ثقافةحواراتريبورتاج

واسيني الأعرج: لو كنت وزيرا لاستقلت ومحاكم التفتيش ستهدم الثقافة

يؤكد الروائي واسيني الأعرج أن قطاع الثقافة في الجزائر، يعيش أزمة كبيرة، إذ ينخره الفساد وسوء التسيير وتبذير المال العام.

ويبدي الأعرج الذي أعلن مؤخرا مقاطعة صالون الكتاب بعدم نشر رواية الأمير فيه، في حوار مع “سبق برس”، استياءه الشديد من وزير الثقافة،  عزالدين ميهوبي، الذي انتقص حسبه من قدر قامات كبيرة في مجال صناعة السينما في تصريحه المتعلق بفيلم الأمير عبد القادر.

 كما علق صاحب رواية، أصابع لوليتا، عن حظر فيلم “العربي بن مهيدي” من العرض، بالقول إن ممارسة أسلوب محاكم التفتيش لن يسهم في تطور الثقافة، بل سيهدمها.

كما يعرج واسيني الأعرج للحديث عن الواقع السياسي في الجزائر الذي يصفه بالمهلهل ويخيفه  من وقوع الجزائر، مؤكدا أنه  لا يجب تجاوز تهديدات حفتر، لأنها رسالة مشفرة عن الخطر المحدق بنا.

نص الحوار:

بداية، كتابة الرواية التاريخية مأمورية صعبة، لكنك تصر على خوض غمار تجربة كتابتها، كيف تنجح في فعلها ؟

صحيح ما تقولين، كتابة الرواية التاريخية صعبة جدا، كونها تستنزف جهدا كبيرا من ناحية البحث والتدقيق، إن التعامل مع التاريخ مسؤولية كبيرة على اعتبار أنه مادة معروفة ولا يمكن التغيير فيها كما شئنا، هذه الكتابة تعتمد أولا على إمكانية الوصول إلى المعلومة بدقة، وثانيا على أي مدى تكون لدينا الجرأة على التعامل معها وطرحها في قالب فني ونظرة خاصة، على اعتبار أن الكاتب لا ينتج التاريخ، بل هو يعمل عليه كما هو موجود.

صراحة أرى أن الرواية التاريخية فن فيه الكثير من المجازفة، كونك تقتل نفسك وتجهدها كثيرا، وفي الأخير قد لا يكون للرواية الصدى الذي تريده، لكني من عشاق هذا الفن الذي تمكنت أن أرى شغف قرائي به، إذ لاقت الكثير من رواياتي إقبالا شديدا عليها، كرواية الأمير 1، البيت الأندلسي، على سبيل الذكر لا الحصر.

بذكر رواية “الأمير”، أعلنت إصدارك للجزء الثاني منها في لبنان بدل الجزائر، احتجاجا على ما تسميه بالفساد الثقافي.. من المقصود بذلك؟

الفساد الثقافي يتجسد حين ننتج أعمالا سينمائية بالمليارات، والكثير منها لا يجد طريقه للعرض ولا يدخل لقاعات العروض إما لتطبيق سياسة محاكم التفتيش، أو أن يتم عرضها بطريقة محتشمة فتكتفي بالعرض الشرفي ولا تصل للجمهور، أقف مذهولا أمام مشهد كهذا، تصرف فيه الأموال الطائلة، ويتعب الكثيرون المنتج ، المخرج، والممثلين، ثم لا يعرض الفيلم في الأخير، حقا هي خسارة فادحة وغير مقبولة!.

بالحديث عن رواية الأمير، وعلاقة ذلك بما نشاهده من فساد ثقافي، لقد تحدث وزير الثقافة، عزالدين ميهوبي، عن التفكير في إنتاج فيلم حول “الأمير عبد القادر” باعتباره رمزا ثوريا، وبطلا من أبطال المقاومة، وهذا حق وزارة الثقافة التي كثيرا ما تحب إنتاج أفلام ذات طابع تاريخي، لكن أن يخرج الوزير ويصرح أنه ينظر في أمر السيناريو، ولا يوجد سيناريو لائق بمستوى الأمير فهذا أمر غير مقبول تماما.

عفوا، سيدي الوزير!، هناك سيناريو في المستوى، لقد قدمنا مشروعا حول كتاب الأمير منذ سنوات، ووصل للرئاسة مع رئيس الحكومة الأسبق، عبد العزيز بلخادم، وبدأ التفكير في إنتاج سيناريو محكم ، وأسندت المهمة لسيناريست ايطالي اشتغل رفقة كبار السينمائيين الإيطاليين، لذلك دعنا لا  نتحدث عن عدم وجود سيناريو لا يرقى للمستوى، ماذا نسمي السيناريو الذي قدمه بوعلام بسايح السيناريست الكبير، وماذا نسمي سيناريو  النسر الأبيض الذي قدمه المخرج العظيم لخضر حمينة؟!، من العيب أن نقزم هؤلاء الكبار وننكر انجازهم لنختبئ وراء حجة عدم وجود ما يرقى للمستوى، وكل هؤلاء العظماء قدموا مقترحات.

هل المقاطعة حل برأيك ؟

المقاطعة رد فعل احتجاجي رمزي، فضلت ألا أقدم عملي في معرض الكتاب بالجزائر شهر أكتوبر المقبل، في الحقيقة، لم أكن أظن أنه سيكون للأمر صدى كبيرا، ولكن يبدو أن الكثيرين قد اهتموا به، من الطبيعي أن أقدم على خطوة كهذه، ولن أتراجع عنها، وقد فاجئني الوزير بتصريح ينتقص فيه من  شأن قامات كبيرة، الأمر غامض بشكل مريب وبحاجة لتوضيح ، حتى لا أقول أن هناك تلاعبات.

ألا ترى أن الكتابة التاريخية في الجزائر صارت تصنع الكثير من الجدل، ومن الممنوع أن يقال كل ما حدث في التاريخ ؟

لا يجب أن نتبع آراء المراقبين، كثيرا ما أقول للكتاب الشباب، أكتبوا ما شئتم، لكن كونوا مسؤولين وعلى قدر كبير من القوة للدفاع على ما تكتبونه، فالكاتب الحقيقي هو من ينجح في تخطي العقبات، مثلا بالنسبة لي استغرقت 6 سنوات في كتاب “الأمير” سنوات قضيتها في البحث والاطلاع على مصادر عربية وفرنسية وانجليزية، وغيرها من المصادر الأجنبية، اكتشفت خلالها أن الأمير شخص يخطئ ويصيب، كان عظيما لإيمانه بقضية التحرير، من يريد نقاشي في أي شيء كتبته عنه، أنا موجود للدفاع على كل حرف كتبته، ولست ممن يملى عليهم ما يكتبونه لأني لن أدخل أي شيء يريدونه هم.

حفيدة الأمير عبد القادر “الأميرة بديعة” تتهمك بالإساءة لجدها في رواية الأمير في جزئها الأول ؟

هي تقول أن الأمير لم يكتب كتاب “المواقف”، الحقيقة هي أنه هو صاحب الكتاب ، ونقله الكتبة عن خطبه في المساجد، كما أنها تقول أنه لم يكن صوفيًا ولكن تم إعطاؤه هذه الصفة، بلى الأمير كان صوفيا والكل يعرف عن صداقته بالصوفيين، والأدلة التاريخية على ذلك كثيرة.

 بالحديث عن السينما، هل نعيش في زمن تكتب فيه سينما الثورة على مقاييس الأشخاص ؟

هذا مؤكد، صناعة السينما الثورية فيها الكثير من المشاكل عندنا، لن تتطور الثقافة وهي تكتب على مقاييس الأشخاص ويملى على الكُتاب ما يقولونه، نلاحظ مثلا فيلم “العربي بن مهيدي” وما يحدث مع مخرجه (يقصد بشير درايس)، حقيقة ما وقع له قلة احترام كبيرة، لقد تابعت قصة منع فيلمه من العرض حسب ما علمته عنه، فهو مخرج متمكن إلى حد بعيد وشخص عاقل، ليس  له سجل تاريخي في مسيرته ما يثير الريبة والشك، يجب أن ندرك أن الخلافات خلال الثورة حقيقة موجودة ولا يجب نكرانها، لذلك فالمطلوب هو السماح لهذه الأعمال برؤية النور ثم نقيمها، لا يمكن أن نقول أن بن  بلة مثلا  لم يختلف مع العربي بن مهيدي تحديا للتاريخ، وهناك أدلة، وكذلك لا يمكن أن لا نعترف بأن عبان رمضان قد قتل،  لا يجب مغالطة الحقائق، نحن لا نحاسب رموز الثورة لأن هناك ظروفا معينة جاءت وفقها الأحداث، بل يجب أن نطرح الأعمال ثم نتناقش.

وأضيف أن المخرجين ليسوا كتبة تاريخ، بل هم ينجزون أفلاما روائية، لأننا حين نريد كتابة التاريخ لا نستند لفيلم بل سنعتمد على مواد تاريخية، ليس من حق وزارة المجاهدين التي دفعت نسبة 20 بالمئة  فقط من ميزانية  صناعة الفيلم أن تحظره بهذه الطريقة، إنها عقلية تسيير  تدل على أننا نعيش في زمن الرقابة ومحاكم التفتيش، ما هذا؟  هم يحتجون، الوزير يحتج، الكل يحتج! هناك الكثير من القطاعات التي تسيرونها مدمرة بشكل كلي، اذهبوا للعمل عليها، أليس ذلك أفضل لكم من ممارسة الرقابة على المبدعين وإحباطهم.

هذا يعني أن  الوزير لم يكن مسؤولا بما يكفي ليدفع عن قطاعه الصراعات؟

في جميع دول العالم كل مسؤول  يعين في منصب ما ، تجده يقيم مشكلات قطاعه ويحسنها، وأؤكد أن قطاع الثقافة يعتبر قطاعا حيويا جدا ومهم للغاية، إلا عندنا في الجزائر فإنه ليس له أهمية تذكر، حين نقيم.. هل المسرح رصدت له الميزانية الكافية حقا؟ هل صناعة الكتاب يهتمون بها بالشكل الذي يجب؟ و قس على ذلك، ما نشاهده كوارث، لقد ألغيت الكثير من الأنشطة والملتقيات في عهد الوزير الحالي.

في أي دولة بالعالم المسؤول عن أي قطاع من القطاعات تجده يضرب بيد من حديد على الطاولة، حتى ينتزع حق قطاعه ويسيره بالشكل الذي ينبغي، المفترض أن لا نتحدث عن تقليص الميزانية في القطاع الثقافي، لأن المسؤول الحقيقي إذا لم ينجح في الحفاظ عليها كما هي  فعلى الأقل يجب أن       لا يسمح بالتخفيض منها، صراحة، لو كنت وزيرا لما رضيت بذلك، ويستحيل أن أعمل في ظل وضع مترد كهذا، بل سأستقيل، لأن الحكومة إذا لا تفهم أن الثقافة قطاع استراتيجي، لماذا تضعها إذا؟ فليتم الاستغناء عنها وينتهي الأمر!.

في مقالك االأخير بعنوان “الجزائر في ظل الفوضى الخلاقة” نجدك تروج لنظرية المؤامرة والمكيدة، لماذا نلقي بمشكلة صراعاتنا العربية- العربية على الآخر ؟

أخاف على وطني كثيرا، كنت أتحدث على قضية حفتر وتهديده للجزائر، أدرك جيدا أن لنا جيشا قويا  وتهديده قد لا يكون له معنى، لكن حين نبحث في السبب الذي جعله يقول ذلك.. لماذا هدد حفتر الجزائر؟ ولماذا تراجع بعدها؟ لا يجب أن ننظر للأمر بطريقة سطحية، خصوصا وأننا البلد الذي يكاد يكون وحيدا في المنطقة الذي نجا من الحرب، فهذا يجعل الأعين علينا، ففي الوقت الذي دمرت فيه الكثير من الدول هناك من لا يعجبه حالة الأمن التي نعيشها، لذلك نظرية المؤامرة صحيحة والعالم يسير بقوىً خفية تحرك الأحداث، هناك من هم وراء حفتر، قد لا يكون هو قويا، لكنهم هم أقوياء ، وهنا منبع خوفي.

العشرية السوداء ألم تُطَعِم الجزائريين بالشكل الكافي ؟

لقد حدث ذلك الأمر منذ وقت طويل، هناك جيل لم يعش تلك الفترة، الوضع حاليا معقد جدا، والتغييرات التي نشهدها  حسابية وسياسوية، أرى أن المؤسسة العسكرية يجب أن تتهيأ لكل الظروف، وأن تحظى بإمكانيات جديدة لأن الوضع المناخي لا يبشر بالخير، خصوصا إذا الوضع الداخلي يعيش حالة من الفوضى ومهلهل، فمن السهل خلق الصراعات .

نحن نعيش في عالم يدمر فيه الضعفاء والبقاء للأقوى، هناك قرارات أن يبقى الضعفاء متخلفين ويعيشون حالة من الحروب الأهلية، لا يجب نكران أننا أمام صراعات فردية وذاتية، وفي ظل عدم وجود مشروع ثقافي حقيقي وفعال فسينجحون، لذلك نحن بحاجة لجهد ثقافي أكثر قوة في ظل هذا الواقع المفتوح على جميع الاحتمالات.

أخيرا.. ما هي رؤيتك الاستشرافية لقطاع الثقافة في الجزائر؟

هو قطاع حيوي ينخره الفساد، لن يتخطى ذلك إلا إذا آمنا أن البلد فيه طاقات خلاقة، وتم إشراك جميع المبدعين في دفع الثقافة قدما نحو الأمام، يجب أن نشجع حركية إنتاج الكتب، بشكل أكثر مما هي عليه، علينا تشجيع الترجمة ودعم صناعة السينما، والتوقف عن ممارسة الرقابة المريضة، علينا أن نهتم بالمسرح أكثر ، عدا ذلك لن ننجح في تحسين الوضع.

حاورته: حنان مهدي

متعلقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى