أعمدة الرأي

المشهد الثقافي الجزائري واختلاف المواقف

كثر الجدال والنقاش في الساحة الثقافية و السياسية الجزائرية مؤخرا حول وزارة الثقافة والاستراتيجية المعتمدة من الوزير  عز الدين ميهوبي وطاقمه الإداري، وهنا عدت لمقال –رسالة وجهتها له بعد  مدة من تعيينه في الوزارة ، من خلال جريدة الخبر عدد7949،23 أكتوبر 2015.

لقد وضعت عنوانا للمقال-الرسالة هو :”الفن والسياسة مرة أخرى..ميهوبي المبدع وعز الدين الوزير؟”، بعد أن فتح في تلك الفترة النقاش  حول الابداع السينمائي والمواقف السياسية، وتحديدا حول فيلم “مدام كوراج” للمخرج مرزاق علواش، وقد تساءل الوزير  عن مصير أموال دعم الدولة للفيلم الذي شارك به صاحبه في مهرجان بدولة الكيان الصهيوني؟؟.

أفلام الثورة..بدايات الجدل؟

وقد كتبنا حينها  نقول:”على ميهوبي المبدع الحذر مستقبلا من قضايا الفن والحرية والسلطة والتاريخ، حيث ستصادفه الكثير من الإشكالات حول مواقف المبدعين وقناعاتهم من مسائل تتعلق بالتاريخ والموقف من السلطة، واقتراح رؤى قد تناقض موقف السلطة التي يدافع عنها الوزير”.

لكن السيد الوزير لم يأخذ بالنصيحة، وربما لم ينتبه لنشر الرسالة، ، و في القترة الأخير ة من عمر الوطن يمكن للقارئ ان يتتبع النقاش الطويل حول فيلم العربي بن مهيدي ليتأكد من ظهور بوادر ما كتبناه، حيث دافع المخرج البشير درايس عن قناعاته بقوة،  وكشف كل الصعاب التي واجهته،كما  طرحت في الساحة الاعلامية و النقدية الفنية مسألة حدود وآفاق لجنة القراءة التي تمنح الموافقة للأفلام الخاصة بالثورة التحريرية.

كما  ظهرت قضية ثقافية أخرى، فيما يتعلق بفيلم زيغود يوسف الذي كتب نصه الدكتور المختص في المسرح أحسن ثليلاني، حيث بدأ الجدل حول الفيلم قبل أن يراه المشاهد، وكتب الباحث ثليلاني عن الوزير:” إنه يراوغ وعليه تحمل المسؤولية..ميهوبي اقترح ولد خليفة مخرجا وياسين العلوي منتجا لفيلم زيغود يوسف”( جريدة الشروق اليومي،عدد 9-اكتوبر-2018.ص21)، وهذا ردا على نفي الوزير لوجود ملف عن الفيلم في وزارة الثقافة،فقد صرّح ثليلاني أن المنتج قد سحب استمارات الاستفادة من الدعم المالي من مصالح وزارة الثقافة ،في انتظار مساهمة وزارة المجاهدين لتحديد مساهمة وزارة الثقافة.

وقال الكاتب المسرحي بأن وزير الثقافة على علم بكل تفاصيل فيلم زيغود يوسف لأنه هو الذي اقترح عليه المنتج ياسين العلوي… وهو في ذات الوقت الذي اقترح عليه المخرج سعيد ولد خليفة… وقال ” إن وزير الثقافة مدعو إلى تحمل مسؤولياته المعنوية كاملة مادام هو الذي اقترح المخرج والمنتج وأنا لا أعرفهما ولا علاقة لي بهما ، فكيف يتنصل الوزير من مسؤولياته اليوم…؟؟”

وما يهمنا نحن الجمهور السينمائي الجزائري والعربي هو أن نشاهد فيلم العربي بن مهيدي قريبا، وأن يتم انجاز العمل الثوري عن الشخصية البطولية زيغود ومساراتها ومجدها وحياتها، وان تنسجم وزارتا الثقافة و المجاهدين لإخراج جيد للفيلم الذي يقدم بعضا من محطات الثورة في الشمال القسنطيني. بخاصة وكاتب السيناريو ثليلاني مشهود له بالعمق العلمي في الدراسات المسرحية و الدرامية، كما له الكثير من التجارب في الكتابة  للمسرح والترجمة له، مع مجهوده في التعريف بالحركة المسرحية الجزائرية.

 ميهوبي…بين مساند ومعارض؟

لقد كتبت في عام 2015 رسالة للسيد الوزير ، ومنها:” على ميهوبي المبدع أن يكبر ويرتقي عن عز الدين الوزير، ولا يدعه يقتل ضميره وقناعاته و ينسيه تاريخه وذاكرته، ولا نعتقد أن الوزير يمكن أن يمحو ذاكرة مبدع متميز في شعره ورواياته ومقالاته، فالجزائري سينسى الوزير ويخلد المبدع، أما إن أبدى السياسي مواقف وممارسات تشوه ما كتبه الأديب، فإن القارئ سيتمرد ويرفض مستقبلا كل إبداع جديد لميهوبي”.

لكن ما وجدناه مؤخرا يرسخ لدينا الصراع الكبير والموقف الصعب للوزير المبدع، ويظهر لنا ميله للوزارة غالبا،  فهو اقرب لقاعات  ورؤى السلطة وممارساتها و مواقفها من الحرية و الإبداع، فثارت أصوات الرافضين لتحركات الوزير وسياساته في التسيير الشأن الثقافي، من خلال احتجاج الكثير من الفنانين و المثقفين، ومنهم  الاعلامي المنتج سليمان بخليلي،  والشاعر الناشط الجمعوي عبد العالي مزغيش… في الوقت الذي وقف إلى جانب البعض الأخر ، وعبر مقالاتهم الإعلامية وجدرانهم الفايسبوكية مثل الشاعر إبراهيم صديقي (محافظ مهرجان الفيلم العربي بوهران).

ولأن  ما كتبناه يمكن أن يقرا ما يحدث في الساحة الجزائرية ، فنعيد للسيد الوزير قولنا في عام 2015:” لقد شهد العالم الكثير من حالات وصول المبدع لمراكز القرار السلطوي، ومنهم من خان المبادئ التي تربى عليها، ومنهم من وفى، ونحسب شاعرنا من الموفين، لكن ليحذر اللّاحاسين في جميع موائد السلطان عبر الولايات، ولينتبه لمن يرى في الثقافة ريعا ومكسبا، ولمن يرى في التعامل مع الثورة فنيا صفقات مالية وعقارية و….”،  وقلنا كذلك “: يجب على ميهوبي المبدع أن لا يترك عز الدين الوزير يقتل روح الإبداع  والمغامرة فيه، وعليه أن يميّز بين رجل الدولة ورجل السلطة، ورجل الحرية ورجل الوظيفة، وعليه أن يقول كلمة الحق السياسية والاجتماعية من منظور المواطنة قبل الوطنية، وحرية التعبير والتفكير قبل قيد المنصب والمهمة الرسمية”. ويمكن للقارئ ان يعود لأرشيف جريدة الخبر ليتتبع ما اقترحته للوزير و الكاتب من نصائح لخطة الطريق في الرشاد و الفن و الجمال.

في الختام

  إني أساند الكاتب المتميز الطاهر يحاوي في دعوته كل الكتاب و المثقفين و المبدع الجزائريين للمصالحة الثقافية الشاملة، وقد نشرها في الموقع الثقافي المتخصص “أصوات الشمال” ، والجزائر بحاجة لجهود وأفكار وآراء كل رجالها المبدعين، وعل كل طرف أن يعترف بأخطائه  ويكنس من يلتصق بالمشهد الثقافي وهو بعيد عنه ولا يعرف منه إلا الامتيازات المتعددة،و على السيد الوزير أن يحرك مكاتب الوزارة لتقدم البدائل التنويرية الاستراتيجية في التفاعل والتعامل مع الأصوات المحتجة على طريقة عمل الوزارة، بدل السماع لأصوات مدّاحةّ، تقدم النصيحة المخادعة الكاذبة لأجل المنصب، وفي أول منعرج تنقض على كل فريسة؟ وتتنكر لكل فضل؟؟فهل وصلت الرسالة  يا أهل الثقافة في وطني الجميل الجريح؟ واللهم أحفظ الجزائر ووفقنا للوفاء بعهود الشهداء.

 

 

 

متعلقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى