أعمدة الرأي

تقديس الحريات مستمد من قداسة الله

عادة ما يطلق على رجال الإعلام مصطلح السلطة الرابعة، وقد ظهر هذا المصطلح في أواخر القرن 18م بفرنسا، وأطلق آنذاك على الجماهير التي فرضت على الملك تنفيذ رغباتهم من خلال الثورة والمظاهرات، وقد سميت هذه الجماهير بالسلطة الرابعة إضافة إلى ثلاث سلطات آنذاك وهي الملك والكنيسة والبرلمان، كانت كلها في يد الملك، وليس كما يعتقد اليوم أنها سلطة إلى جانب السلطات الثلاث التنفيذية والتشريعية والقضائية التي يجب أن تكون منفصلة بعضها عن بعض مثلما طرح ذلك مونتيسكيو، وأنتشر مصطلح السلطة الرابعة في إنجلترا على يد الكاتب ويليام هازيليت عندما وصف مندوب إحدى الجرائد إلى البرلمان بأنه ممثل السلطة الرابعة، أي ممثل الجماهير، فأصبح المصطلح يطلق على الصحافة بسبب قدرتها على التأثير والتعبير عن الرأي العام.

ولم يبق اليوم التأثير على الرأي العام حكر على الصحافة فقط، بل انتقل إلى كل وسائل الإعلام والنشر كالتلفزيون والأنترنات والسينما والفنون والآداب، بل حتى المساجد في العالم الإسلامي، مما جعل الجميع يتسارعون للسيطرة على هذه الأجهزة الخطيرة كرجال السياسة والأنظمة ورجال المال… وغيرهم، فتتحول إلى أجهزة في خدمة مصالح هؤلاء بدل أن تعبر عن حقيقة توجهات وطموحات ورغبات كل الشعب دون استثناء، مما يطرح إشكالية كيفية سيطرة المجتمع والأمة على هذه الأجهزة .

إن كانت الدساتير في الغرب لم تجعل من هذه السلطة الرابعة مؤسسة دستورية مثل السلطات الثلاث التنفيذية والتشريعية والقضائية، واكتفت فقط بضمان حرية التعبير والتفكير والنقد والاعتقاد لمستخدمي مختلف هذه الأجهزة، فإنه يمكن لنا إعطاء هذه السلطة صفة المؤسسة الدستورية، تتوسع إلى رجال الإعلام والفن والفكر والآداب، وكل الذين يقومون بهذه المهمة المقدسة باللسان أو القلم أو الصورة.

فعلى هؤلاء كلهم أن لا يبقوا مشتتين مما يٌسهَّل ضربهم، فعليهم الانتظام في هيئة أو مؤسسة دستورية منتخبة من كل الذين ذكرناهم آنفا، فتضم هذه الهيئة كل ممثلي الذين يقومون بهذه المهمة النبيلة، وعلى هذه الهيئة أن تقوم بتسيير وإدارة مختلف أجهزة الإعلام والثقافة كالتلفزيون والمؤسسات السينمائية والفنون ودور النشر… وغيرها من الوسائل التي عبرها يمكن صناعة الرأي العام، كما توكل إليها مهمة ضبط الإشهار، الذي يعد مربط الفرس في عملية حرية الإعلام، لأن السلطة التي تعمل من أجل إحتكار عملية الإشهار لا تستهدف من خلال ذلك إلا التحكم الغير مباشر في وسائل الإعلام، وبهذا الشكل فقط نكون قد وضعنا أخطر الأجهزة في هذا العصر المتصف بعصر الاتصالات في يد أصحابها الحقيقيين بدل وضعها في أيدي السلطة في الأنظمة الدكتاتورية والشمولية أو تحت سيطرة رجال المال والأعمال مثلما هو حاصل اليوم في الديمقراطيات البرجوازية.

ولا يمكن ضمان فعلي لمختلف الحريات التي نصت عليها مختلف الدساتير الحديثة إلا بإعطاء الحصانة لهؤلاء سواء أكانوا أعضاء في الهيئة الدستورية التي تمثلهم أم لا، ولا يمكن رفع الحصانة عنهم إلاّ من طرف هذه الهيئة فقط ، وذلك في حالة القيام بأعمال يعاقب عليها القانون أو تناقض المهمة النبيلة التي كلفهم المجتمع والأمة بها .

وعلى هذه الهيئة أن تكون مستقلة استقلالا تاما عن مختلف السلطات الأخرى والأحزاب السياسية، كي تكون مخلصة للمجتمع الذي يجب أن تدافع عن مصالحه.

أما بشأن مسألة الحريات بكل أشكالها، ومنها حرية التعبير، فلا يجب أن ينتظر من أي سلطة مهما كانت أن تأذن بذلك، ليس فقط أنها من الحقوق الطبيعية للإنسان، بل أنها مستمدة من الله، فهل يعقل أن يتدخل أي إنسان فيما أقول أو لا أقول أو في إختياراتنا في الوقت الذي أعطى فيه الله جل جلاله خالق الإنسان الحق للإنسان  في الإختيار بين طريق الجنة أو طريق النار، ويقول سبحانه وتعالى”وهديناه النجدين”، فكل من يتدخل في حريات الإنسان في القول والتعبير او في إختياراتنا فهو في ديننا الجنيف وفي تصوراته إعتداء على الله سبحانه وتعالى الذي ضمن لنا حق الإختيار، فهل يوجد أكبر من حق إختيار الإنسان بين الطريقين المؤديين إلى الجنة أو النار، إضافة إلى ذلك، فإن الإذن قد أخذناه  بدماء ملايين الشهداء ضد الإستعمار منذ أكثر من نصف قرن، ولهذا فلايجب ان ننتظره من أي كان، ومن أعطى لهؤلاء حق إسكات الأصوات وتكميم الأفواه ومن أين يستمدونه؟.

متعلقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى