أعمدة الرأي

سعداني ..و”العِزَّة بالإثم” ..!

أصبت بالدهشة وأنا أستمع إلى الأمين العام لحزب جبهة التحرير الوطني، عمار سعداني، خلال افتتاح أشغال دورة اللّجنة المركزية لهذا الحزب، بفندق الأوراسي بالعاصمة..! كنت أتساءل وأنا أستمع إلى هذا الرّجل، عن مصدر إصراره العجيب في مُواصلة الإلتزام بمُهمة مُغالطة الرأي العام، وعن جُرأتهِ العجيبة على تزوير التاريخ بشكل فاضح، ثمّ الوقوف مَوقف المُتفاخر.. وكأنَّهُ كمن “أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ”..!

من بين مُغالطات سعداني، والتي أريد التطرق إليها.. تأكيده على “بقاء الأفلان في الرّيادة والقوة الأولى في الساحة السياسية الجزائرية”، ثم طَعنه في فعالية المُعارضة، واتهامها بالفشل.

فعن أي ريَادة يتحث سعداني ؟ وعن أيّ ساحة سياسية يحكي هذا الرّجل ؟

هل يجب تذكير سعداني بنتائج انتخابات 1991 و1992 والتي وضع الشعب فيها “الأفالان” في حجمه الحقيقي ؟

لقد تحول هذا الحزب بعد عام 1992 إلى جهاز من أجهزة “سلطة اتخاذ القرار”، يُنصَّبُ فيه أمينهُ العام بقرار ويُنحى بقَرار، والكلّ يتذكر ”المؤامرة العلمية” التي أمرت “العلبة السوداء”، ونفَّذها كلّ من بوعلام بن حمودة وعبد القادر حجار وعبد الرّحمان بلعياط عام 1996 للإطاحة بالمرحوم عبد الحميد مهري، وتنصيب بن حمودة مكانه، بسبب مُشاركة الرّاحل مهري قبلها بسنة في لقاء روما “سانت جيديو”، ومساهمته في صياغة وثيقة العقد الوطني التاريخية، والتي كانت من المُمكن أن تكون مخرجا للمأساة الوطنية قبل استفحالها. والكلّ يتذكَّر أيضا عملية “العزل الصامت” أو “الإنقلاب الأبيض”، التي أوحي بها الرّئيس بوتفليقة، الآفالاني العائد من بعيد إلى السلطة سنة فقط قبل ذلك، تلك العملية التي أطاحت ببن حمودة وجرّعته من نفس الكأس، وجاءت بعلي بن فليس مكانه.

قصص “الإنقلابات” داخل الحزب الجهاز، لم تتوقف عند هذا الحدّ، فبعد سنوات قليلة، كانت قصة ”عدالة اللَّيل”، حين اُستعملت المُؤسسة القضائية للطعن في شرعية المؤتمر الثامن لحزب جبهة التحريرالذي جاء ببن فليس أمينا عاما للحزب، بعد “حركة تصحيحية” قادها بلخادم وعبد القادر حجار وآخرون وبأوامر عُليا ضدّ بن فليس، لأنهُ تجرأ وترشح لمنافسة الرَّئيس بوتفليقة في رئاسيات 2004، ليُعيَّن بعدها عبد العزيز بلخادم أمينا عاما للأفالان خلال ما أصبح يُعرف بـ“المؤتمر الجامع”. سنوات فيما بعد تَدُورُ الدَّائرة على بلخادم، وتعُود قصص “الحركات التصحيحية” داخل الحزب العتيد وتُسحب الثقة منه، ليُكلف القيادي في الحزب والوزير السابق عبد الرحمان بلعياط مُنسقا للمكتب السياسي للجبهة. ثم تأتي “ دورة اللجنة المركزية” للحزب بفندق الأوراسي عام 2013، ليتم “مسح“ بلخادم والإطاحة ببلعياط وجماعة “التقويميين”، تحت الرَّعاية السَّامية للـ”باب العالي”، ويُنصب عمار سعداني أمينا عاما، في انتظار صراع آخر، أوإنقلابات آخرى، أومؤامرة علمية أخرى، وقد تكون غير علمية!.

أردتُ أن أسرد هذه النبذة السريعة من حياة حزب عمار سعداني، لأنبهَهُ بأنَّ عليه أن يتذكَّر قبل أن يطعن في المعارضة، بأنه نتاجُ تاريخٍ من المُؤامرات والإنقلابات التي شهدها الأفالان منذ بدء التعددية في البلاد، كما أنَّ عليه أن يتذكر أيضا أن حزبه وكلّ أحزاب “الموالاة”، جزء من أجهزة السلطة ليس إلاَّ.. تُزور لهُم الإنتخابات ويتم دَعمهُم بوسائل الدولة، من أجل ضمان بقاء النظام.

كلّ الجزائريين يتذكرون طبعا كيف اُستغلت وسائل الدولة، وجُيِّشَت الإدارات الحكومية، في خدمة أحزاب المُوالات لنتشيط الحملة الإنتخابية للعهدة الرابعة لبوتفليقة، في وقت كانت فيه المُعارضة تُحاصر، وتُقمع وتُتَّهمت بأبشع التُّهم، وهو نفس المَصير الذي لاقته كل مُنظمات المُجتمع المدني، والشخصيات الوطنية التي عارضت التَّمديد للرئيس المريض.

كلّ الجزائريين يَتذكَّرون أيضًا كيف طُوقت العاصمة بأعوان الأمن يوم الـ24 من فيفري الماضي، قبل بدء الوقفة الاحتجاجية التي دعت إليها المُعارضة للتعبير عن رفضها لقرار السلطات استغلال الغاز الصخري في الصحراء الجزائرية، وكيف تمّ إطلاق يدّ قوات الأمن، لقمع قيادات المُعارضة الشرعية، وكأنهم قُطاع طرق، في المُقابل فتحت الشوارع والقاعات للمُوالين للتعبير عن دعمهم الدائم وغير المشروط لـ”ولي الأمر”، وعن طاعتهم العمياء لـ”صاحب الشأن”.. وهذا غيض من فيض..

ما صرح به سعداني بالأوراسي، حول مُستجدات الوضع في الجزائر، و“الدولة المدنية” والمعارضة، هو استمرار لعملية بيع الوهم للجزائريين والمُتواصلة منذ أكثر من 15 عاما.

في الأخير.. يجب على سعداني أن يعلم، أنَّه في ظلّ نظام حُكم شرعي، يُمكن الحديث عن الدولة المدنية، ودولة القانون، ودولة الحريات، وعن التنافس الشريف.. في ظلَّ نظام حُكم شرعي فقط.. ليس إلاَّ..

متعلقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى