أعمدة الرأي

القذافي بين عميمور و خضرا

شخصية القذافي سببت أوجاع رأس لأهله في ليبيا و جيران ليبيا و العالم.

تعامل معها الناس كل حسب موقعه أو مصلحته، منهم من ساير غروره فناله صرةأو اثنين من ماله، (رؤساء إفريقيا). و منهم من ضاق ذرعا فأدّبه، (السادات و ريڨن). و منهم من أتعبه و استنزفه، (كجيرانه المغاربيين).

و أكثر المتضررين من مزاجه كانت الجزائر. لأن الجزائر مكبلة بالجغرافيا. وجبروت الجغرافيا لا علاج له غير التعامل الذكي. و هناك تاريخ الليبيين المشرِّف مع ثورة التحرير. تاريخ يعيدنا إلى النفكير الجاد كلما ضقنا ذرعا بمزاج القذافي.

كلها عوامل أطّرت السلوك الدبلوماسي الجزائري بحيث استدعت تأهبا مستمرا وتجنيدا لطاقات تترصد تقلبات المزاجية للأخ العقيد.

العقيد الذي أفرد له الدكتور عميمور كتابا قيما شاملا. كتاب وثّق فيه التعب الذي انجر عن التعامل مع “الظفر المغروس في اللحم”.

كتاب سرد بالتفاصيل كيف كانت شخصية بومدين “رادعة” سيكولوجيا للعقيد. وكيف تمكنت “المصالح”، بعد رحيل بومدين، من تحييد تداعيات السلوكاتالعُصابية لمعمر القذافي. لم تكن سهلة، يقول الدكتور عميمور، عملية برْدأظافر العقيد دون الوصول إلى اللحم.

تذكرتُ ما كتبه د. محي الدين عميمور عن تلك السطوة التي كانت لبومدين علىالقذافي، تذكرتها عندما أنهيتُ قراءة رواية ياسمينا خضرا، “الليلة الأخيرللريّس”.

رواية تتناول القذافي من الوجهة السيكولوجية. عن هذيانه و عصابه. تحليليغور في ثنايا الأعرابي الذي “وصل” فانتقم.

مول السهول- خضرا، يحصر كل متاعب القذافي النفسية في افتقاده لمفهومالأب. الأب كظل حامٍ و كحائط مسنَد يعوز معمّر و يزيد من عُصابه عندما يوجد، في محيط العقيد الإداري، من يوشكك في وجوده.

و هنا يتقاطع “تحليله” مع ما أورده الدكتور عميمور عن تلك السطوة التيلبومدين على العقيد. فقد يكون الرئيس الجزائري يمثل، في لاشعور الأعراب الليبي، الأب الذي يعوزه.

بقي شيء عالق في حلقي، الذي أشفق به على أهلي هو هذا التهليل الذي صاحب رواية “الليلة الأخيرة للريّس”(1). تهليل و احتفاء افتُقدا عند صدور “نحن و العقيد”(2).

“نحن و العقيد”** أعتبره تحليلا جامعا لكل السياسة العربية، مغربها ومشرقها، مع إسقاطاتها الدولية. ملخص لمن أراد فهم الجاري، (و الذي سيجري)، في رقعتنا المتكالب عليها.

كل مرة ألحظ فيها تجاهلا لكتاب صدر، تجدني أجدد السؤال: هل لهذا الحصارعلاقة بلغة الكتاب أم بدار نشره؟

—-

(1) La dernière nuit du Rais. Yasmina Khadra. Casbah Editions, 2015

(2) نحن و العقيد، د محي الدين عميمور. ENAG, 2011

متعلقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى