أخبار هامةتحقيقريبورتاج

عادات أمازيغية في “لَعِيذْ ثَمْقْرَانْتْ زِكَنِّي”

هو الحنين يجرفنا إلى الماضي ،إلى أعياد السنوات الخوالي ،أعياد من كان طفلا في سبعينات وثمانينات القرن الماضي ،وقتها كانت طقوس الاحتفال بالعيد الكبير مختلفة تماما عن طقوس أيامنا هذه…العادات القديمة الموروثة جيلا عن جيل كانت حاضرة بقوة في تفاصيل إحياء الشعائر الدينية التي امتزجت مع عبق الخرافات والأساطير المتوارثة.

في القرى الأمازيغية مثل قريتي ” الشرفة ” الاستعداد لعيد الأضحى يسبق موعده بفترة طويلة إذ يقوم الكثير من أرباب الأسر باقتناء حملين أو خرفانا صغيرة أحدهما سيكون أضحية للعيد والآخر يباع للاستفادة من الربح في مواجهة مصاريف الحياة ،والبعض الآخر كان يقوم بشراء خروف و جدي كأضاحي ويحرصون على تسمينهما لأشهر ليذبح الجدي الذي كبر وأصبح تيسا يوم وقفة عرفة ويترك الخروف الذي أضحى كبشا كأضحية للعيد ،هذا ما درج من لا يملك مالا كافيا لشراء كبش العيد لضيق ذات يده ،وهكذا كان يفعل والدي إذ تعودنا في صغرنا على الاعتناء بخروفين ليكبرا ويسمنا فيختار والدي أكبرهما ليكون أضحيتنا والثاني يبيعه .

ويوم عرفة يوم مميز ليس فقط لما له من الأيام المباركة التي يفضل صيام نهاره والإكثار من التهليل والتكبير إنما لأن عشاء ذلك اليوم سيكون مميزا إذ يذبح التيس ( ويحدث أن يتشارك فيه مجموعة من الأقارب ) باكرا في ذلك اليوم لتحضير الكسكسي باللحم كعشاء ليلة العيد ونسميه ” إِمَنْسِي لْعِيذْْ” لمن اقتنى جديا ورباه لهذا الغرض بينما يقوم الآخرون بالذهاب إلى السوق لشراء كيلو أو كيلوغرامان من اللحم وبعض اللوازم التي تحتاجها الأسرة للاحتفال بالعيد ويسمى ذلك ” ثَسْوِيقْثْ لعيذ” والأكثر فقرا يذبحون دجاجة أو يحضرون كسكسهم بما توفر لديهم من خضار.

أما في يوم العيد فالجميع يستيقظ باكرا وعلى غير العادة يغادر الصغار فراشهم مع بزوغ أشعة الشمس الأولى حيث يرتدون أجمل ما لديهم ـ وليس شرطا أن تكون ملابسهم جديدة إذ تلجأ الكثير من الأسر إلى الاحتفاظ بملابس عيد الفطر ليلبسها أطفالهم في عيد الأضحى ـ والغريب أني لا أذكر أني أو إحدى أخواتي قد طلبت من يما أو vava ـ أبي ـ شراء حذاء ليرافق الفساتين التي تخيطها إحدى خياطات القرية من قطعة قماش واحدة اختارها لنا أبي ذات سوق أو هي من مقتنيات والدتي التي فضلت أن تخيط لنا فساتين بنفس القماش وبنفس التفصيلة فتظهر نحن الأخوات الثلاث بنفس المظهر …

حسب والدتي الثمانينية العمر لا يحضر شيء خاص لفطور عيد الأضحى فالأسر تتناول قهوتها الصباحية المعتادة فيغادر الرجال للمقبرة لزيارة الموتى ولصلاة العيد في مسجد المقبرة أيضا ،بينما يبدأ الأطفال رحلتهم بين بيوت الأقارب للمغافرة ،ومحظوظ هؤلاء الذين يحصلون على عيدية ( لَمْغَافْرَة) ،وعيدية بقيمة واحد دينار تشعر الطفل بأنه الأغنى والأسعد في جميع العالم !

وكانت الأمهات حريصات على توصية أطفالهن بعدم التأخر عند الأقارب إذ يجب عليهم العودة إلى البيت قبل عودة والدهم من صلاة العيد لحضور طقوس ذبح الأضحية ،ومن الأمور التي تصر “يمّا ” على إخضاعنا لها ـ نحن البنات ـ تخضيب ما بين حواجبنا بقليل من دم الأضحية (نقطة أو نقطتان ) برأس السكين الذي ذبح بها “ذادا” الكبش إذ نصطف أمامها وتطلب من أخي فعل ذلك وعندما سألتها يوما عن سبب فعلها لذلك قالت:” سَكْسَغَاكُنْتْ ثْشَرْكَا” ـ أُزيل عنكن الشرك ! ـ أي شرك لا أدري ،وهو طَقس نحاول الهرب منه وعندما نفعل ذلك كنا نعاقب بعد مرور أيام “لَعْواشَر” التي يمنع فيها معاقبة أو إبكاء أي طفل كي لا يحزن في أعياد حياته المقبلة ،ولم نتخلص من ذلك الطقس إلا بعد أن كبرنا…

وبعد ذبح الأضحية وسلخها وتنظيف الأحشاء وزلف بوزلوف يحضر عشاء العيد المتمثل في بوزلوف الذي يسلق في ماء مملح ويأكل بأغروم ـ الكسرة ـ ،لكن بعض الأسر مثل أسرتنا عليها تفوير القليل من الكسكسي لتجنب لعنة الأجداد ( ذَدَّعَة ) وقبيل المغرب ينتزع الكتف الأيمن من الأضحية وكذا القليل من رقبتها وجزء من الكبد ليأكل منه أفراد الأسرة إن رغبوا في ذلك وإلا يوضع الكل جانبا لثاني أيام العيد،ومن أساطيرنا الأمازيغية القديمة أن لا تقدم عين الخروف أو أنفه لفتيات البيت فذلك فأل سيئ فإن أكلت البنت العين ستكون تحت مراقبة الجميع وستتعرض للانتقاد وسيكتشف الكل هفواتها وأخطائها ،أما أنف الكبش فلا يجب أن تأكله لأنه رمز من رموز العبوس والفتاة يجب أن تكون دوما مبتسمة .

ويسمى ثاني أيام العيد عندنا “تَنَا عيذْ” وباكرا يستيقظ رجال البيت ونساءه للتعامل مع الأضحية فتبدأ عملية التقطيع والتشريح ليستيقظ الأطفال تباعا على صوت الفأس الذي كان ذادا ( أخي الأكبر) يستخدمه لتقطيع العظام فنتوجه صوبا إليه وإلى والدتي فتعطي يما لكل واحد منا قطعة لحم صغيرة نقدمها لزوجة أخي لتقليها لنا ،ولا يستغرق ذلك إلا الوقت الكافي لاغتسالنا وارتدائنا لنفس الملابس التي لبسناها يوم العيد…

وبعد الفراغ من عملية التقطيع والتقسيم تلك تحضر والدتي العيدية التقليدية لعمتي ( وهي نموذج لكل ما تفعله النساء لمعايدة القريبات المتزوجات) فتملأ ثلثا القفة دقيقا وتغطيه بقطعة قماش نظيفة وتضع فوقها الكتف الأيمن من الكبش وفي كيس صغير تضع علبة من الحناء وقطعة صابون مارسيليا وقطعة صابون زينة و علبة من القهوة وكيلو سكر) ويضاف للقفة وكذا نصيب العمة من بوزلوف ومن الكرشة ( بالمختصر نصيبها من كل أطايب الكبش) ،وتسلمها لوالدي ليزور أخته ويهنئها بمناسبة العيد ،وإن كان للأسرة أخت متزوجة يقدم لها الكتف الأيسر وإن كان هناك أخريات فيقدم لها الفخذ الأيمن وللرابعة الفخذ الأيسر وقد يذبح الأهل أكثر من كبش فقط لاهداء الأفخاذ والأكتاف لأخواتهم وعماتهم …

وتتلقى والدتي نفس العيدية من إخوتها وإن صادف أن عجز أحد أخوالي عن التضحية تقدم لها هدية نقدية أو نصيبها من اللحم ( كيلو أو اثنين حسب قدرة كل واحد ) وهذا ما تفعله الأسر الأخرى في القرية كاملة .

وتكون وجبة الغذاء لحم مقلي أو مشوي مع أغروم دائما وكل أفراد الأسرة يتناولون اللحم حتى الشبع أو التخمة ،بينما للعشاء يحضر الكسكسي باللحم ومعه العصبان ،لينام بعدها أفراد الأسرة في انتظار ثالث أيام العيد.

وثالث أيام العيد ندعوه ” مَرْزِي إَغَسَانْ” ( مكسر العظام !) ،وفيه تقوم الأمهات بسلخ اللحم من الأفخاذ والأكتاف يحضر ما يصلح للقلي أو شي كوليمة للغذاء أما العظام فتقطع ( تكسر) ويحضر بها عشاء اليوم الثالث ،علما أن يوم ثالث أيام العيد هو اليوم الذي تخصص له النساء وقتا لاختيار القطع المناسبة لتحضير القديد إذ تملح القطع بعناية بعد فتحها لحجم مناسب وتوضع جانبا لأيام قبل القيام بتجفيفها .

واليوم الثالث هو يوم للمعايدة والزيارات أيضا مثل يوم العيد واليوم الثاني منه أيضا ،وإن لم يستطع أحد زيارة أقاربه وقريباته خلالها يكون ذلك مصدر حزن وأسف وأحيانا سببا للمشاحنة والخصام…كما أن اليوم الثالث آخر أيام لعواشير التي يمنع فيها عقاب الأطفال لأي سبب كان فيستغله الصغار في الحصول على الحريات الممنوعة في الأيام العادية .

ومن الأمور التي يجهلها الكثيرين أن الرجال يرون بعضهم البعض في المسجد أو المقبرة أو الشارع ورغم ذلك يتنقلون للمعايدة في البيت لأن الهدف الرئيس من ذلك هو معايدة النساء من الأقارب فهن لا يخرجن إلا لحاجة ولوقت قريب العجائز فقط يخرجن نهارا للمعايدة والزيارات والنساء الشابات لا يزرن بيوت الأهل إلا ليلا كي لا تتعرض لعيون الرجال الغرباء…

وبغروب “مرزي إغسان” تنتهي طقوس الاحتفال بالعيد مع دعاء يتكرر كل سنة:

ـ اللهم أعده علينا بالخير واليمن والبركات والفرح والهناء كما أعدته علينا هذه السنة.

صَحّ لعيذ نْوَانْ ،أسْعَقْذَام سَصَحّة ذْ لَهْنا.

كتبتها لسبق برس : نجاة دحمون

متعلقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى