أعمدة الرأي

في الصحافة .. تجدد كل يوم ستنجح

” النجاح لا يعترف لا بالمكان ولا بالزمان ولا بالعمر هو تركيبة متكاملة ومدروسة ” .. صهيب حجاب

سأفعل ما لم أفعله في الماضي لو كنت ما أنا عليه الآن ، لا هاتف يرن ، ولا سائل يجيب ، ومن يتفضل عليك برفع السماعة أو الرد على رسائلك في الفضاء الافتراضي الفيسبوك ، يمكنه أن يوقف محادثتك بالقول ” سامحنا سأقطع الآن عندي موعد ” ، يا إلهي ، ياربي ، إذا باعوني من أجل موعد ، أومن أجل حفنة دنانير لا يمكنها أن تسمن أو تغني من جوع ” ، إنها حقيقة الصحافة المرة في الجزائر ، حقيقة قد حصلت للكثيرين منا ولكن أن يسمعها إعلامي بقامة واسم كبير في الصحافة الجزائرية فذلك يدفع لغليان الدم في العروق ، حضرتني هذه الكلمات التي تعود إلى أحد أيام المعرض الدولي للكتاب في طبعته في السنة الماضية ، في لقاء بالصحفي المخضرم والذي من حسن الحظ أنني التقيت به بعد غياب طويل ، أثناء لحظة البحث عن الرواق الذي تتواجد فيه الزميلة الإعلامية فتيحة بوروينة لتوقيع كتابها الجديد ، ” حاولت خلسة أن أصطحبه معي حتى يشعر بعفوية المكان ، الذي ساهم بقسط وافر في لقاء الكثيرين من زملاء وزميلات الدراسة والجامعة والمهنة  ، مكان حاول فيه ” الأستاذ المعلم ” أن يمشي وهو مطأطئ الرأس لكن شعرت بفرحته والزميلة بوروينة ترحب به وتلقبه بالأستاذ ، وتردد وهي سعيدة جدا بمجيئه إليها قائلة له :” شرف لي أستاذ أن تكون حاضرا في توقيع كتابي في جولة البيع بالإهداء ، ابتسم وهو ينظر إلي بنظرة فيها عدد من الأسئلة ، فكلانا يعرف كيف جاءت الصدفة ليكون في تلك اللحظة فيي ذلك الجناح ، ومن لباقته قال لها :” الزوجة والأولاد ذهبوا في اتجاه كتب الأطفال سيأتون إليك ” ، للأمانة زميلتي قدمت له الكتاب هدية موقعة له الكتاب قائلة :” أنت على رأسنا وكم هو شرف أن تقرأ كتابي ” ، ليرد قائلا :” الشرف لي أن ألتقيكم اليوم بعد سنوات الغياب “.

الأستاذ المعلم ، هو صحفي قدير ، وصارع المرض كثيرا ، حاول مرارا أن يصطنع ابتسامة عريضة ، لكل من زار ذلك الجناح من زملاء المهنة خصوصا منهم من عرفوه ومنهم من نسوا صورته لقد تغير كثيرا من آثار المرض ، لكنه روى بمرارة في تلك الدقائق التي جلسها وهو يتحدث بصعوبة وبصوت خافت :” أتدرون أن هاتفي صار لا يرن كثيرا إلا من طرف زوجتي أو ابنتي الكبرى أو القليل من الأقارب ، المهنة خادعة أضواءها ورونقها ، اليوم أقول انتهت صلاحيتي منذ ثلاث سنوات” ، عبارات قاسية يطلقها هذا الصحفي الكبير سنا وتجربة وخبرة وكم أمثاله كثيرون ، لا نتذكرهم سوى بعد وفاتهم ، هكذا هي مهنة المتاعب : عندما تغيب الأسماء الكبيرة عن الواجهة تحرقها وترجعها رماد ، لذا على كل صحفي أن يعرف كيف يجعل من كل مهمة جديدة يقدم عليها عبارة عن بداية جديدة ويحتفظ في ذاكرته سوى باللحظات الجميلة التي تحافظ على تركيزه وقدرته على مواجهة ضغوطات المهنة ومفاجآتها وأحداثها المتسارعة، والبحث عن منجزات المهنة النبيلة كل لحظة ، فالتجربة ليست بالعمر والخبرة ليست بالنجاحات العابرة ، ولكن بقيمة ما تلقنه لأصحابها من دروس تمنحهم القوة والسعادة ، عاملان لا يمنحهما أي شخص حتى وإن مرت السنوات في تقديم الأفضل ، فالطبيعي اليوم لن يرن الهاتف كثيرا ، ولن يقتص البعض من وقتهم لكتابة رسالة اطمئنان عنك ، فكل له مشاغل والأسباب كثيرة ، لكن الصراحة أستاذي : ” من بحث عنك سيجدك ولو في الصين ، ومن أخلص إليك سيجد كل مبررات العثور عليك للاطمئنان وإدخال الفرحة على قلبك ” فقط هون عليك فما أجمل أن يجمع المعرض الدولي للكتاب عشرات الصحفيين المغلوب على أمرهم ويثني عليك الكثيرون ، وما أحلى أن ترفع قلمك لتدق به ذاكرتك لتوقظ لحظات مررت بها الأكثر إشراقا والأكثر جمالا والتي جلبت لك الكثير من السعادة بين جدران بيت السلطة الرابعة .

 

متعلقات

زر الذهاب إلى الأعلى