تحقيقريبورتاج

أَزُزَّانْ ـ الأحلام على أهداب أغنية أمازيغيةـ

أَزُزَّانْ  قصائد شعر غنائية أمازيغية  نسوية خالصة يمكن أن نطلق عليها اسم الأهازيج لكنها ليست أهازيج غنائية تغنى حيثما اتفق أو لأي كان ،فأزُزًّان أغاني تغنى فقط للأطفال وقت النوم لذا يمكن تسميتها بتهويدة النوم ،ولا تغنى للطفل إلا وهو في حجر أمه أو في مهده المعلق لسقف البيت بحبل طويل ،وذلك المهد يسميه البعض بالمهد العربي .

وتغنى قصائد التهويدات هذه بصوت هادئ ناعم يقطر حنانا ورقة وترفقه الأم عادة بالترتيب على ظهر الطفل أو كتفه برفق ورتابة كي تستدعي ملاك النوم اللطيف الذي سيحمل طفلها لحالم الأحلام الوردي ،وبتكرار الأغنية عدة مرات أو بتغييرها من حين لآخر تثقل جفون الطفل الوديع ويتوقف عن مقاومة أمان الحجر ودفئه ويستسلم للنوم على صوت والدته أو جدته أو ربما حتى خالته أو عمته …

وأزوزّان تهويدات نوم تخص فقط منطقة القبائل ( الأمازيغ ) دون غيرهم وتختلف تسمياته من مكان لآخر وتتنوع قصائده ومواضيعه فنجد البعض يسميه “أَهزُو” لأن الطفل يهز في مهده لينام ويسميه البعض الآخر”أسبربار” لأن الطفل يغطى  ليشعر بالدفء والأمان في حين يسميه الآخرون” أًسْهُلّو” …

ومهما كان الاسم الدي يطلق عليه فأزًزَّان يغنى بصوت خافت حنون فيتعود الطفل عليه ولا يغفو إلا على صوت أمه وهي تقوم بالغناء من أجله لينام ،فتترنم الوالدة بهذا الأهزّو مثلا:

ـ أَيِضَاسْ يَزًزًنَن (يا نوم يا من يهدهد له )

ـ أَجْ أَمّي ـ نَغْ يَلِّي ـ أَضْيَطَاسْ ( أترك ابني ـ أو ابنتي ـ لينام أو تنام )

ـ أًرْثِبَلُو أَلاَ لْخِيرْ أَقْولْ إِنَاسْ ( لا يصاب بسوء إلا العافية تسكن قلبه )

هذه التهويدة دعاء لحماية الرضيع من أي سوء وأمنية لنوم سريع عميق بلا كوابيس أو استيقاظ الطفل باكيا كأن حية ما لذغته وسرقت منه لذة النوم …

أو تغني لابنها المدلل:

ـ أَرْكَطْ أَرْكَطْ ألصَابَون ( دُسِ ،دس على الصابون )

ـ يَا بَرْكَانْ لَعْيُونْ ـ أَثَبَرْكَانْ لَعْيُونْ ـ ( يا صاحب الحواجب السود ـ أو يا صاحبة الحواجب السود إن كان الطفل أنثى )

ـ رَبِّي إْقْدِقَانْ ايسَمْ ـ نَغْ إِمْدْيْقان ايسم ـ ( الله من منحك ـ أو منحكِ ـ اسما )

ـ أُرْكِدْييجِ ـ أوركمجييج ) غَر لعِمَومْ ( لم يتركك ـ أو لم يترككِ ـ بين أيدي الأعمام )

إنها أغنية تتمنى طول العمر لوالد الطفل وأن لا يتيم أبدا وأن لا يضطر يوما إلى الخضوع لسطوة الأعمام القساة الذين سيستغلون ضعفه لسرقة ماله أو ممتلكاته أو لتشغيله وربما احتقاره ففي الثقافة الأمازيغية كثيرا ما ارتبطت صورة العم بالقسوة واستغلال أبناء الأخ إن كانوا يتماى أو ضعفاء ،كما تمدح الأم جمال طفلها فالطفل صاحب الحواجب الفاحمة السواد لا شك أنه في منتهى الجمل فالحواجب السوداء رمز للجمال في الثقافة الأمازيغة.

أو بصوت ناعم حيوي تردد على مسامع الطفل المتعب:

ـ أَذِجَلْبَغِ ثِجَليبِنِ ( سأقفز قفزات صغيرة )

ـ أَمَشَانْ أَرُبْحِرِينِ ( مثل الثعلب المتجه للبساتين )

ـ أَدِكْسَاغْ ثِفَقْلُوجِينْ (و سأقطف القرع )

ـ إِيَمَّا أَشَشْ ثِبْرَارِيينْ ( من أجل أمي كي تأكل البركوكس ـ البركوكس يسمى عند البعض المغربية ـ )

ـ أَذْ طْضاغْ ثِعُوعُوشينْ ( سأرضع الحليب )

ـ أَذْقَغْ ثِزَمارِينْ ( وسأصبح مثل الحمل الصغيرالسمين )

أما هذه التهويدة الرائعة فهي تروي خفة الثعلب عندما يتجه للحدائق لسرقة ما لذ وطاب من الثمار وتستعير الأم تلك الخفة لتذهب للبساتين لقطف القرع من أجل صنع البركوكس ليكون وجبة للأم فهي هنا تستخدم ضمير المخاطب للتحدث على لسان طفلها إذ هي تدعو ابنها أو ابنتها لرد الجميل لها من خلال قطف تلك الثمار بخفة ،كما أن الطفل سيكبر معافى وسمين وجميل ووديع مثل حمل صغير ،فالطفل الجميل عند الأمازيغ يشبه الحمل الصغير في كل صفاته.

تهويدات النوم عند الأمازيغ ثقافة حب تنقل الأم من خلالها لطفلها الكثير من الحنان وتغدقه في بحار حب لا أول لها ولا آخر فتغرق هي في تفاصيل أمومتها ويكبر طفلها بين أحضان الرقة ويتعود وهو في مهده على لغة تحمل كل كلمة من كلماتها أكثر من معنى وقصة.

بقلم الكاتبة الجزائرية / نجاة دحمون

متعلقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى