أعمدة الرأي

رهانات تحرش النظام المغربي بالجزائر

  لاحظ الجميع منذ فترة تحرش النظام المغربي بالجزائر، وكان آخرها هو إتهامها الجزائر بأنها سمحت لحزب الله بتدريب قوات للبوليزاريو، مما أعطى للمغرب ذريعة بقطع علاقاتها مع إيران.

  لكن رغم كل هذه التحرشات المغربية، تجد عندنا للأسف من يروج بأنها  كلها تلاعبات من النظام الجزائري بخلق عدو خارجي لتمرير العهدة الخامسة أو بهدف إستمراراية النظام، فليع هؤلاء بأنه سواء كان هذا النظام أو نظاما آخر، فسنجد نفس التحرشات المغربية بالجزائر، فما يروجه هؤلاء ليس صحيح، فلنعي بأن الجزائر مهددة فعلا في أمنها الإستراتيجي ليس بعدوان مغربي مسلح عليها كما يعتقد البعض، بل بمناورات مغربية تهدد أمنها مستقبلا، كما أن المغرب مدعوم في مناوراته بدول خليجية وغربية، وإلا كيف نفسر تزويد فرنسا للمغرب بقمر إصطناعي تجسسي موجه إلى الآراضي الجزائرية، ويراقب مساحة 600ألف كيلومتر مربع منها، وهي مستعدة لتزويده في الأيام القادمة بجهاز من نفس النوع؟، فنحن سنقول لهؤلاء المشككين بأن الجزائر لم تكن هي المتحرشة بالمغرب، بل كل التحرشات أتت من النظام المغربي، فالجزائر أكتفت بالرد الدبلومسي اللين في أقصى الأحوال، فحتى بعد إتهامها المضحك الأخير حول تدريب حزب الله لقوات من البوليزاريو لم تسع الجزائر لتصعيد القضية، وأكتفت بإستدعاء السفير المغربي وإستقباله من أمين عام وزارة الخارجية فقط للإستفسار، وهو مايعني رغبة الجزائر في تهدئة الوضع وعدم السماح بأي تصعيد في علاقاتها مع المغرب، وهو ما ينفي طرح هؤلاء الذين يفسرون كل شيء بمناورات النظام للبقاء في السلطة والإستمرارية فيها، وهو ما يتطلب منا توضيح التهديدات الأمنية المحيطة بالجزائر فعلا، بل أمن المنطقة كلها، وهذا ليس معناه دعم للنظام أو لا، فيجب أن نعي متطلبات أمننا الإستراتيجي بغض النظر عن معارضتنا للنظام أم لا، فالنظام شيء والدولة الجزائرية وأمنها ووحدتها شيء آخر، فلنعلم أنه حتى ولو كان نظاما آخر، يضم هؤلاء المعارضين وأصحاب هذا الطرح المشكك في التحذيرات الجزائرية، فالمغرب ستتحرش بالجزائر إلا في حالة خيانة هؤلاء للمصالح الإستراتيجية العليا للجزائر.

   إن موقف هؤلاء المشككين ينم عن جهل تام بالإستراتيجيات وأبسط مباديء السياسة الدولية، فليعلم هؤلاء بأن داعش  التي تلقت ضربات في كل من سوريا والعراق هي بصدد الإنتقال إلى الساحل وتجميع قواتها هناك، ثم وجود إمكانية كبيرة للهجوم على الجزائر بإستغلال أي فوضى أو وضع أمني غير مستقر فيها، فعلينا أن نتساءل ما سر هذه الهجرات الغير شرعية المكثفة إلى الجزائر اليوم عبر الحدود، والتي تصل إلى معدل 500محاولة هجرة يوميا؟، فهذا الرقم مخيف جدا، وهو يشبه غزوا بالتدريج، وعلينا أن نتساءل كم من إرهابيي داعش ضمن هؤلاء المهاجرين الغير شرعيين؟، وعلينا أن نتساءل كيف ستواجه الجزائر إمكانية فوضى أمنية بسبب هذه الهجرات المكثفة؟، فلنتساءل كم ستنفق الجزائر من أموال لحماية حدودها الطويلة جدا مع  ليبيا والمالي والنيجر وغيرها من الدول التي تعيش فوضى أمنية كبيرة إضافة إلى الإنعكاسات السلبية معنويا وعسكريا وأمنيا على قواتنا المرابطة هناك؟ فلنتساءل كيف سنواجه كل هذه الإنفاقات الأمنية مع إنخفاض أسعار النفط الذي تتحكم فيها دول مناوئة لنا، ويأتي على رأسها  السعودية التي تريد معاقبة الجزائر بسبب مواقفها الصارمة في اليمن؟، فلنذكر الجميع أن أسعار النفط تتحكم فيها أحيانا عملية تعويم السوق، كما تعودت السعودية على فعله منذ بدايات الثمانينيات، فلم تكن وراء أزمتنا اٌلإقتصادية في منتصف ثمانينات القرن الماضي إلا ذلك التعويم السعودي للأسواق النفطية، فمن غير المستبعد قيام السعودية بذلك مستقبلا لدفعنا إلى عجز على مواجهة إنفاقاتنا الأمنية على الحدود الطويلة المهددة إضافة إلى  إنفاقاتنا الإجتماعية، مما سيؤدي إلى إنتفاضات شعبية في شمال البلاد، فتستغل ذلك الجماعات الإرهابية الموالية أيديولوجيا للسعودية لإعادة إنتشارها ثم إقامة  إمارات ودويلات في الجنوب الغني بالنفط موالية لها، فتتحكم في المصدر الرئيسي لإقتصادنا، فتسقط الجزائر كلها فيما بعد.

   لا نتحدث عن كل هذا لتخويف الجزائريين كي يستمر النظام كما يعتقد البعض، بل هي حقائق يعرفها النظام المغربي جيدا، ويعمل على إستغلالها بهدف تحقيق هدف إستراتيجي توسعي واضح في منطقتنا،  فليعلم شعبنا بأن الكثير من دول العالم لها هدف إستراتيجي توسعي، فمنها مثلا روسيا التي تستهدف منذ االقيصر بطرس الأكبر في القرن 17 الوصول إلى المياه الدافئة أي التوسع لإيجاد ممرات إلى البحر الأبيض المتوسط، وهو نفس الهدف الذي بقي سائدا لدى الروس إلى حد اليوم بما فيها في العهد الشيوعي، فمثلا بريطانيا بحكم موقعها الجزيري تعمل دائما للحفاظ على التوازن في أوروبا القارية كي لايسيطر عليها قوة واحدة، فتعزلها وتحاصرها، فمثلا نجد الهدف الإستراتيجي للكيان الصهيوني هو “دولة إسرائيل من النيل إلى الفرات”، ولاننسى الصراع من أجل السيطرة على أوراسيا لأنه الطريق للسيطرة على العالم لدى القوى العالمية الكبرى، وقد وضح بريجنسكي ذلك بالتفصيل في كتابه “لعبة الشطرنج”، فنحن هنا لسنا لإعطاء دروس في إستراتيجيات الدول، فما يهمنا هو جارنا المغرب الأقصى، فمنذ أن أعلن زعيم حزب الإستقلال علال الفاسي في خطاب له عام 1956 عن “المغرب الأقصى الكبير” الذي يتطلب إسترجاع مايعتبره “الحدود التاريخية للمغرب الممتدة من غرب وجنوب غرب الجزائر حتى سانت لوي في السنغال”،  فهذا الهدف تحول إلى عقيدة للنظام المغربي، فليعلم هؤلاء بأن الخريطة السياسية في المغرب التي تدرس للأطفال هي هذه الخريطة التي يتحدث عنها علال الفاسي، ولهذا يشعر الكثير من المغاربة بأن سيادتهم ناقصة، ويقفون إلى جانب النظام الملكي في هذه المسألة، لأنها درست لهم وهم أطفال، فلا نكون أغبياء، فمعارضة النظام الجزائري ليس معناه معارضته في كل شيء بما فيها دفاعه المستميت عن المصالح الإستراتيجية العليا للجزائر التي يعيها جيدا، ونعترف له بذلك، فمسألة الصحراء الغربية هي بالنسبة للجزائر مسألة إستراتيجية هامة جدا لأمننا وللسلم في كل المنطقة، فلو أخذ المغرب هذه البقعة أو تم التنازل له عنها، سيطالب بأكثر من ذلك، وسيتشجع لتحقيق المتبقي مما يعتبره  “إستردادا لأرضه التاريخية”، وهو ما سيهدد الأمن في المنطقة، ويدخلها في حروب لا تذر ولا تبقى، فلنضع نصب أعيننا أن تنازل الوزير الأول البريطاني تشامبرلين عن السوديت لهتلر في مؤتمر ميونيخ لم يحقق السلام كما كان يعتقد قبل ذلك، بل شجع هتلر على إلتهام كل أوروبا وإدخال العالم في حرب عالمية مدمرة.

  هذا ما يدفعنا إلى لب الحديث حول التحرشات الأخيرة للمغرب، ولماذا قطعت علاقاتها مع إيران؟، ان المغرب على علم بأن هناك حربا تحضر ضد إيران بعد تهديد ترامب بالإنسحاب من الإتفاق النووي معها، ويتلقى موقف ترامب دعما من دول الخليج والكيان الصهيوني الذي أقلقه كثيرا ذلك الإتفاق النووي الذي أبرم من قبل، فقد نشر هذا الكيان مؤخرا تقريرا من حوالي 8آلاف صفحة يسرد فيها مايراه أدلة عن عدم إلتزام إيران بهذا الإتفاق، وأنها على أبواب لإنتاج القنبلة النووية، وهو ما يعطي ذريعة للعدوان عليها بحرب إستباقية كما وقع مع عراق صدام حسين، وسيشارك في هذه الحرب ضد إيران دول خليجية وأوروبية وغيرها، فأراد المغرب إنتهاز هذه الفرصة لدخول هذه اللعبة بمعاداة إيران، ليس فقط إرضاء للدول الخليجية، بل سعي منه لدخول محور المنتصر الحتمي في هذه الحرب الأقليمية ضد إيران كي تكافأ عن موقفها، لكن يجب عليها العمل على إدخال الجزائر في محور معارض للحرب ضد إيران، وبذلك ستنقل إنعكاسات هذه الحرب الأقليمية في الشرق الأوسط إلى منطقتنا المغاربية، فبذلك ستحقق المغرب مكاسب على حساب الجزائر التي تعتبرها عدوتها التقليدية التي تمنعها من تحقيق أهدافها التوسعية في المنطقة أو ما تعتبره “إسترداد لأراضيها التاريخية”، فتحقق من خلال دورها في الحرب ضد إيران جزء من هدفها الإستراتيجي عندما تأتي مرحلة توزيع المكاسب وتغيير الخريطة السياسية لمنطقتي الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بعد هذه الحرب، خاصة أن المغرب يعلم جيدا أن الجزائر لها مبدأ الحياد الإيجابي، فهي لم تكن إطلاقا حليفة لإيران أو ضدها،  بل تتحرك وفق مصالحها والحرص على السلم في العالم، لكن تريد المغرب إيهام العالم أن الجزائر حليفة لإيران، بل تعمل على إتهام الجزائر منذ فترة طويلة أنها تتعامل مع  منظمات إرهابية، خاصة أن جامعة الدول العربية ومعها الغرب تعتبر حزب الله تنظيم إرهابي إضافة إلى سعيها الدائم لربط البوليزاريو بالتنظيمات الإرهابية مثل القاعدة.

  البروفسور رابح لونيسي – رجامعة وهران –

متعلقات

تعليق واحد

  1. شكرا استاذ على هذا الاهتمام الامني حقيقة الحقيقة تقال في المكان والزمان النضام نتاعنا يحب هذه الامور وخاصتا عندما تاتي من الخارج و لانسميه عدو اولا رئسنا والزمرة الحاكمة كلها من جماعة وجدة وانت تعرف هاذا.و المثل يقول تموت اللآفاعي بسم العقارب،اما المناورات كل الجيوش اختباراتها وترقية ضباطها يحتسب على المناورات وفقط اما الحروب تبنى على طريقة اذا كنت في السلم حضر للحرب،وهل نحن حضرنا وبنيا ثكنات وتجهيزات تقي من الحر والبرد في حدودنا المترامية على 6000كم كلها صحراء.فيما يخص الدول سميتها انت الخليجية نعم وهو كذالك.لم تكن يوما عربيةلان نحن العرب تابعتنا العين كيما يقولو.عندنا القوة بالتعداد فقط لا بالقوة.وشعب الجزائري لا تخفى عليه خافية .وشكرا لك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى