أعمدة الرأي

الراعي…و”الحيض الجيولوجي”!

من يضحكون على راع في البراري يهش على غنمه، ولباسه رث، وزاده بعض الكسرة وماء.. وناي أيضا يمضي به الوقت وعيناه تراقبان “اقتصاده”، إنما يضحكون على الحكامة بأم عينها، لان الراعي لا يفرط في شاة ولا أمل ولا عزم، وفوق هذا وذاك، هو مسير جيد للأمانة التي بين يديه، يدخل الأسواق يبيع ما يبيع ويحتفظ بما يحتفظ، يُقدس أهم قاعدة في اللبرالية وهي العرض والطلب ولا يتسبب في انهيار بورصة بتقاليده.. وقاعدته الذهبية “كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته”..

في بلادي، الحكومة لا تعرف كم عدد المعوزين في البلاد (كل الوزراء الذين تعاقبوا على حقيبة التضامن الوطني قالوها صراحة)، ومع ذلك تتبجح بالعدالة الاجتماعية، وتقول إن من له حق يأخذه، ومع ذلك فشلت في تفسير آلاف الاحتجاجات في كل القطاعات سنويا (من أقصى بلدية لا يجد بطالوها شغلا، إلى التربية التي صارت عنوانا كبيرا للاحتجاج).

في بلادي، كل القفف مشنوقة، أو على الأقل معلقة، بقرار حكومي مفاجئ لا يترك للمستهلك فرصة التفكير في وضع بعض المال جانبا، لمرض أو طارئ، ومن كثرة الطوارئ لا يعرف المواطن كيف يوزع أجرته (إن كان عاملا) على التربية والصحة والسوق ومستهلكات أخرى، وحتى الدراسات التي خرجت إلينا من تحت عباءة سيدي السعيد عن القدرة الشرائية، وما يبغي ان تكون عليه أجرة رب عائلة من خمسة أو سبعة أفراد، إن طبقت لا تنفع، مع “تقشف الحكومة”، الذي يريد شفط ما يوجد في جيوب الناس، وخارج البنوك، حتى وإن كان من المال الحرام، خصوصا من ذلك النوع الذي يسميه الاقتصاديون “تبييض أموال”..

في بلادي، الأحزاب التي لا “حزب” لها نطحتها الحكومة والسلطة والنظام دفعة واحدة، ليس بقاعدة 51/49 بالمئة التي لا تعجب عبد السلام بوشوارب، بل بـ5 بالمئة فقط من نتائج اي انتخابات جرت في السابق، يعني نطحة مسبقة لم تحصل في التاريخ، ولا تشبه نطحة زيدان لماتيرازي..

في بلادي، وحده علي حداد، يمكنه جمع 1,5 مليار دولار، في نصف سهرة بفندق الأوراسي، لصالح حكومة لا تعرف الى أين ستقودها مغامرة “القرض السندي”، الذي يعتبره الإسلاميون حراما، وينتقده غيرهم من كل التيارات ويقولون انه “حجرة في سباط” من يلوكون امكانية رفع النمو في بلاد لا تعرف غير بيع “الحيض الجيولوجي”، اي البترول والغاز..

في بلادي، يأتي إصلاح ويذهب إصلاح، والفساد هو الفساد، وكلما ذكرت كلمة إصلاح ارتبك المعنيون بها في قطاع ما: في المالية انقلب الوضع من بحبوحة الى تقشف بمجرد ما تبختر الإصلاح في القطاع. في التربية فرخ الإصلاح فضائح متتالية في التسيير وحتى في الامتحانات التي بات يشرف عليها السيد فايسبوك! وفي العدالة اوجد الإصلاح سجن الصحفيين رغم ان القانون يمنع ذلك.

في بلادي، وحده الراعي، غير الملوث بكل هذا، بقي صافيا يعمل ويكد ويجد، ولا يعرف للخسارة طريقا، ولا يمسه ضر التقشف، ولا يموت كمدا على “إصلاح” أهمله، وحسنا ما فعل. الراعي مسير جيد لمحيطه وعلاقاته وتجارته، ومهما غيرت الحكومة جلدها، فلن يتغير هو، وهو الوحيد الذي لا يتأثر بصعود وهبوط أسعار “الحيض البيولوجي” في الأسواق الدولية..

متعلقات

زر الذهاب إلى الأعلى