أعمدة الرأي

غياب الصوت الإسلامي عن حدث الانفصال الكردستاني

دواعي  تناول موضوع الانفصال الكردي عن الجسم الأم العراق كثيرة منها :

  • منزلة الدين الإسلامي في البنيان الوجداني والاجتماعي لشعوب المنطقة.
  • يعدّ الدين الإسلامي من أقوي المؤثرات والمحركات لشعوب المنطقة، بل قد يكون أشدها نفوذا ، في سياقات وقضايا وملابسات معينة .
  • الدور النضالي [ توعية- حشدا – جهادا – مقاومة ] الذي أداه المعتقد الإسلامي ، والهيئات الإسلامية الكبرى كالأزهر الشريف والزيتونة والقرويين، وأعلام وشيوخ علم وفقه وإصلاح ، وجمعيات وحركات إصلاحية كبرى مثل جمعية العلماء المسلمين الجزائريين ، وأضرابها في العالم العربي ؛ فقد كانت إحدى أهم وأبرز النُسُج المقاومة للاستعمار الغربي ، حتى اندحر عن جغرافيا المنطقة .
  • الحضور البارز للمكوّن الديني الإسلامي في سياق وظروف الأحداث التي هزّت وتهز المنطقة العربية ؛ فليس خافيا دورها الذي اضطلعت به بعض الرموز والهيئات في توجيه الرأي العام الشعبي ؛ فقدّمت بذلك خدمات جليلة للأطراف السياسية وأدواتها .
  • تمركز هذا البعد ضمن أهم وأبرز أطراف معادلة يُراد حبكها أو حلها،

أو إعادة تعقيدها في الأوضاع المأساوية التي انتهى إليها ما اصطُنع له وهم مضلل (الربيع العربي ) ، الذي برهنت تطورات الأحداث أنه –في أحسن التقديرات ظنا – لم تتوفر له شروط حركة التغيير المفصلية في مسار الشعوب المتشوفة للتقدم والتحضر ، في كنف الاستقلال الحقيقي ، والحرية الواعية ، بخطورة الاستخدام أو التمكين الاستعماري العولمي الجديد .

أما التقدير المناقض الذي تتضافر مجريات وتطورات الأحداث على رجحان رصيده من الصحة : أن الأمر لا يعدو أن يكون جزءا من مخطط كبير استكمل متطلبات بعثه وانطلاقه ، فكان ما كان وما هو كائن ، وما هو مرتقب ومتوجس حدوثه .

ودون غمط الشعوب التي انتفضت حقها في التطلع إلى أوضاع أفضل مما هي فيه ، واحترما لأرواح بريئة زهقت بالآلاف، وجرحى ، ومقعدين ، و يتامى وأرامل، ومهجرين ، فقد التُقطت لحظات البدايات ، ونُسجت مع ثوب المخطط المحكم، ثم تعاقبت فصولها التي صرنا معها لا نكاد نتذكر أسماء كيانات الدول العربية غير الفاشلة وغير المدمرة ! وقد أصبح المشهد العام لا يكاد يتيح المجال لأي واصف أن  يجرؤ على التوصيف ، والتشخيص .

ولم يعد محل استغراب الذهاب في الأمر مذهب التفسير بالمخطط المعد ، مع يقيننا أن أهم نقاط القوة التي يراهن عليها هذا المخطط وأضرابه هو مدى ما توفّره الأوضاع الداخلية للدول والمجتمعات المستهدفة من عوامل استعداد للتفاعل الإيجابي مع فصول المخطط ، وشروط نفسية وميدانية لتنفيذه .

وعلينا أن نضع في الحسبان أن من هذه الشروط أيضا  عدم اكتمال شروط تغييرات عميقة في الأوضاع الداخلية ، فحين هبّت الرياح ، وُجّهت بالنفخ فيها فاشتدت حتى صارت أعاصير مدمّرة بالقدر الذي يهيئ المجال لفصول المخطط فرص النفاذ ، وترتيب الأمور وفق المطلوب .

والحرص على عدم الانحراف عن موضوع المقال، لا يتيح لنا ضرب الأمثلة والاستشهاد بالوقائع والشواهد والإثباتات ،التي قد يكون أحدثها تصرح وزير خارجية بريطانيا الذي أثار ردود فعلا غاضبة داخليا وخارجيا  لغظة وجلافة صاحبته،حين عبّر عن فكرته حول الظروف المهيئة لمدينة سرت الليبية كي تصبح دبي ثانية في المنطقة . وهو تصريح يكشف جانب من مشهد مهرجان الدم العربي على مذبح الركح العولمي الإمبريالي الأمريكي الصهيوني !

لا يستغرب إلاّ غر أو أبله أو أداة وجود مخطط، وقد أفصحت الوثائق والكتب عن مخطط افتراضي لاحتلال العراق وتدميره بالدقة التي جاء عليها التنفيذ بعد نحو أربعة عقود . تولت صياغته البراعة والجدية اليهودية ممثلة في كيسنجر الذي تجاوز كل الهيئات والسلطات العليا في بلده الإمبراطوري ، ويحتاط لتوفير الحماية لبني جنسه على مدى عقود (أنظر : د. عبد الحي زلوم : خطوة فخطوة : من السيطرة إلى الاحتلال ، مفاوضات كيسنجر مع السادات ، ومخطط مبكر لضرب العراق إذا احتل الكويت – رأي اليوم : 10\10\2017). فإنكار وجود المخططات هو جزء من طبيعتها .

وها نحن نشهد ميلاد لحظات مأساوية أخرى في الجسم العربي ؛ باعتلاء أشلاء وركام أقوى دولة عربية في العقدين الأخيرين ( العراق ) ، للإعلان عن بتر جزء من جسمه تحت راية عرقية ، بعد أن استتب الأمر فيه للطائفية التي نفذتها تخطيطا وقانونا وممارسة دولة الاحتلال ، وأسهمت في صنعها كل الأطراف ذات الصلةفي المنطقة .

لقد كان المنتظر أن نقرأ ونسمع مواقف وبيانات وتصريحات ووجهات نظر و لما فتاوى حول النازلة .  لكن واقع الحال لم يمنحنا سوى بيانين  أحدهما لهيئة علماء الوقف السني العراقي  جاء فيه على لسنا رئيس : (حتى لا نكون شهداء زور على هذا الزمن الرديء يجب أن يكون لنا موقف واضح بصرف النظر عن ما نعانيه من أوجاع ؛لأن المشكلة اليوم مشكلة وطن وأمة وليست مشكلة طائفة او قومية او مذهب ، نقولها بصوت واضح لا لتقسيم العراق لا للاستفتاء الفاقد للشرعية؛ لأن الدستور لا يجيز لاحد ان يذهب للتقسيم بإرادة منفردة ، وأن هذا العراق هو عراق الله تعالى لا عراق السنة ولا عراق الشيعة ولا غيرهم وهذه الأوطان هي لله تعالى .

وفي الختام تلى المدير العام الدائرة المؤسسات الدينية والخيرية الشيخ قتيبة عماش بياناً بيّن فيه رفض الاستفتاء بكل فقراته ، ومساندة الحكومة المركزية لاتخاذ أي إجراء ، والتأكيد على وحدة العراق وان هذا التقسيم مخطط صهيوني يجب على العلماء التثقيف ضده من خلال المنابر) . ( موقع الوقف على الشبكة ) .

والبيان الثاني أصدره الأزهر عبّر فيه “رفضه لهذه الدعوات، وحرصه على وحدة الأراضي العراقية، مؤكدا أن دعوات الانفصال والتقسيم وما تم من إجراء استفتاء على الانفصال كان محل رفض دولي وعربي على وجه الخصوص”.

وتابع “يرى الأزهر أن مثل هذه الدعوات تؤدي إلى زيادة فرقة الأمة العربية والإسلامية بما يحقق المخططات الاستعمارية بتقسيم دولها على أسس طائفية وعرقية، و يأسف الأزهر لما تناقلته وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي من رفع أعلام الكيان الصهيوني ومشاركته في احتفالات الانفصال، وهو ما يؤكد الحقيقة الثابتة بأن هناك أياديَ خفية أصبحت تلعب على المكشوف، وراء هذا المشروع الانفصالي”.

وعبثا  انتظرت مترقبا غيرهما ، فلم أضفر بطائل إلى حد كتابة هذه السطور . إننا أمام موقف محيّر فعلا :

هل المشروع الانفصالي الكردي ثانوي في ضمير إسلامي تمثله تلك الجهات ؟ –

-هل قوة الأحداث  وغزارتها غطّت فيها أصوات الدمار والتقتيل والتهجير والتنكيل على تبني موقف قد يُقدّر من زاوية ما أنه يمكن التعامل معه مستقبلا بمنطق الأخوة الدينية والمذهبية؟

– هل الأصوات التي هدرت أثناء الأعاصير أدركها الوهن ، فما عادت تقوى على الإسماع ؟

-هل طغت مراعاة وتقديرات من نوع ما على خطورة الخطوة التي صارت ناضجة للتمثل ، فحالت دون أن يطفو على ساحة الشعور الموقف المنتظر من هذه الجهات والهيئات والرموز؟

– هل مراعاة مواقف سياسية رسمية أو حتى غير رسمية لكنها مؤثرة بقدر ما من التأثير ، أخجلت الوجوه، فتوارت عن الظهور في ساحة التفاعل مع الحدث الجلل ؟

-هل أملى فقه الأولويات –مثلا- إصدار التصريحات والبيانات في قضية أقلية مسلمة مضطهدة كالروهينجا ، وترك المجال للسياسيين وإعلاميين ، وقوى سياسية أخرى تتولى الخوض في الملف ؟

قد تكون هذه الاحتمالات مجتمعة أو مفرقة بين مختلف المكونات الإسلامية المقصودة في مقالنا كفيلة بتقديم ما يكشف عن إجابة أو أكثر عن الموقف المحيّر بالفعل .

لكن علينا أن نخرج من المقال بملاحظات هي :

  • أن خطوة الانفصال الكردي عن الجسم العراقي إذا تحققت لا تقل خطورة في مداها السياسي والاقتصادي والجغرافي عن إعلان دولة للكيان الصهيوني . وسيصبح وضع المنطقة ومستقبلها رهينا لكيانين يجمع بينهما : السمة العنصرية العرقية ، وخدمة الإمبريالية والاستعمار الغربي ، بما يضمن عقودا مديدة من الهيمنة على المنطقة العربية .

ـ   أن تعامل الهيئات والرموز الإسلامية مع قضايا الأمة الخطيرة والمصيرية الكبرى بمعايير مزدوجة ، نتيجة تأثر بولاءات سياسية أو حزبية ، أو مصالح دول وسياسيات ما ، فتبالغ في مراعاتها ، سيزيد في انحسار مكانتها الشعبية .

ـ  أن الأحداث الكارثية المتتالية آخذة في الكشف عن براعة استخدام الإسلام والمسلمين وقضاياهم ودمائهم بما يحقق أهدافا منها :

– الإمعان في التدمير الذاتي

– مزيد من تمكين مشاريع العولمة المتوحشة في الجغرافيا العربية والإسلامية .

-استخدام قضايا ومآسي عربية وإسلامية في صراع نفوذ الأقطاب  العالمية الكبرى

-أن على الأجيال الصاعدة من الشباب أن تخط لنفسها مسالك تتيح فيها مساحة واسعة للاسقلال عن الأنظمة والأحزاب في بناء منظمات وهيئات مجتمع مدني وثقافي ودعوي ، يفكر ويخطط ويعمل بروح وعاء الأمة الواسع .

 

 

 

متعلقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى