أخبار هامةحوارات

مراد دهينة لسبق برس: سأعود للجزائر وتسليم إيطاليا لمصلي غير وارد

يتحدث مدير منظمة الكرامة لحقوق الإنسان مراد دهينة عن قضية المحامي رشيد مصلي الذي طلبت الجزائر إسترجاعه من إيطاليا، ويعود دهينة الذي تعمل منظمته على حالة حقوق الإنسان في الدول العربية ويقع مقرها في جنيف في حواره مع سبق برس إلى ظروف إنخراطه في الجبهة الإسلامية للإنقاذ المحلة سنة 1994 ومغادرتها بعد عشر سنوات، بالإضافة إلى تعليقه على تنحية مدير المخابرات الفريق محمد مدين المدعو توفيق.

حاوره جلال صابر

تتهم منظمتكم منذ عدة سنوات عن انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان في سنوات التسعينات، هل تنحية الجنرال توفيق مؤخرا من طرف الرئيس عبد العزيز بوتفليقة لها علاقة بذلك و هل لديكم أدلة عنها؟

إن الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان التي عرفتها الجزائر في التسعينات كانت نتيجة إرادة سياسية آنذاك، والأكيد أن جهاز المخابرات كان له دور في ذلك حيث أنه كان يمثل السلطة السياسية الفعلية.

لكن لا بد من التذكير أنه عندما جاء بوتفليقة إلى الحكم كان ذلك على أساس اتفاق واضح وهو ضمان الإفلات من العقاب لكل المتورطين في الانتهاكات، وتنحية الجنرال توفيق لها أسباب عديدة ولكن الظاهر أنها تدخل أكثر في خانة صراع الأجنحة ولا تعني بالضرورة مسعى جاد لمعالجة شفافة لأزمة التسعينات.

هل تعتقد أن تنحية الجنرال توفيق ستعجل بحل بعض الملفات العالقة المتعلقة بحقوق الإنسان ؟

أكيد أن تنحية توفيق حدث هام خاصة بالنسبة للجماعة التي أمسكت بالحكم منذ انقلاب 1992 وبدأنا نرى عددا منهم يتكلم بأمور كانت من “الطابوهات” كقضية الجماعات المسلحة المخترقة والمسيرة من العسكر الخ… لكن بدون إرادة سياسية واضحة فستبقى مشكلة الإفلات من العقاب قائمة.

أما الانتهاكات الكبرى لحقوق الإنسان فلأسباب عديدة فلا بد أن نقر أنها خفتت اليوم في الجزائر ولا علاقة لتنحية توفيق بذلك، وهذا ليس تكرما من النظام ولكن لتطور  كان حتميا للوضع الجزائري عموما، ولا ننسى أن هناك ملفات ضخمة لا يمكن أبدا تجاهلها أو فرض حلول ترقيعية حولها كقضية المختطفين قسرا.

كنتم أحد القيادات البارزة في حزب الفيس المحل حيث يتهم العديد من المناضلين الجزائريين أعضاء الجبهة الإسلامية للإنقاذ سابقا سواء الجناح السياسي أو العسكري بمسؤوليتها في دوامة العنف التي عرفتها الجزائر في التسعينات. ما تعليقكم ؟

التحاقي بالجبهة الإسلامية للإنقاذ كان عدة سنوات بعد حلها وكان ذلك ليس من أجل دعم برنامج سياسي ولكن للتعبير عن رفض انقلاب 1992 وما انجر عليه من انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان. وقدمت استقالتي من الجبهة سنة 2004 ، بعد إطلاق سراح رئيسها ونائبه، لأتفرغ لنضالي الحقوقي والسياسي في أطر أخرى.

أكيد أن مسؤولية أزمة التسعينات تعود لأطراف عديدة وهناك مسؤوليات سياسية وأخلاقية وقانونية، وإذا كان الجدل لا يزال قائما فيما يخص المسؤولية الأخلاقية والسياسية خاصة بسبب تعنت السلطة لرفض مسعى جاد للمصارحة ومصالحة شفافة، فإن المسؤولية القانونية واضحة وهي ستبقى في عنق انقلابيي سنة 1992.

وما أعرفه وسمعته من قادة الجبهة الرسميين أنه لم تكن لحزب الجبهة الإسلامية للإنقاذ جناح مسلح ولكن هناك أفراد من الجبهة حملوا السلاح لأسباب عديدة يعود معظمها للقمع الذي سلط عليهم وكان عملهم المسلح في مجموعات عديدة مستقلة تنظيميا عن الجبهة، وأكيد أن الحرب كانت قذرة ولذلك ينبغي البحث عن الحقيقة ولا بد أن يواجه الشعب الجزائري هذه الحقيقة ويطلع على تفاصيلها حتى نحفظ الذاكرة ونرد الاعتبار ونتجنب هكذا مأساة في المستقبل.

اعترف مدني مزراق المسؤول الأول عن الجيش الإسلامي للإنقاذ الجناح العسكري للفيس بارتكابه لعمليات قتل، ألا يعتبر ذلك انتهاكا لحقوق الإنسان؟

انتهاك حقوق الإنسان من الناحية القانونية يكون دائما من فعل الحكومات أو جهات فاعلة غير حكومية، أما الأفراد فما يقومون به من أفعال يعاقب عليها القانون يدخلهم في خانة الإجرام. فمثلا كل ما صدر من جرائم من جهات حكومية كشرطة وجيش الخ وفي أي بلد.. فهي انتهاكات لحقوق الإنسان قد ترقى إلى جرائم ضد الإنسانية يعاقب مقترفوها ومن أمر بها وخطط لها. ومن الناحية القانونية لا بد من التبيّن هل القتل وقع في إطار نزاع مسلح في ميدان معركة أو عمل فردي، ولكن المشكلة القائمة اليوم أن مسعى الوئام وقانون المصالحة لسنة 2006 أعطى الحصانة لقوات الأمن وأعضاء مجموعات كتنظيم مزراق، وأرى أن فتح هذه الملفات لا مفر منه ولا مبرر لطمس الذاكرة.

نفس الشخصية أعلنت مؤخرا إنشاءها لحزب جديد والذي سيكون بمثابة الحزب الخليفة للفيس. هل تؤيدون هذا المسعى؟

لست معنيا بهذا الموضوع ولكن لا أرى مبررا قانونيا لمنع مزراق أو أي جزائري آخر من تأسيس حزب بما أن الدستور يسمح له بذلك، أما علاقة حزبه بالجبهة الإسلامية للإنقاذ فالسؤال يطرح على قادة الجبهة.

ما تقييمكم للحياة السياسية في الجزائر و ما موقفكم من مشاركة قيادات من الفيس في هيئة التشاور و المتابعة إلى جانب أولائك الذين وصفوهم بالإرهابيين في سنوات التسعينات؟

أدعم أي مسعى يجعل جزائريين يشتركون في حوار سياسي جاد وشفاف على اختلاف توجهاتهم الاديولوجية والسياسية، خاصة إذا كان للبحث عن حل سياسي سلمي وعادل للأزمة الجزائرية الخانقة، وما يعلمنا التاريخ أنه دائما يأتي وقت يجلس فيه الخصوم حول طاولة الحوار أو التفاوض ولا عيب في ذلك.

ما هو تصوركم للمخرج من الأزمة التي تقول المعارضة أن الجزائر تتخبط فيها وتصر السلطة على نفيها؟

لا بد أن يقوم المخرج على أسس وهي اعتماد طريقة اللاعنف في التغيير السياسي والسعي من أجل تأسيس دولة مدنية حقيقية تضمن حقوق الإنسان والحريات الفردية والجماعية وكذلك تعتمد آليات وقوانين واضحة تضمن التحكم الديمقراطي في العسكر وقوى الأمن. ولا بد أن يكون المسعى شاملا أي لا يقصي أحدا من المواطنين. ومتى توفرت الإرادة السياسية حقا من كل الأطراف سواء السلطة الفعلية أو العسكر والمعارضة والمجتمع المدني عموما فسيمكن تخطي كل العقبات وتصميم الإجراءات الفعلية من أجل إحداث التغيير المنشود.

يتابع رشيد مصلي المدير القانوني لمنظمة الكرامة التي أنت مديرها أمام القضاء الايطالي بعد الأمر بالقبض الدولي ضده بحكم ضلوعه في أنشطة إرهابية. ما مدى صحة التهم الموجهة إليه؟

التهم بهلوانية وهي تعبر عن التضارب داخل أطراف في السلطة: فمن جهة يبرمون الاتفاقات مع من حملوا السلام ومن جهة يتهمون حقوقيين معروفين كرشيد مصلي بالتعامل مع “إرهابيين”! ولن أزيد فيما يخص الجانب القانوني على قرار المحكمة الايطالية الذي لا يدع مجالا للشك في تفاهة التهم. ولكن الكل يعلم أن ما لم يقبله البعض في السلطة هو العمل الحقوقي القوي الذي قام به رشيد مصلي في إطار منظمة الكرامة مما جعل آليات ولجان الأمم المتحدة تدين النظام الجزائري في كثير من قضايا انتهاكات حقوق الإنسان في الجزائر. فمحاولة القبض على رشيد مصلي ما هي إلا عملية انتقامية ضد مدافع عن حقوق الإنسان لا غير.

هل يمكن أن تسلم السلطات الايطالية الأستاذ رشيد مسلي للسلطات الجزائرية؟

هذا غير وارد.

 عشر سنوات بعد المصادقة على ميثاق السلم و المصالحة الوطنية، كيف تقيمون هدا المسار وهل يمكن لمراد دهينة أن يعود يوما إلى الجزائر؟

عودتي إلى الجزائر ستتم إن شاء الله ولكن لا علاقة لها بميثاق السلم والمصالحة الذي لا يمكنني أن أقبله كمدافع عن حقوق الإنسان. ولن أكرر هنا النقد القانوني على عدة أصعدة ومن عدة جهات وطنية ودولية وغير حكومية التي تجعل من إلغاء هذا القانون أو على الأقل تغييره مطلب قانوني لا مفر منه. وما يدعيه البعض أن القانون سمح بعودة السلم مغالطة كبيرة حيث أنه وإن كان فعلا خفت بشكل كبير وتيرة العنف إلا أن أسباب ذلك لا تعود فقط إلى القانون بل هناك عوامل عدة قد يطول شرحها وهي معروفة في مثل هذه الصراعات المنخفضة الحدة.

بل وما نخشاه أن عدم معالجة أزمة التسعينات معالجة جادة وعادلة سيبقى سببا لتهديد مستقبل الجزائر وما نراه اليوم هو أن صمام الأمان في ظل الوضع العالمي الراهن هو الدولة المدنية القوية التي تحترم مواطنيها وحقوقهم والذين يكونون فعلا هم ضمان استقرار البلد وازدهاره ولكن لا يمكن أن يقوم ذلك في مجتمع ممزق تزداد الهوة في وسطه من جهة وتجاه السلطة من جهة يوما بعد يوم.

 

متعلقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى