون فيه التمثيل على أساس شرائح إجتماعية، وتكون كلها ممثلة فيه عن طريق الإنتخاب.

ففي الجزائر مثلا لا يعلم البعض ما معنى ودلالة المقاطعة وما هي قراءتها السياسية بما فيها عناصر من النظام الجزائري، فمثلا في الإنتخابات التشريعية الأخيرة أخفت وزارة الداخلية عدد الأوراق الملغاة معتقدة أن ذلك لا يخدم النظام متناسية أن ما لا يخدمها هي المقاطعة، فكل حالة لها معناها ودلالتها، فإن أنتخب المواطن فمعناه راض على النظام القائم وعلى مرشحين معينين، لكن في حالة وضع ورقة ملغاة، فمعناه أنه راض على النظام القائم، لكنه غير راض على كل المرشحين، أما في حالة المقاطعة، فمعناه رافض للنظام القائم كله، لكن لايمكن لنا تطبيق هذه الدلالات على الجزائر لأن الكثير من الذين يضعون ورقة ملغاة يخشون أن تطلب منهم بطاقة الإنتخاب من الإدراة، ولهذا يذهب لينتخب، ويمكن أن يضاف الكثير جدا من الذين صوتو باوراق بيضاء او ملغاة إلى المقاطعين، كما أن البعض من المقاطعين لم يكن العامل السياسي هو سبب مقاطعتهم الإنتخابات، بل هو لامبالاة تامة.

ولهذا يصعب إقامة قراءة سياسية للمقاطعين في الجزائر، بل حتى فهم مقاصدها، كما يستحيل أن يتنناها أي حزب كان لأنه يعتقد أنه هو الداع للمقاطعة، كما ترى أحزاب المعارضة المشاركة في الإنتخابات أن المقاطعة تخدم أحزاب السلطة التي تمتلك وعاءها الإنتخابي الثابت، طبعا لاننفي ذلك نسبيا، ولهذا تجد أحزاب السلطة ذاتها تدعو باشكال ملتوية إلى مقاطعة الإنتخابات،  لكن السؤال المطروح ماذا بعد المقاطعة؟

تمت عدة مقاطعات للإنتخابات في الجزائر، لكن زادت النظام تثبيتا أكثر، وتزايدت سيطرة الأوليغارشية المالية على الهيئة التشريعية التي عادة هي من أحزاب السلطة، فسواء أنتخب الشعب  أم لا فهو سيان، بل المقاطعة أعطت قوة أكثر للأوليغارشية المالية، فهل هذا معناه دفع بالجزائر أكثر إلى الإنسداد،لأن ذلك سينتج سياسات لاشعبية وضد مصالح بسطاء الشعب وفي خدمة هذه الأوليغارشية المالية، مما يمكن ان يشكل خطرا كبيرا على الإستقرار الوطني، لكن يبقى دائما السؤال المطروح هل أقيمت دراسة علمية لهؤلاء المقاطعين وإمكانية إستثمارهم في إنشاء تنظيمات جديدة شاملة وجامعة تتجاوز الأحزاب كلها سواء السلطوية أو المعارضة مادام أن هذه الأحزاب  فشلت في إيجاد حلول للأزمة المزمنة التي تعيشها الجزائر، والتي بدورها أنعكست حتى على أحزاب المعارضة التي تعيش أيضا أزمات مزمنة ومشاكل داخلية حادة وعجزا كبيرا في إنتاج الأفكار والحلول والبدائل، بل حتى النخب الرفيعة المستوى التي هي عادة ما تجد نفسها خارج هذه الأحزاب التي تشبه ممارساتها بشكل كبير ممارسات النظام الطاردة لهذه النخب؟ فهل بإمكان هذه الأحزاب المعارضة أن تطرح حلولا لأزمة الجزائر، وهي عاجزة على حل أبسط مشاكلها الداخلية، بل تتخبط في صراعات داخلية وشخصية حادة لا تعود حتى إلى خلافات حول أفكار أو إستراتيجيات، بل عادة ماتكون صراعات شخصية ونفسية ومصلحية ضيقة، فهي لاتملك حتى آليات ديمقراطية لحل إختلافاتها وتناقضاتها وصراعاتها الداخلية، فكيف ستحل  مختلف الإختلافات والتناقضات داخل الدولة والمجتمع كله.

أعتقد انه حان الوقت للتفكير جديا والقيام بدراسة علمية لهؤلاء المقاطعين ومعهم حتى أصحاب الأوراق الملغاة، لأننا بإمكاننا ضمها إلى هؤلاء المقاطعين، لأنهم ينتخبون خوفا من أي عقاب إداري مستقبلا، فيجب معرفة ومعرفة توجهات كل هؤلاء وكيف يريدون للجزائر أن تكون مستقبلا، مادام أنها تشكل أغلبية لا يمكن الإستهانة بها، ولعل ذلك سيسمح بتغيير سياسات الجزائر او التفكير في آليات نظام سياسي جديد أكثر نجاعة وفعالية كما أشرنا في بداية هذه المقالة، وهل يمكن لنا تجنيد جزء من هؤلاء المقاطعين في تنظيم سياسي جديد على شكل جبهة يضم كل أطياف الأمة بهدف إحداث تغيير ديمقراطي فعلي وسلمي في الجزائر بتجاوز الأحزاب القائمة، ويكون إنضمام مناضلي هذه الأحزاب إلى هذه الجبهة  فرديا  كما وقع في نوفمبر1954، ويكون مبني على أساس برنامج سياسي جامع وواضح يحقق الإنتقال الديمقراطي، وترضى عليه كل أطياف الأمة، ويكون هدفه تحقيق الإنتقال الديمقراطي مع وضع كل الآليات لمنع  تكرار ما وقع في 1962 أي منع سيطرة مجموعة أو أيديولوجية أو طبقة على دواليب الدولة، وبتعبير آخر تحقيق دولة-الأمة الجزائرية كلها، أي دولة لكل الجزائريين مهما كانت طبقتهم أو أيديولوجيتهم أو لسانهم أو ثقافتهم وغيرها.

متعلقات

زر الذهاب إلى الأعلى