أعمدة الرأي

ماذا وراء الشعارات السياسية المرفوعة اليوم في الجزائر ؟

ينقل المؤرخ محمد حربي في كتابه “الجزائر ومصيرها-مؤمنون أم مواطنون-” الصادر في 1990، بأنه في منتصف الثمانينيات أقترحت مجموعة من رجالات الدولة عند التحضير لمؤتمر حزب جبهة التحرير الوطني بنقل الجزائر من “جمهورية ديمقراطية شعبية” إلى “جمهورية إسلامية”، وذلك على نفس طريقة الدكتاتوريين جعفر النميري في السودان وضياء الحق في الباكستان، وقد ذكر حربي أسماء البعض من هؤلاء السياسيين والعسكريين، لكنهم لم يردوا عليه أو يكذبونه، وظهر ذلك  في خضم الصراع بين مايسمى آنذاك بالإصلاحيين والمحافظين، فبرزت مجموعة من الذين كونوا ثروة كبيرة برفع شعارات الإشتراكية ومستغلة النفوذ السلطوي الذي أوصلهم إلى الثروة، ورأوا أن بعض القوانين والمؤسسات تعرقلهم على تبييض أموالهم، فكان هؤلاء وراء هذا الإقتراح لتمرير مشروعهم ومصالحهم تحت شعارات مدغدغة لعواطف الشعب الدينية، فبغض النظر عن مدى صحة مانقله حربي، إلا أن ذلك يطرح أمامنا مسأله هامة، وهي تمرير مشاريع لاتخدم الأمة على الإطلاق تحت الشعارات الرنانة، ومن يضمن لنا اليوم ان رفع شعار الدولة المدنية أو الإصلاح الدستوري الذي يضمن الإنتقال الديمقراطي أو غيرها لا تدخل ضمن نفس أسلوب ماطرحه حربي؟، ومن حق المواطن ان يتساءل لما أبقاها رافعوها غامضة  دون ان نفهم مضامينها الحقيقية أو طرحها للنقاش العام الحر، وهل هي فعلا ستكون في خدمة الأمة أم مجرد شعارات للاستهلاك لخدمة مصالح مجموعات سلطوية ومالية؟، فمن غير المقبول الإكتفاء برفع الشعارات دون معرفة دقيقة بالمضامين وتحليلها بدقة ووعي كبير، أفلم يضرب الإسلام برفع شعارات الإسلام، ألم تضرب الديمقراطية برفع شعارات الديمقراطية ، ألم يرفع هتلر شعار “الوطنية الإشتراكية” ليدخل ألمانيا والعالم في حرب أدت إلى مقتل أكثر من 50مليون من البشر؟.

وفيما يخص شعارات الديمقراطية التي عادة ما يرفعها أعداءها ، فلا يكفي رفع الشعار لنقول ان فلان أوعلان ديمقراطيا، فلكي نحكم مثلا على أي مسؤول كان أنه ديمقراطي، لا يكفي أن يصرح بذلك، لأنه كم من مدع للديمقراطية وهو يمارس نقيضها، ولا يمكن لنا أن نحكم على ذلك إلا من خلال عدة عوامل وهي: ذهنيته وثقافته وطريقة وصوله إلى السلطة ونظرته إلى المعارضة ومدى احترامه للحريات وحقوق الإنسان وحرصه على فصل السلطات، وكذلك طريقة بنائه للدولة ومؤسساتها، وتعد طريقة الوصول إلى السلطة عاملا رئيسيا في تحديد كل العوامل الأخرى، لأن الكثير من الذين يأخذون السلطة بالقوة، فإنهم يعتبرون ما أخذوه ملكية لهم لابد من الدفاع عنها بشراسة ضد كل من يحاول الاقتراب منها، فيحولون الدولة بذلك إلى ملكية شخصية، ويعتبرون المعارضة عدوا شرسا يسعى لأخذ الدولة – الخاصة بهم، فيعاملونها بقسوة ووحشية، ولهذا ففي أي عملية إنتقال ديمقراطي نحتاج إلى قيادة تتوفر فيها هذه الشروط، فمثلا لو في مصر بعد إسقاط مبارك أتفقت كل الأطراف على عقد إجتماعي، ورشحت شخصية أو شخصيات تتوفر فيهم هذه الشروط، هل كان بإمكان إعطاء مبرر للسيسي للإنقلاب على مرسي الذي أُثار مخاوف البعض من المصريين، خاصة المسيحيين والديمقراطيين مما سمح للسيسي إستغلال ذلك للإنقضاض على الحكم، ونفس الأمر وقع عندنا في الجزائر بعد 1988 بظهور الفيس المنحل بخطابه الشعبوي المخيف، فهناك العديد من الأمثلة حول الإنتقال الديمقراطي يمكن الإستفادة منها، خاصة تجربتي إسبانيا والبرتغال في السبعينيات.

أما السؤال الآخر المطروح فهو ماهو المشروع الديمقراطي الذي يصلح لنا نحن الجزائريين اليوم ويحقق طموحات شعبنا، والذي يجب أن يكون مشروع المجتمع كله المطالب بالتغيير، والذي يجب عليه أن لايكتفي بشعارات رنانة لانعرف مضمونها الحقيقي، كما فعل الفيس المنحل بشعاره “دولة إسلامية” لتجنيد الشعب بالتلاعب بعواطفه، لكن لانعلم أي شيء عن مؤسسات هذه الدولة التي يدعو إليها، بل بقيت شعارات فضفاضة فقط، وهو ما ينطبق أيضا على شعارات لعدة تيارات سياسية أخرى.

فنحن لانقول أن الديمقراطية في الغرب غير صالحة، بل بالعكس يعد هو أحسن نظام لحد الآن، لكن توفرت له شروط تضمن الحريات والمراقبة نسبيا، خاصة وأنها شعوب واعية من الصعب التلاعب بعواطفها الدينية أو غيرها كما يحدث عندنا، لكن لما نتغافل ونتناسى أن بلدان عديدة في العالمين العربي والإسلامي عرفت نفس النظام التعددي الديمقراطي لكنه كان شكليا في النصف الأول من القرن العشرين مثل مصر الملك فاروق، فكان نظاما يخدم أقلية استولت على 99%من ثروات البلاد، ويكرس طبقية وحشية في المجتمع، مما مهد لقبول جزء كبير من الشعب ودعمه قيام نظام غير ديمقراطي بعد إنقلاب الضباط الأحرار على الملك الذين وعدوا الشعب بإعادة توزيع الثروة بشكل عادل، فكان نظام الحزب الواحد كما حصل في عدة دول، ومنها الجزائرفي 1962، لكن هذه الأنظمة أفرزت لنا طبقة جديدة أستغلت نفوذها، فوصلت إلى الثروة وأخذت مكان الإستغلاليين السابقين، وقد بدأت بوادره في الجزائر منذ عهد الرئيس هواري بومدين مما دفعه إلى تهديد هؤلاء الذين بدأوا يتغولون آنذاك، فكان يردد مقولته الشهيرة”عليكم  بالإختياربين الثروة والثورة”، وهؤلاء هم الذين كانوا وراء المشروع الذي تحدث عنه حربي، ولهذا فإن إقامة أي نظام بشعار ديمقراطي لكن تحت سيطرة لوبيات المال وضد العدالة الإجتماعية والتوزيع العادل للثروة هو معناه التمهيد مرة أخرى لعودة الإستبداد تحت شعار “العدالة الإجتماعية”.

ولتحقيق النجاح الفعلي لديمقراطيتنا، وتكون في خدمة الأمة عليها أن ترتبط بالطبقات المحرومة وخدمة الأمة بكل شرائحها وأطيافها، وتكفل العدالة الإجتماعية، مما يتطلب إعادة النظر في كل ميكانيزمات النظام السياسي السائد، وأيضا ليس بنقل النموذج الأوروبي، وقد طرحنا تفاصيل ذلك في العديد من كتبنا، ومنها بالأخص “ربيع جزائري لمواجهة دمار عربي” وكذلك “النظام البديل للإستبداد- تنظيم جديد للدولة والإقتصاد والمجتمع”، وسنعود لتوضيح أكثر لهذا النموذج الديمقراطي والإجتماعي الذي نطرحه في مقالة أخرى.

متعلقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى