أخبار هامة

سعد بوعقبة في حوار لـ”سبق برس”: ليس من مصلحة ربراب مساومتي

رغم أنه يتفادى دوما إجراء مقابلات أو حوارات لصالح وسائل الإعلام، إلا أن أشهر كاتب للعمود في الجزائر، سعد بوعقبة، قبِل أن يطل من موقع سبق برس ليخاطب مالك مؤسسة الخبر الجديد، ويكشف ضغوطات يتلقاها من مؤسسات أجنبية، كما يجيب بوعقبة بصراحة في هذا الحوار الحصري على جملة من الأسئلة الأخرى.

انتقلت مؤخرا ملكية مؤسسة الخبر إلى رجل الأعمال يسعد ربراب، كيف يتعامل بوعقبة مع الوضع الجديد وأنت المعروف بانتقاد هيمنة رجال المال على الساحة ؟

لا أعتقد أن من صالح المالك الجديد لمؤسسة الخبر المساس بحريتي لأن حريتي غير قابلة للمساومة لا من السلطة و لا من طرف المال الخاص الوطني و الدولي، وحقيقة أنا عندي مشاكل مع السلطة فيما يخص منسوب الحرية الذي أفرضه على نفسي لكن أيضا تعرضت إلى قمع من المال الخاص الأجنبي أكثر مما تعرضت للقمع من المال الخاص الوطني.

من تقصد بالضبط بالمال الخاص الأجنبي ؟

هناك شركات أجنبية للهاتف النقال ناشطة بالجزائر، حيث قامت بمحاولات توقيفي عن الكتابة عدة مرات في جريدة إشتغلت فيها سابقا وتحاول أيضا اليوم مع الخبر، وهذا مال خاص أجنبي يتدخل في الشأن السياسي الإعلامي الداخلي وهي مشكلة كبيرة تتجاوز أخلاق السياسة في البلاد، فالمفروض أن السلطة في الجزائر تمنع مثل هذه الممارسات.

رفعت من سقف الإنتقادات للسلطة في الأسابيع الأخيرة هل اخترت أن تصطف مع جهة معينة على حساب جهة أخرى ؟ 

لا أبدا، أنا لست في صف أي جهة، كل ما في الأمر أن وضع البلاد هو الذي ازداد سوء وليس نبرة حريتي أو نبرة الإنتقاد للأشخاص التي اشتدت حدته، وما أكتبه هو انعكاس لواقع ما وصلت إليه البلاد و ليس اصطفاف مع أي كان.

وبالمناسبة حكاية تبعيتي لجهة معينة، فإني فعلا تمنيت أن يكون في السلطة شخص أكون تابع إليه ولكن لا يوجد حتى الآن أحد في السلطة بمختلف تشكيلاتها يملأ عيني وأقبل أن أكون تابعا إليه فما بالك أن أخدمه بما أكتب.

إن كنت لست في صف أي أحد ما مبرر مشاركتك في اجتماعات داخلية لرموز المعارضة ؟

أنا أدعم فكرة التغيير في البلاد… فكرة إرساء الديمقراطية وإعطاء الكلمة للشعب  ومادامت المعارضة تقوم بالحد الأدنى من المعارضة لا أرى مانعا دعمها، لكن في نفس الوقت أعيب عليها عدم التطرق إلى المسائل الأساسية في معارضة الحكم.

بالمقابل، أنا لا أرى جدية في معارضة تطلب رخصة من حكم غير شرعي لكي يعطيها رخصة شرعية لتنظيم اجتماع لتنحية تلك الشرعية من نفس النظام.

تتمسك دائما بعبارة الجزائر تتجه للهاوية، أليست هذه نظرة سوداوية ؟

حقيقة الصورة السوداوية التي يقولون إنني أمارسها يوميا لا تساوي شيئا أمام الواقع، فالواقع الحقيقي أكثر سوداوية. أضرب لكم مثالا.. في العشرية السوداء أنا كنت في الجزائر ولم أغادر بيتي رغم أنه كان ممكن أن أقتل في أي لحظة، لكن لم أحس أن الخطر على البلاد كان بحجم خطر اليوم… في التسعينات كان الدم و الدمار من أجل السلطة، من أجل من يحكم في البلاد  وكانت معركة سياسية دموية  من أجل السلطة بين العسكر والإسلاميين والديمقراطيين و لكنها كانت معركة من أجل الجزائر كلها من تمنراست إلى الجزائر و من مغنية إلى أم الطبول.

لكن اليوم لما نر السحب الملبدة لتقسيم البلاد مثل “الماك” و ما يطرحه نعرف أن الخطر أكبر من العشرية الدموية ويتعلق بتقسيم البلد، الصراع المسلح على كرسي البلد الواحد أفضل من القناعات التي مفادها تقسيم الجزائر، والخطر يكمن في احتمال ظهور حركات انفصالية أخرى في مناطق البلاد و الأخطر من كل هذا أن فكرة تقسيم الجزائر لم تعد من الطابوهات.

راسلت الرئيس الراحل علي كافي بعد إدخالك السجن، فهل ستستنجد بالرئيس بوتفليقة لو تكرر ذلك ؟

في الحقيقة أنا كتبت مقالا في صحيفة الشروق في ذلك الوقت وتمت متابعتي قضائيا و حكم علي بأربع أشهر حبس نافذ. في اليوم التاسع من سجني قتل بوضياف و عين علي كافي خلفا له أحسست أنه يمكن أن ينسوا قضيتنا فكتبت عن طريق محامي رسالة لعلي كافي فيها جملة واحدة. “أنا في السجن و أنت في الحكم”.المرحوم إتخذ الإجراءات اللازمة و اتصل بجهة لا أعرفها في الحكم لمحاكمتنا مجددا و تم تبرئتنا.

فيما يخص الشق الثاني من السؤال نعم سأكتب رسالة لبوتفليقة لإطلاق سراحي في حالة سجني لأنه هو من قال لي أكتب ما شئت ما دمت في الحكم.

لطالما طالبت بالتداول السلمي على السلطة متى يأتي وقت التداول على القلم و تترك مساحة عمودك للشباب؟

أنا الآن متقاعد و أمارس المهنة حرا من أي التزام. عمليا و إداريا أنا متقاعد و لكن لا أعتقد أن بعض المهن مثل الصحافة فيها فكرة التقاعد، وبصراحة أنا لما تقاعدت أحس بأني أكتب بحرية أكثر وفكرة التوقف عن الكتابة بالنسبة لي ليست واردة. وسأجمع بعض الكتابات وأدعمها بالهوامش و أكتبها على شكل شبه سيرة ذاتية تنشر في كتاب.

ما هو تقييمك لقطاع السمعي البصري في الجزائر ولماذا لم تغادر الصحافة المكتوبة للالتحاق بقناة تلفزيونية ؟

لا أعتقد أن  تواجدي مفيدا في صحافة السمعي البصري وزيادة على ذلك أنا لا أؤمن بوجود صحافة السمعي البصري في الجزائر أصلا من الناحية الشرعية، ولا أريد أن أشتعل في مؤسسات “طرباندو إعلامي”.

لقد قدمت لي مؤسسات تلفزيونية خليجية إقتراحات لألتحق بها و رفضت لأنني لا أرى نفسي خارج الجزائر، كما أني قاطعت التلفزيون العمومي الجزائري لأنه غير مهني،  ومنذ سنة 1990 أرفض دعوات التلفزيون الجزائري لأنه يمارس المقص و ليس الحرية. حتى القنوات الخاصة الجديدة التي هي ليست قنوات و إنما مؤسسات طراباندو أنشأتها الدولة خارج القانون ويديرها عائلات لديهم اتصالات مع السلطة و يقومون بعمليات مشبوهة بتحويل المال العام باسم الإشهار و الدولة…في النهاية هي مؤسسات مرتبطة بالمال الفاسد والسلطة الفاسدة ولا علاقة لها بالإعلام.

وأكرر لك أنني لن أظهر في أي قناة لا عامة و لا خاصة في انتظار تطبيق قانون السمعي البصري، وعندما تصبح تلك المؤسسات شرعية و قانونية ممكن أن أغير موقفي.

تصنف “كاي بي سي” التابعة لمجمع الخبر في نفس الخانة ؟

نعم مثلها مثل القنوات الأخريات و كنت أقول لهم إياكم فتح قناة ليس لديها الأساس الشرعي، وقد أثبتت الأيام صحة كلامي والدليل على ذلك عدم  نجاح القناة، بالمقابل فإن الإعلام المكتوب مبني على قانون شرعي رغم عيوبه و هذا ساهم في نجاحه.

المشكل إذن في القنوات الخاصة و ليس في سعد بوعقبة ؟

نعم. أعتقد أن المشكلة ليست في سعد بوعقبة و إنما في قطاع السمعي البصري، و أنا لا أريد أن أظهر في مؤسسات ليس لها الحق في البث المباشر.. لا أريد الظهور في قنوات تسجل وتحذف مقاطع و يقدمونها لمسؤول في الرئاسة أو الأمن ليقرر ما يبث و ما لا يبث… هذه ليست حرية و لن أقبل بأن أسجل مع هذه القنوات.

ماذا عن تجربة الصحافة الإلكترونية في الجزائر ؟

بصراحة ..أنا ليست لدي علاقة بالصحافة الإلكترونية و لكن أطالعها و أعتقد أنها أكثر حيوية من الصحافة المكتوبة، هي لديها هامش حرية أعلى و هامش سرعة أكبر. سرعة التدفق و سهولة وصول المعلومة تجعل الصحافة الإلكترونية واعدة و لديها مستقبل.

هناك تعاليق تعقيبا على عمودك اليومي تتهمك بغض البصر على مواضيع معينة خدمة لمصالح شخصية، ما هو تعقيبك ؟

من يسوق لهذه الفكرة هو من يتخندق مع جهة معينة. لما أنتقد جهة يقولون لماذا تسكت على الآخرين. بالنسبة لي حقل الرمي عبارة عن مسائل وطنية ومتعلقة بحرية و عزة البلاد والمواطن ومحاربة الفساد. كل من يدور في حقل الرمي هذا أهاجمه سواء كان من أقصى اليمين أو من أقصى اليسار.. قالوا أنني أعمل لصالح الدياراس بعد ذلك اتضح أنهم هم من أدخلوني السجن، قالوا أيضا أني أعمل لصالح مساعدية و مات، لمهري و مات، للجنرال توفيق و ذهب توفيق و قالوا تابع لبوتفليقة و أنتم ترون مقالاتي اليوم ضده، أنا قلت لكم أنه لا يوجد أحد في السلطة يملأ لي عيني.

على ذكر الدياراس، ما رأيك للاتهامات التي توجه لهذا الجهاز من طرف جهات في السلطة ؟

في مرحلة الثورة جهاز الأمن كان عين الثورة وساهم في صيانة الثورة وهو مشكور على ذلك، في عهد بومدين جهاز المخابرات كانوا يسمونه جهاز الملائكة حيث كان يقدم معلومات حقيقية للرئيس والرئيس هو من يقرر وليس المخابرات. الإنحرافات التي وقعت بدأت في عهد الرئيس  الشادلي بعد أن ضعفت مؤسسة الرئاسة في عهده و أصبح جهاز المخابرات يتخذ القرارات و ليست السلطة السياسية. وتعاظمت هذه الانحرافات لما الرئاسة في عهد المجلس الأعلى للرئاسة و ما تبعها أصبحت لا تعطى لها المعلومات و الدياراس هو من كان يقرر.

أيضا نتيجة التلوث بالفساد في السنوات الأخيرة حيث بعض عناصر المخابرات تورط  في الفساد مما أفقد الجهاز مصداقيته في نظر الشعب. و بالتالي إستعمال المعلومات لاتخاذ القرار و ليس لإبلاغ الحاكم من أجل أن يتخذ هو القرار وكذلك الفساد في مؤسسة المخابرات أدى إلى فقدان الثقة بين الأاخيرة وعدد الجزائريين.

من المفروض بوتفليقة أنهى هذه الممارسات في الجهاز…هل مازال الدياراس يقرر اليوم ؟

بوتفليقة أنهى مهام أشخاص وليس الجهاز. الجهاز مازال يجمع المعلومات و لكنه لا يقرر. بالمقابل الجهة التي تقرر أصبحت كذلك أضعف من الجهة التي أنهيت مهامها. وبالتالي نحن نعيش حالة فراغ في مؤسسات الدولة و ليس فقط في مؤسسة الرئاسة فقط.. وهذه خطورة كبيرة على البلاد.

أخيرا …كيف ترى مستقبل الجزائر ؟

الجزائر لما تشتد المحن عليها كانت دائما تخرج بخرجات لا يتوقعها أحد. في الخمسينات لما إنتهت الحركة الوطنية إلى طريق مسدود و أصبح المناضلون يتعاركون بالعصي في الشوارع آنذاك عم يأس عام و حتى فرنسا الاستعمارية اعتقدت أن الجزائر أصبحت فرنسية إلى الأبد فخرج المارد من قلب الرماد و صنع معجزة الاستقلال. هذا الأمل نحس بأنه موجود و لكن بالنظر لحجم الأخطار الموجودة أعتقد أن هذا الأمل ضعيف اليوم رغم أن ثقتنا في شعبنا و في العقل الجمعي للجزائريين كبيرا.

حاوره: عماد بوبكري

متعلقات

زر الذهاب إلى الأعلى