أعمدة الرأي

(تلتين) الأمازيغية .. من خلال موقفي غلام الله وسي عصاد

نقلت صحف وطنية تصريحين حول الموقف من الحرف الذي ستكتب به الأمازيغية، أحدهما لرئيس المجلس الأعلى بوعلام الله غلام الله، والثاني رئيس المحافظة السامية للأمازيغية، الموقف الأول كان قويا صارما ، متوعدا بالمواجهة ، والصمود في وجه من يعملون على فرض الحرف اللاتيني ، والثاني ردّ لا يقل عنفا عن الأول . والأمر على هذا الصعيد لا جديد فيه من حيث استمرار الصراع بين الدوائر الرسمية ، والنخبوية، والسياسية والثقافية حول الموضوع.

لكن الجديد ربما هو أن ظروف الصراع قد طرأت عليها تغييرات كثيرة منها أن المكسب الأمازيغي قد تحقق على نحو ما باعتماد الأمازيغية لغة رسمية، و أننا الان في وضع يجب فيه متابعة المسائل الإجرائية لتجسيد طبعة محددة للمشروع المنشود، بالتوجه نحو التلاحم مع اللغة العربية ، وهو الوضع التآلفي الذي استقر في البلاد قرونا عديدة ، حتى جاء المعامل الاستعماري فطرح بديلا يتناغم مع مشروعه الإحلالي وهو ربط الأمازيغية بالحرف اللاتيني على نحو ما شهدته تركيا الكمالية، وإن كانت الجهود الأكاديمية الممهدة للمشروع أقدم في الحالة الجزائرية من الحالة التركية .

لذا علينا النظر لكلّ موقف أو إجراء أو سياسة في المسألة على ضوء ما تقدم،  و التغيير الجوهري في المسألة . وعليه يندرج التصريحان من حيث الحدّة والقوة وربما قدرا من العنف ضمن التدافع الاستباقي لاحتلال الحيز اللساني المختار للأمازيغية، فيهيئ بدروه لأكثر المكاسب المتوخاة لمستقبل البلاد واختياراتها الاستراتيجية .

ونودّ أن نقف في هذا المقال وقفة تقييمية للموقفين ، دائما في ظلال المعطى الكسبي الكبير المذكور سابقا، عبر النقاط الآتية الذكر :

1- اتخذنا الأصالة معيارا لتقييم الموقفين، فما رصيد كل منهما ؟ موقف الدفع نحو الارتباط بالعربية ،هو موقف الأصالة التاريخية والجغرافية والحضارية، وهذا بدهي  دون جدال اللهم إلا مواقف الشعوبيين والمتعصبين . أما موقف (تلتين الأمازيغية: أي كتابتها بالحرف اللاتيني)، ففاقد لأي رصيد بهذا المعيار .

2- وإذا نظرنا للأمر بمعيار الرصيد النضالي الجزائري من خلال الحركة الوطنية، فسوف نجد أيضا أن رصيد الحرف العربي منه أوفر من غريمه اللاتيني .

3- وإذا نظرنا إليه بمعيار أهم مقوم للشخصية الجزائرية، وهو الدين الإسلامي، فمن الاستغباء عرض المسألة للمفاضلة، فضلا عن توقع نتائج مفاجئة.

4- إن الوضع الدستوري والقانوني للمؤسستين اللتين صدر  عن رئيسهما تصريحا وموقفا صارما، أحدهما لا يخلو من ابتذال ، ونزعة احتقار بل وتحقير ، لهما من القوة القانونية ما يرتقى بمواقفهما وتصريحاتهما إلى التعبير عن إرادات سياسية دالة، ومشبعة بثقة الإسناد المتواري وراء الكلام والمواقف .

5- إذا نظرنا للأمر بمعيار الرصيد الشعبي المتوقع لكلّ من الاتجاهين ، فيقينا أن الكفة أيضا مائلة لموقف الارتباط بالحرف العربي؛ نظرا لاعتبارات هي في الحقيقة من مسلمات الشخصية الجزائرية التي صاغتها العربية بالمعنى الحضاري وليس الجنسي والعرقي ،لغة والإسلام دينا، وثورة تحريرية كبرى وفية لهما .

6- مما يترتب على ما سبق ، فإننا نقول بكل ثقة : إننا أمام موقفين أحدهما يعبر عن نزعة التوجه الوطني أصالة دون أن تكون له امتدادات خارج الحيز الوطني سياسيا وثقافيا، واستراتيجيا، فالعامل العربي الآن متهالك ، وقد سقطت عروش أنظمة ربما كانت تستثمر في البعد القومي العروبي، بسبب العوامل المعروفة    . أما موقف (تلتين الأمازيغية )، فلم يعد خافيا على أحد مقاولته لفرنسا ومشروعها القديم المتجدد ، للحفاظ على المكاسب القديمة ، والتصميم على تأميم المستقبل بالاستحواذ وتجنيد كل الوسائل الممكنة لتحقيق ذلك . خاصة أن البلاد تشهد تجاذب إرادات توجهية على الأقل على المستوى الاقتصادي والتجاري فضلا عن النفطي للخروج من هيمنة فرنسا التقليدية .

كما أن من حقنا القول : بأي مبدأ أخلاقي أو قانوني احتج سي عصاد على تصريح غلام الله؟! أليس مواطنا جزائريا يحق له ما يحق لكلّ مواطن إبداء وجهة نظره في الموضوع؟! وأليس من حق أي جزائري سؤالك سي عصاد  : كيف تحسم بصورة فردية أو مؤسسية في مسألة الحرف  المختار للأمازيغية؟! أليس من حق كل الجزائريين إبداء رأيهم في هذه المسألة؛ لأنها الوجه الخفي لكل الصراع المحتدم حول مستقبل البلاد في شتى الميادين، ثم لأنّ الموقف بشأنها هو الفيصل الحاكم حول ما وراء الستار ، والعمل المستميت للاتجاه المنحاز للأطروحة الفرنسية والأكاديمية البربرية المدعومة من قبلها.

8- أيضا نقول في ثقة دوما : إن المجلس الإسلامي الأعلى وغيره من المؤسسات القائمة على الأبعاد الروحية والثقافية والتعليمية والتاريخية  الرسمية والمدنية ، من واجبها المؤكد اتخاذ المواقف المناسبة إزاء هذه المسألة ؛ نظرا لأهميتها التاريخية والحضارية، وأثرها الحاسم في مستقبل البلاد ، بناء على النتيجة التي ينتهى إليها الموضوع .

9- إن حدة تصريح سي عصاد والذي لم يخل من قدر من الابتذال ، مؤشر قوي دال على ما شعر به من فزع ورعب من تصريح السيد غلام الله ، وما ينبغي التحسب له في التمادي نحو (تلتين الأمازيغية) تحت راية هيئة وطنية دستورية . ومن المفيد ملاحظة البعد الانحيازي الصارخ للفرنسية تحديدا عبر (تلتين الأمازيغية) ، بالاطلاع على موقع المحافظة على الأنترنات، فهو موقع لا حضور فيه إلا للفرنسية ، مع حضور محتشم للأمازيغة، واستبعادا كليا تقريبا للعربية .

10-إذن بعد تجاوز البلاد إن شاء الله الضرورة السياسية الحالية، بسلام وأمان ، والمرور بالوضع

إلى استقرار مؤسسي ، يجب فتح النقاش حول أفضل الأليات لاختيار الحرف الذي ستكتب به الأمازيغية، و من الحكمة والنظر المستقبلي البعيد لاستقرار البلاد، وضمان استقلال اختياراتها الاستراتيجية ، طرح هذه المسألة للاستفتاء الشعبي .

أمّا الإمعان في أسلوب الاستبداد الأيديولوجي والعرقي فلن يكون إلا عامل تهديد للوحدة الوطنية على المديين المتوسط و البعيد، والتمكين للمشروع الفرنسي الاستغلالي الاستعماري باستمرار الهيمنة عبر الفوز بلغتين تستبدان باللسان الوطني الرسمي (الفرنسية والأمازيغية   الملتنة)، فيتلاشى الاستقلال الوطني، وترتهن الأجيال والخيرات الوطنية لفرنسا وأذنابها .

متعلقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى