أعمدة الرأي

نعي وظيفي !!

نشر عدد من صحفنا يوم الإثنين 1\10\2018 نعي أحد علماء السعودية هو سعيد بن وهف رحمه الله وغفر لنا وله ولسائر المسلمين . لكن اللافت للنظر حرص أغلب صحفنا على نشر الخبر؛ كأنما الشيخ  مرجعية يُتأسى بها في بلدنا ؟  وبناء على هذا التنويه اللافت للنظر في صحف عديدة أودّ تسجيل ملاحظات في هذا المقام   :

1-  ما الذي تميز به نشر  النعي في صحافتنا في مواقعها الإلكترونية  من الناحية الإعلامية ؟ يمكن ملاحظة الاتي : (الحيز البارز – المصدر الموحد للخبر- الصورة البارزة للشيخ ) ، أي أنه أحد مقامات العلم والاجتهاد في المملكة .

2-  الفقيد أحد شيوخ المذهب الحنبلي في طبعته الوهابية ، ومقامه العلمي في هذا المذهب لا يرقى لمنزلة كبار علماء المملكة ، بل هو أحد رواة علم الشيخ بن باز. ومردد لفتاوى وأراء علماء المملكة المعروفة للجميع .

3-  الصيغة الإعلامي لنعي الشيخ ربطت عطاءه ونفعه بـ(حصن المسلم)، وهو في الحقيقة ليس بذاك الإبداع المتفرد، بل ما احتواه من أذكار يمكن للمسلم الوقوف على أمثالها كثير وفي أعلاها منزلة الأذكار النووية. لكن الدلالة الإيحائية للخبر المنقول عن وكالة الأنباء السعودية على الأرجح؛ بسط مهاد القبول للمنهج الذي يمثله في الأوساط المذهبية المختلفة .

4-  الشيخ لا يختلف في شيء عن التوجه السلفي الوهابي الذي يقصر مفهوم أهل السنة على السلفيين بالمفهوم الحنبلي المتأخر الذي ظهر في القرن السادس الهجري، فيخرج المخالفين لهم ومنهم الأشاعرة ،  أنظر كتابه\مقالات  ص.6-28) . وهنا يتأكد لدينا أن الضجة التي أثارها مقال الشيخ فركوس ليست حكرا على المدخلية ، بل عقيدة التوجه السلفي الوهابي، الذي لطالما أحدث أزمات سياسية عميقة بين السعودية مثلا وسلطنة عمان. نتيجة فتاوى وأراء الشيخ  ابن باز. إذن فكأن هذا التوسع بالتنويه بالنعي نوع من الاعتذار عن رد الفعل الذي أثارته مقالة وأراء الشيخ  فركوس ؟!

5-  أنه من علماء السلطان والتبرير لقراراتهم مهما يكن إجحافها و ضررها بيّنا لمطلق  العقل فضلا عن محكمات الشرع ومقاصده العظمى، مثال هذا مقاله (نقص الرواتب والبدل والعلاوات ) \المقالات ص196- 201

6-  الذي تمحّل فيه إخراج المبررات والأعذار لقرار وليّ أمره الشهير،  ويوصي بوجوب الطاعة مهما يكن الحرج الذي لحق الناس، وفي المقابل الدعاء لولاة الأمور ، كأنما الله تعالى خلقهم ليجوروا ويعبثوا  في أموال الأمة، والرعية لتصبر وتحتسب !!  وهذا الفكر قصير النظر؛ فالذي ضيق على الرعية بهذا القرار ، يشترى القصور  واليخوت واللوحات الزيتية ويفتح الخزائن لترامب دون حدود ،وسيول الدعاء له منهمرة لا تنقطع !

7-  ثم هل سمعنا له ولأشياعه ركزا ووليُّ أمره يزج بالعلماء والدعاة في السجون ويحاكمون محاكمات سرية ؟! وبالمناسبة نسأل أصحاب هذا الفكر والاتجاه: هل كان الإمام مالك وهو يعارض أبا جعفر المنصور و يدعو لنصرة محمد ذي النفس الزكية مارقا عن نصوص الشرع ؟ وهل الإمام أبي حنيفة  _ وإن كان يعدّ لديهم خفيف الوزن ضعيف الصلة بالسنة_ مارقا عن الشرع إذ عارض بصلابة حكم العباسيين لجورهم وظلمهم، وأبي تولي منصب قاضى القضاة لهم، حتى مات في السجن وربما سمّه المنصور كما تذهب بعض الروايات ؟

8-  أمّا فتاواه المنقولة  عن شيوخه؛ إذ لم يكن مجتهدا ضليعا، حول مسائل منها (حكم تارك الصلاة) و(الاحتفال بالمولد النبوي الشريف) وغيرها، فلا نريد الوقوف عندها ، إلا أنه يجب التنويه أنها أحدثت في المجتمعات الإسلامية شروخا عميقة، زعزعت التجانس المذهبي الذي أجمعت عليه الأمة منذ نحو أربعة عشرة قرنا، وفرشت لأرض التكفير سبلا؟ وقد بذلت في ذلك الأموال  الطائلة لنشر هذه الأراء العقدية الفقهية في كل الأصقاع غير آبهة بمخاطرها على التماسك الاجتماعي، بل هي منهج لم يكن يراد به سوى التمكين لولاة أمور ابن وهف وعلمائه في العالم الإسلامي وإنشاء ما سميته (جغرافيا دعوية)، للتمكين السياسي تحصد الأمة زرعها المر الدامي. ولا نحب هنا إثارة المواجع بالدور الذي لعبه هذا الفكر ومن وراءه وعلى ألسنة كبار علمائه في مأساتنا الوطنية، ولوحظ أيضا في فتنة غرداية!!

9-  إذن على وسائل إعلامنا ألا تتحوّل لمعبر مُمهدّ لإكساب هذا التوجه مزيدا التمكن والشرعية، وإن كان مجرّد خبر نعي ، والبلاد تصطلي بالشروخ العقدية والفقهية .  كما امتدت هذه الشروخ للجوانب الاجتماعية بل قل العائلية حين تطلب لها فتاوى ممن ينتسبون إليه وقد صاروا مرجعية شعبية واسعة الحضور عميقة الأثر ؛ لقد دلّت وقائع كثيرة على خراب بيوت  وتشريد أسر وأطفال، لا لشيء إلا أن مستقى  الفتوى والرأي والمعتقد هو النسخة الحنبلية السلفية الوهابية.

متعلقات

‫2 تعليقات

    1. الله يسترنا ويستركم خويا ويبقى الستر على امة محمد، وينقذها من العفس والعفيس .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى