أعمدة الرأي

العدوان على غزة .. والجريمة المناخية .. عشية القمة (COP28) !

عناصر دالة:

تأتي هذه الدراسة:

  • كعمل منهجي موثّق ودراسة علمية أولية تتوخى المساهمة في سد الفجوة المعرفية في مجال تقييم حجم إنبعاثات غازات الدفيئة المنبعثة من أعمال الحروب غير المشروعة وكذا الإعتداءات العسكرية المُنتهِكة لمجالات السيادة وللإنسانية، وقياس مقدار هذه الإنبعاثات المنطلقة في الجو،
  • انخراطًا منا في دعوة رئيس الجمهورية، السيد عبد المجيد تبون، التي ناشد من خلالها جميع أحرار العالم والخبراء القانونيين العرب والهيئات والمنظمات الحقوقية إلى رفع دعوى قضائية أمام محكمة الجنايات الدولية والمنظمات الدولية لحقوق الإنسان ضد الكيان الإسرائيلي، كسبيل وحيد لإنهاء عقود من الإفلات من العقاب،
  • هذا الإنخراط من جانبي كباحث أكاديمي متخصص، يأتي لتقديم إضافة نوعية، في جانب مغفول عنه، بحيث تسهم هذه الإضافة في تجسيد دعوة السيد رئيس الجمهورية والمساهمة في جعلها موضع تنفيذ فعلي، من خلال توصيف “الجريمة المناخية” التي ارتكبها الكيان الصهيوني المحتل في غزة في ظرف وجيز (5 أسابيع)، بما يمكن وصفه “عملية إبادة مركّزة وممركزة وممنهجة”، وأيضا بما يُمكننا من تقديم أساس إضافي منطقي وعنصر آخر وجيه ذي ثقل لإدانة هذا الكيان المحتل على أعمال “الإبادة الشاملة الممنهجة” التي يمارسها بكل إصرار وصلف وعنجهية وعربدة،
  • لإثبات وقوع “جريمة المناخية” في غزة، وبأن جُرم المحتل الصهيوني مشهود، هذا العنصر المتعلق بالجريمة المناخية والذي يحظى بإهتمام أممي وإسناد من نخب المجتمع المدني وتياراته عالميا، كما أن ﻧطﺎق ﺗﻘﯾﯾم اﻷﺛر اﻟﺑﯾﺋﻲ ذو اﻋﺗﺑﺎر ﺣﻣﺎﯾﺔ ﺧﺎصة عالميا،

كما تتناول هذه الدراسة:

  • معكوس الإشكالية المتمركزة حول العلاقة السببية بين تغيّر المناخ و تفاقم حالة النزوع نحو النزاعات حول العالم وتضخيم مخاطرها، معكوس هذه الإشكالية يتمثل في قياس البصمة البيئية للحروب أو الآثار المناخية للحروب، وهو من المسائل المسكوت عنها،
  • تقدير حجم الإنبعاثات من غازات الدفيئة، خلال خمسة (5) أسابيع فقط من العدوان الهمجي للكيان الصهيوني المحتل على غزة،
  • الوصول إلى تقدير أولي لحجم غازات الدفيئة المنبعثة، والتي تجاوزت 118 مليون طن مكافئ (CO2)، وهو ما يُقارب تقريبا إجمالي انبعاثات غاز الميثان، مقارنة مع الحد الأعلى لنطاق تقديرات الإنبعاثات الناجمة عن صناعة النفط والغاز في العالم ككل، والتي قدّرها نظام تتبع غاز الميثان التابع لوكالة الطاقة الدولية ضمن نطاق 80 – 135 مليون طن سنويا (2022)،
  • الإستناد في تقديراتنا إلى المعطيات المتاحة، من خلال عمل تتبعي لها مع تحليلها وفرزها، إضافة إلى اعتماد دراستين مؤسسيتين منشورتين، مع ندرة ما هو مُتاح في هذا المجال من أعمال يمكن اعتبارها مرجعية، الأولى دراسة شاملة أنجزها معهد واتسون في جامعة براون في الولايات المتحدة الأمريكية (2019)، والثانية وهي مبادرة محاسبة غازات الدفيئة للحرب كمشروع أشرف عليه وموله وخطط له صندوق “المبادرة الدولية للمناخ (IKI)” (2023)،
  • إضافة إلى توصيف ما يقوم به الكيان الصهيوني في قطاع غزة من أعمال وحشية همجية بـ”جريمة الإبادة العنصرية وضد الإنسانية”، فإننا من خلال هذه الدراسة المنهجية نزيد الإثباتات إثباتًا بأنها “جريمة إبادة شاملة مكتملة الأركان”، من خلال إثبات وقوع “الجريمة المناخية”، الأمر الذي ينسف كل الجهود الأممية للحدّ من انبعاثات غازات الدفيئة وكبح سيرورة الإحترار العالمي .. وبأن الأعمال التحضيرية لقمة المناخ (COP28) ومخرجاتها، والتي تنشد “تصفير الإنبعاثات” وتحقيق السلام الأخضر ينبغي أن تبدأ من هنا، من وقف العدوان على غزة، كما أن الكيان الصهيوني المعتدي لا ينبغي أن يفلت من العقاب،
  • ومع إدراك كل ضمير حي بأن ما يجري في غزة من هجمة حرب متوحشة، تمّ فيها استباحة كل قيم إنسانية الإنسان، هي حرب إبادة وتطهير عنصري، ولمّا نظيف لها -من خلال هذه الدراسة- بأنها حرب تنطوي على جريمة مناخية مغفولا عنها، تكتمل أركان الجريمة الشاملة الموصوفة، بما يستوجب، أولا المساراعة إلى وقفها، و توفير الحماية للإنسان الأعزل صاحب الأرض، وثانيا، تقديم الجناة إلى محكمة الجنايات الدولية بالجرم الموصوف.

 

  1. السياقات

أولاً، ما ورد في كلمة رئيس الجمهورية، رئيس المجلس الأعلى للقضاء، السيد عبد المجيد تبون، يوم الإثنين 6 نوفمبر 2023، بمناسبة إشرافه على إفتتاح السنة القضائية 2023-2024، بمقر المحكمة العليا بالجزائر العاصمة، نستقي منه ما يلي [1]:

“وأين هو الضمير العالمي الذي بات في حكم المستتر والغائب إزاء ما يرتكب من إبادة جماعية؟ وأكرر إبادة جماعية، تذكرنا بما شهده التاريخ البشري خلال الحرب العالمية الثانية وفي مدينة ستالينغراد، وبإعادة مجزرة ستالينغراد، فإنني أناشد جميع أحرار العالم والخبراء القانونيين العرب والهيئات والمنظمات الحقوقية إلى رفع دعوى قضائية أمام محكمة الجنايات الدولية والمنظمات الدولية لحقوق الإنسان ضد الكيان الإسرائيلي، وهو السبيل الوحيد لإنهاء عقود من الإفلات من العقاب، على الجرائم المرتكبة بحق الفلسطينيين على اعتبار أن الملاحقة القضائية الدولية الفعالة، تبقى الملاذ الوحيد للأشقاء الفلسطينيين لتحقيق العدالة الدولية واستعادة حقوقهم المشروعة، في إقامة دولتهم المستقلة وعاصمتها القدس الشريف.”

وكما ذكر السيد رئيس الجمهورية “لقد انهارت في فلسطين المحتلة كل المعايير والقيم الإنسانية والأخلاقية والدينية والقانونية” .. فعلا لقد جرى تدمير كل منظومة القيّم والمعايير، بما فيها البيئية والمناخية، من طرف الكيان الصهيوني المحتل، بما يتوجب على جميع أحرار العالم وعلى كل الفواعل على الساحة الدولية التحرك بفعالية لتقديم ملف إدانة شاملة لهذه الإبادة المكتملة الأركان.

هذا المسعى الذي يرتقي الإنخراط فيه إلى أعلى مراتب “واجب الوقت”.

 

ثانيًا، قمة المناخ “COP28”

لعلمنا بأن قمة المناخ “COP28″، في دورتها الـ28 لمؤتمر الأطراف المعنية بالإتفاقية الإطارية للأمم المتحدة بشأن تغير المناخ، ستنعقد بمدينة إكسبو دبي (الإمارات العربية المتحدة)، خلال الفترة من 30 نوفمبر إلى 12 ديسمبر 2023، تحت شعار مستوحى من مفهوم “عالم واحد” !

لكن وللأسف البالغ، أين هي تباشير ميلاد هذا “العالم الواحد” ؟! ..

فالمشهد الماثل أمامنا في “غزة” يوحي، بما لا يدع مجالا للشك أو الجدل أن يتسرب إلى إدراكنا الواعي، بأننا في عالمين بينهما صدع زلزالي عظيم .. صدع إنساني، لم يُراد له أن يلتئم! .. فكيف ب 120 دولة في الجمعية العامة للأمم المتحدة تصوت لصالح مشروع قرار يدعو لوقف فورى للحرب على “غزة”، ولم يتم تنفيذ هذا القرار ؟! .. فقط لأن عددا محدودا من الدول من بين الـ 14 دولة التي عارضت القرار، والـ 45 دولة التي امتنعت عن التصويت لصالحه .. لم ترغب !!

ربما، كان “إنسان” هذا العالم يعتقد بأنه يتوجه فعلا ليعيش في “عالم واحد” .. !! .. تحدوه أمال سريالية حالمة بهذا العالم الذي تغمره الإنسانية .. ما مِنْ مكانٍ يمر فيه، إلاّ و تبادره “الحياة” بالإبتسامة وتلقي عليه الورود (وليس سيل قنابل) .. في كل مكان يجلس فيه، تربت على كتفه اليسرى أيدي حانية، وعلى كتفه اليمنى سواعد بانية .. عالم مترف بإنسانيته .. فيه حقوق الإنسان توزع على البشر، من السماء بالمجان .. إكتفى الإنسان .. فتكرم بالتوزيع الباذخ للحقوق على “الأم الطبيعة” .. إنه اكتمال صور البر والإحسان ..

لكن المشهد الفظيع في غزة يشهد بأنه قد تمّ تدمير كلّ القيم والمثل والأحلام والتطلعات المشترك لبني الإنسان .. لقد تمّ وأد الإنسانية تحت ردم السيل العرمرم من القنابل. فخلال مدة 35 يوم (أي 5 أسابيع)، تم إحصاء إرتقاء أرواح 11 ألفا و78 شهيدا، بينهم 4506 أطفال و3027 امرأة وفتاة و678 مسنا، بالإضافة إلى نحو 27 ألفا و500 مصاب، والإبلاغ عن 2700 مفقودا منهم 1500 طفل لا يزالون تحت الأنقاض في “غزة”، جراء أعمال القنبلة والقصف للبيوت الآمنة والقوافل النازحة الباحثة عن مكان آمن .. دون أدنى مبالاة أو ذرة ندم، بل مع إصرار وحشي همجي لمواصلة الفتك بالإنسان، وإحالة الأجساد الغضة للأطفال إلى اشلاء .. في وضع كهذا نجد أنفسنا أمام حالة انفصام للكيان الجمعي الدولي .. حيث تُسارع، في هذه الأثناء، الدول لإستكمال التحضيرات، على أعلى المستويات، للمشاركة في قمة المناخ (COP28)، التي ستبحث إلتزامات الدول الأطراف، للوصول لصافي الإنبعاثات الصفرية بحلول 2050، إنقاذًا لكوكب الأرض، وبذلك إنقاذ الأنواع الحية من الانقراض الجماعي السادس .. والمشهد الماثل أمام الجميع في “غزة الشهيدة”، حيث لا صوت يعلو على أصوات القنابل، وأزيز الطائرات العسكرية فوق سماء المدينة .. تهدّ الجدر وتدكّ المباني .. و مشاعر الفقد لفلذات الأكباد والأحبة هي الحاضر المستبد بأفئدة من هم تحت الردم وحوله يتآزرون .. !!!

نحن بحق أمام لحظة فارقة إنسانيّا ومناخيًّا .. لكن علَّها توقظ جذوة أنوار في نفوس جميع أحباب الطبيعة العذراء والعالم الواحد الموحد المنشود في الأدبيات .. في هذه اللحظة التاريخية الفارقة، يحق لي مُسألة سدنة معبد المناخ .. إن كانوا حقًا يحملون ذرة إشفاق على كوكب الأرض !!.. أفلا يجدون بأن ما يقوم به الكيان الصهيوني في قطاع غزة، من أعمال وحشية همجية، هو جريمة مناخية تنسف كل الجهود الأممية للحدّ من إنبعاثات غازات الدفيئة وكبح سيرورة الإحترار العالمي ؟!

ألا يجدون أنه من المستعجل بدءً القيام بممارسة الضغط بكل ما أوتوا من قوة وسلطة لصالح الوقف الفوري لعمليات القصف الواقعة على “غزة”، والتي يمارسها الكيان الصهيوني بكل إرادة التوحش ؟! .. وليتأسس “دعاة حماية المناخ” من خلال الأعمال التحضيرية للقمة “COP28” كطرف ﺪولي ضد “جريمة الإبادة المناخية” التي تجري في غزة.

ولنستحضر في صلب وعينا و إدراكنا، بأنه إذا كان تغيّر المناخ يفاقم من حالة النزوع نحو النزاعات حول العالم و يُضخّم مخاطرها، فإن ما هو مسكوت عنه هو معكوس هذه الإشكالية، أي البصمة البيئية للحروب!!

 

  1. التحديات

أهم تحدي في هذا الموضوع هو “الحداثة”، فالموضوع مستجد من جانبين:

الجانب الأول ويخص صعوبة تقدير إنبعاثات غازات الدفيئة التي تخلّفها أية حرب، وهي صعوبة تماثل تلك الكامنة في إعتماد القواعد الجديدة “الانبعاثات غير المباشرة”، أو ما يسمى الإبلاغ عن انبعاثات النطاق الثالث [وهي الانبعاثات الملوثة للبيئة التي تنتج من الأصول أو الموارد غير المملوكة للشركة أو التابعة لها بشكل مباشر]، حيث غالباً ما تشكل انبعاثات النطاق الثالث، وهي التلوث الناتج من موردي الشركة والبائعين، القدر الأكبر من معدل الكربون الذي تطلقه شركة كبيرة. لكنها أيضاً تبقى الأصعب من ناحية قياسها والإبلاغ عنها، ويقول منتقدو إدراجها في أي قواعد جديدة إنها ستشوه التقارير المالية وتضر بالمستثمرين.[2]

والجانب الثاني والذي يخص التقاضي بشأن المناخ والتأسس لمعاقبة “الجريمة المناخية”، فالموضوع يعد مُستجدا على المحاكم (المحاكم الوطنية والمحكمة الجنائية الدولية). إذْ “يُعد التقاضي بشأن المناخ، أي الممارسة المتمثلة في مقاضاة الدول وغيرها من الجهات المسؤولة بسبب عدم كفاية الإجراءات المناخية، ظاهرة وليدة وإن لم تكن جديدة.”[3]

وإضافة إلى تحدي حداثة الموضوع، فإنه لا يمكننا إغفال الصعوبة الكامنة في عملية المقارنة والقياس بين المعطيات المتأتية من وقائع الحروب، فعلى سبيل المثال الحرب بين أوكرانيا وروسيا تختلف تماما عن طبيعة الحرب التي يشنها الكيان الصهيوني على غزة.

الحرب في أوكرانيا، هي حرب تجري بين دول، أو بين دولة و دولة ثانية مسنودة عسكريا من دول أخرى (الناتو)، أو بأبسط توصيف هي مواجهة عسكرية بين جيشين نظاميين يصنفان عالميا ضمن (Top15)[4]، وفقًا لتصنيف قوة الجيوش لسنة 2023، تبعًا لمعيار القوة النارية (أي القدرة المحتملة للدولة على شن الحرب عبر البر والبحر والجو، وخوضها بالسبل التقليدية للحروب الحديثة)، بينما ما يجري في غزة هي حرب إبادة يشنها جيش نظامي لكيان محتل، يصنف في المرتبة 18 عالميا ضمن (Top20)، ضد أصحاب الأرض العزّل، و ضد تنظيم أو فصيل مقاوم للإحتلال، فطبيعة الحرب ونمطها هنا يختلف كلية عن الحرب بين روسيا وأوكرانيا.

لذا حين نتناول موضوع تقييم الإنبعاثات الضارة بالمناخ الناتجة عن حروب نظامية بين دول، يكون فيها القصف الكثيف بالقنابل عملية متبادلة، وبالتالي نجد التقييمات في حد ذاتها هي ميدان حرب أيضا، لسعي كل طرف تضخيم أعمال العدو العدائية و إلحاقها بالأعمال الشنيعة والضدّية للإنسانية بما فيها تلك الموسومة بالمدمرة للبيئة والمناخ، بما يترتب عن ذلك تحميل مسؤولية الآثار السلبية الوخيمة الناجمة عن الحرب للطرف الآخر، بما في ذلك الآثار المناخية المشتركة الأثر، كما أن تحديد المسؤولية يكون موضوعا مستشكلا يرتبط بشرعية الفعل ومشروعية شن الحرب من عدمه، لكن كما يقول الفيلسوف برتراند راسل “الحرب لا تحدد من هو على حق، بل فقط من يبقى”.

و رغم إدراكي العميق لهذا البعد، فقد استعنت بالدراسة المعنيّة بـ ” مبادرة حساب غازات الدفيئة للحرب الروسية الأوكرانية” في نسختيها (نوفمبر 2022 [5]، وجوان 2023[6])، لأنه لا يمكنني تجاهلها، أولاً نظرا لشح الدراسات في هذا المجال، وثانيًّا، بإعتبار نبل المسعى، المتمثل في تجريم المحتل الصهيوني ومقاضاته دوليا على جرائمه، يستوجب منا الحيادية في التقييم والتجرد من الذاتية، وهنا مكمن العدالة أساسًا. على هذا الأساس استعنت بهذه الدراسة الأوكرانية نفيًّا لكل شبهة اصطفاف، حتى تأخذ العدالة الدولية مجراها السليم.

هذه الحيادية والتجرد جعلتني أتجاوز الأخذ ببعض المعطيات والأرقام التي صرح بها إخواننا الفلسطينيون، على سبيل المثال لم آخذ في الحُسْبان عدد القنابل المصرح به من جانبهم، لأنني أجد “هذا الرقم” لا يعبر بشكل واقعي عن وقائع الحرب المُسَلطة عليهم، و في تقديري هم معذورون في هذا، لأنهم كضحايا هم مشغولون بإحصاء شهدائهم وجرحاهم والبيوت التي جرى تهديمها فوق رؤوسهم، وليسوا مشغولين بإحصاء عدد القنابل المنهمر عليهم وابلا من الحمم، و لا يمكنهم تقدير ذلك، فقط من يرسل سحب القنابل هو العارف بالعدد والتفاصيل وبما يخرجه من مخزونات أسلحة الدمار لديه، لذا نجد الإخوان الفلسطينيين أذاعوا أرقامًا عن عدد القنابل التي ألقيت على غزة، بناءً على الأرقام التي أعلنها قادة جيش الإحتلال الصهيوني.

وهنا ينبغي لي التدقيق، فكل المؤسسات والهيئات المرجعية بقيت تعتمد نفس الرقم، كمؤشر مرجعي، وهو الرقم الأول الذي أذاعه جيش الإحتلال الصهيوني على موقعه الرسمي قبيل بداية الأسبوع الثاني من القصف على غزة، و لا تأخذ في الحسبان وبالجدية اللازمة بقية الأرقام المُذاعة والمصرح بها لاحقا والتي تخص عدد القنابل التي تمّ إسقاطها على غزة، و هذا لسبب وجيه، كون جيش الإحتلال كان مدفوعًا برغبة عارمة للإنتقام وإظهار قوته العسكرية، فسارع مع نهاية الأسبوع الأول من الحرب إلى التصريح بأرقام حول ما أستخدمه من قوة مهولة، كردة فعل تغذّيها مشاعر المهانة والإذلال التي سقط فيها، وفي مسعى لإسترجاع ثقة المجتمع الإسرائيلي في الداخل واليهودي عامة والتي إهتزت بقوة وجعلت صورة “الجيش الذي لا يقهر” سرابًا، وأيضا لتخويف الأعداء في تقديره، وهذا ما جعل المتتبعين يعتبرونها الأرقام الوحيدة القريبة من الحقيقة من كلّ الأرقام التي أعلنها الكيان الصهيوني فيما بعد.

حيث أنه عمد، بعد الأسبوع الأول من بداية العدوان على غزة، مع بروز الإرتدادات العكسية الوخيمة على همجية أعماله العسكرية، ومع تصاعد موجة الإحتجاجات عالميا على نهجه في تقتيل الأبرياء، ورغم إشتداد ضراوة القصف الهمجي، و تزايد كثافته وشدّة عنفه، فقد لجأ قادة الكيان الصهيوني المعتدي إلى التعديل في منحى إذاعة الأرقام المعبّرة عن أعمال القصف، وكعادته في انتهاج أسلوب الفبركة والكذب والتضليل والتنصل من المسؤوليات، فقد لجأ إلى “الخفض” في الأرقام و التقديرات الدالة على عدد القنابل التي يستخدمها في قصف غزة، متحججا بإستخدامه لأسلحة قنبلة ذكية ودقيقة التوجيه.

 

  1. التقاضي بشأن المناخ

لما نعود إلى “صحيفة الوقائع رقم 38” التي نشرتها مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان في سبتمبر 2021 والمتضمنة “أسئلة يتكرر طرحها بشأن حقوق الإنسان وتغير المناخ”، سنجد ما يلي:

في الصفحة 23 “خلصت المفوضية السامية لحقوق الإنسان، في دراستها بشأن العلاقة بين تغير المناخ والتمتع الكامل والفعال بحقوق الطفل، إلى أنَّ جميع الأطفال معرضون بشكل استثنائي لآثار تغير المناخ السلبية وأنَّ أصغرهم سناً هم أشدهم تعرضاً للمخاطر … وتبيَّن للمفوضية أيضاً أنَّ التقاضي بشأن المناخ من قِبل أطفال اليوم من شأنه أن يحمي مصالح الأجيال المقبلة وأنَّه يقوم على أساس قانوني في بلدان عديدة. فقد سبق لأطفال وممثليهم أن شاركوا في دعاوى بيئية في طائفة واسعة من البلدان، من بينها الفلبين ونيجيريا والولايات المتحدة الأمريكية. وخلال قمة العمل المناخي لعام 2019 التي عقدها الأمين العام، قدم 16 طفلاً من 12 بلداً التماساً تاريخياً إلى لجنة حقوق الطفل احتجاجاً على عزوف الحكومات عن اتخاذ إجراءات تتناول أزمة المناخ”.

في الصفحة 41 نجد “السؤال 8: ما هو دور التقاضي بشأن المناخ في حماية حقوق الإنسان؟” ومعه الإجابة التالية لمفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان: “يُعد التقاضي بشأن المناخ، أي الممارسة المتمثلة في مقاضاة الدول وغيرها من الجهات المسؤولة بسبب عدم كفاية الإجراءات المناخية، ظاهرة وليدة وإن لم تكن جديدة. وهي واحدة من قلة قليلة من الأدوات المتاحة لعامة الناس لمحاسبة الدول والأعمال التجارية على إهمال مسؤوليتها عن حماية حقوق الإنسان لجميع الأشخاص من آثار تغير المناخ الضارة، بما في ذلك عدم تحقيق غايات إتفاق باريس، وهو أمر يفعله عدد قليل جداً من الدول حتى الآن”.

في الصفحة 42 نجد “وتناولت الآليات الدولية لحقوق الإنسان آثار تغير المناخ على حقوق الإنسان. فعلى، سبيل المثال، إعترفت محكمة البلدان الأمريكية لحقوق الإنسان، في فتوى صدرت عام 2017 بوجود علاقة بين حماية البيئة وأعمال حقوق الإنسان الأخرى، رادة ذلك إلى تأثير تدهور البيئة وتغير المناخ في التمتع بحقوق الإنسان الأخرى. وأشارت الفتوى إلى القرار الصادر عن الجمعية العامة لمنظمة الدول الأمريكية الذي سلطت فيه الضوء على آثار تغير المناخ الضارة على التمتع بحقوق الإنسان. وأشارت المحكمة أيضاً إلى عدة قرارات وتقارير صادرة عن مجلس حقوق الإنسان جاء فيها أنَّ تغير المناخ يلحق آثاراً ضارة بالتمتع الفعلي بحقوق الإنسان ويؤدي إلى تفاقم الفقر واليأس، فضلاً عن تدهور البيئة.”

ولما نعود إلى الصفحة 36 سنجد “السؤال 6: ما هي مبادئ القانون الدولي الرئيسية التي تنطبق على العمل المناخي في سياق حقوق الإنسان؟” وكانت الإجابة “هناك العديد من مبادئ حقوق الإنسان والقانون البيئي المترابطة والمتداخلة التي يمكن تطبيقها على العمل المناخي. وتشمل هذه المبادئ، على سبيل المثال لا الحصر، مبادئ المساواة وعدم التمييز والمساءلة والوصول إلى سبل الانتصاف والشفافية والشمول والإنصاف والمسؤوليات المشتركة وإن كانت متباينة والقدرات ذات الصلة والتعاون والتضامن الدوليين والمبدأ التحوطي.”

  1. مبادرة حساب غازات الدفيئة الناتجة عن الحرب الصهيونية على غزة

مع شح الدراسات التي تتناول تقييم مقدار إنبعاثات غازات الدفيئة الناتجة عن الحروب، فإنني تجاسرت وجازفت لتقديم هذه الدراسة، أولاً، كمساهمة علمية أكاديمية لسدّ الفجوة المعرفية في هذا المجال، وثانيًا للفت الإنتباه بشدة للتأثير الخطير للحرب الجارية حاليا على غزة على حالة المناخ، بُغية إنفاذ دعوة فورية لوقف العدوان على غزة، لأن ما يجري من قصف وحشي همجي على قطاع “غزة” ينسف كل الجهود الأممية والطموح العالمي للحدّ من ظاهرة الإحترار الكوكبي، و يُعاكِس بشكل جوهري مضامين مرافعات مناضلي العدالة المناخية والسلام الأخضر.

وإليكم تبيان ذلك :

  1. توثيق المعطيات الأساسية للموضوع :
  2. كمية المتفجرات\القنابل التي ألقيت على غزة

إحصائيات الأسبوع الأول من العدوان على “غزة” تُشير إلى أن جيش الكيان الصهيوني المحتل أعلن إسقاطه فعليا لـ 6000 قنبلة تحتوي على ما مجموعه 4000 طن من المتفجرات، وهذا بعد ستة أيام من بدء هجومه على غزة، أي بمعدل 1000 قنبلة كلّ يوم، بما يقابله 666 طن من المواد المتفجرات كلّ يوم.[7]،[8]، [9]، [10]، [11]، [12]

في يوم 24 أكتوبر 2023، أي بعد 17 يوم من بداية الحرب في 7 أكتوبر الماضي، أفاد المكتب الإعلامي الحكومي في غزة بأن إسرائيل أسقطت أكثر من 12 ألف طن من المتفجرات على قطاع غزة، أي بمعدل يومي من القصف بما يزيد عن 700 طن من المتفجرات.

في يوم 30 أكتوبر 2023، أي بعد 23 يوم من العدوان على غزة، أعلن المكتب الإعلامي الحكومي بأن إسرائيل أسقطت أكثر من 18 ألف طن من المتفجرات على غزة[13]. أي بمعدل يومي من القصف بما يزيد عن 780 طن من المتفجرات.

بعد 25 يوم من العدوان على غزة، في يوم الغد 02 نوفمبر 2023، أفاد المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان (مقره جنيف) بأن الكيان الصهيوني المحتل أسقط أكثر من 25 ألف طن من المتفجرات على قطاع غزة (أي بمعدل 1000 طن من المتفجرات كلّ يوم)، بما يعادل قنبلتين نوويتين.[14]

في يوم 6 نوفمبر 2023، أي بعد 30 يوم من العدوان على غزة، قال المكتب الإعلامي الحكومي في غزة إن جيش الاحتلال الصهيوني قصف غزة بأكثر من 30 ألف طن من المتفجرات خلال شهر من الحرب على القطاع، أي بمعدل 1000 طن من المتفجرات كلّ يوم.

في يوم 11 نوفمبر 2023، أي بعد 35 يوم من العدوان المتواصل على غزة، أفاد المكتب الإعلامي الحكومي في غزة بأن جيش الاحتلال الصهيوني ألقى نحو 32 ألف طن من المتفجرات، أي بمعدل 914 طن من المتفجرات كلّ يوم، وأكثر من 13 ألف قنبلة على قطاع غزة. وأضاف أن إلقاء المتفجرات كان بواقع 87 طن لكل كيلومتر مربع في القطاع المحاصر الذي تبلغ مساحته 365 كيلومترا مربعا، ويبلغ عدد سكانه نحو 2,2 مليون.

 

  1. أنواع المتفجرات\القنابل التي ألقيت على غزة

أ– في يوم 3 نوفمبر 2023

نشرت منصة الجزيرة تحليلا للخبير الأمني والمحلل الجيوسياسي “زوران كوسوفاتش (Zoran Kusovac)” تحت عنوان “تحليل: أثبتت حملة القصف الإسرائيلية على غزة أنها مكلفة بالنسبة لإسرائيل”، مما جاء فيه [15]:

” تنتمي – تقريبًا – جلّ القنابل التي تم إسقاطها إلى عائلة Mk80 المصممة في الولايات المتحدة، والتي دخلت الخدمة منذ حرب فيتنام. تم تصميمها في الأصل كأسلحة تقليدية ذات سقوط حر أو “قنابل غبية”، وتم تحديثها باستمرار بأجهزة استهداف متطورة حولتها إلى “قنابل ذكية”. يتم تصنيع هذه القنابل بأحجام مختلفة، مصنفة حسب الوزن الإجمالي للسلاح: 120 كلغ (265 باوند)، 250 كلغ (551 باوند)، 500 كلغ (1102 باوند) و1000 كلغ (2204 باوند).”

“إن العمود الفقري لحملة القصف على غزة هو طائرة (إف-16)، وقد قامت إسرائيل ببناء نسخة معدلة منها لتناسب تكتيكاتها، وعلى الرغم من أن كل منها يمكن أن تحمل 7 أطنان، إلا أنه لأغراض عملية، يمكن الافتراض أن كل طائرة من هذه الطائرات تُقلع بأربع قنابل، وإذا كانت جميع القنابل الأربع من طراز 1000 كلغ، فستكون هناك حاجة إلى 4500 رحلة لتوصيل 18000 طن من القنابل. لكن في الواقع ليست كل القنابل المستخدمة من النوع الأثقل، لذا فإن عدد الطلعات الجوية فوق غزة قد يكون أقرب إلى 6000 طلعة جوية.”

ب- في يوم 4 نوفمبر 2023

كتب آدم إنتوس وإريك شميت وجوليان إي بارنز (Adam Entous, Eric Schmitt and Julian E. Barnes) لصالح نيويورك تايمز (The New York Times) مقالة جاء فيها [16]:

“في الأسبوعين الأولين من الحرب، كان ما يقرب من 90 بالمائة من المتفجرات التي أسقطتها إسرائيل على غزة عبارة عن قنابل موجهة عبر الأقمار الصناعية تزن ما بين 1000 إلى 2000 باوند (454 – 907 كلغ)، وفقًا لمسؤول عسكري أمريكي كبير. أما الباقي فكان عبارة عن قنابل صغيرة القطر تزن 250 باوند (113 كلغ)”.

“استخدمت إسرائيل قنبلتين زنة 2000 باوند (907 كلغ)، على الأقل خلال غارة جوية يوم الثلاثاء (31 أكتوبر) على مخيّم جباليا، وهي منطقة كثيفة شمال مدينة غزة، وفقًا للخبراء وتحليل أجرته صحيفة نيويورك تايمز لصور الأقمار الصناعية والصور الملتقطة ومقاطع الفيديو”.

ج- خليط يعرف بـ”آر دي إكس” (RDX)

هناك من الخبراء العسكريين والأمنيين الاستراتيجيين من أفاد بأن الكيان الصهيوني المحتل يعمد إلى استخدام خليط يعرف بـ”آر دي إكس” (RDX) الذي يطلق عليه اسم “علم المتفجرات الكامل”، وتعادل قوته 1,34 قوة “تي إن تي”، بما يعني أن المتفجرات التي ألقيت على غزة، على مدى 25 يوم من العدوان عليها، تزيد عن 33 ألف طن. كما أفادوا بأنه في عمليات القصف استخدمت أيضا قنابل ارتجاجية، وقنابل أسفنجية، وقنابل فراغية تقوم حاضنتها الأساسية على حافظتين إحداهما للوقود القابل للاشتعال وأخرى للمتفجرات.

  1. تدقيق وتحليل المعطيات لتقدير عدد القنابل التي ألقيت على غزة:

نلحظ تزايدا في المعدل اليومي لحجم المتفجرات التي جرى إسقاطها على قطاع غزة، هذا المعدل الذي استنتجناه من التقارير التي يُفصح عنها تباعًا، إذا انتقلنا من 666 طن من المتفجرات كلّ يوم إلى أزيد من 700 طن، وصولا إلى معدل 1000 طن كلّ يوم قبل دخول الحرب على غزة شهرها الثاني، وهذا ما نلحظه في تطور شدة القصف التي صارت أشد وحشية وأكثر ضراوة وفتكًا بعد الأسبوع الأول.

  1. تحليلنا لتقرير نيويورك تايمز، مقارنة مع الحصيلة المعلن عليها يوم 24 أكتوبر الماضي، سيقودنا إلى الإستنتاج بأن عدد القنابل التي جرى اسقاطها على غزة، في 17 يوم، هي على أقل تقدير تتجاوز 21000 قنبلة.

لأن الـ (10%) التي هي من صنف قنابل الـ (250 باوند)” هي بعدد يزيد قليلا عن الـ 10000 قنبلة، ولو نفترض بأن الـ  (90%) هي من فئة (2000 باوند)، بمعنى أننا نفترض حدّ أدنى من عدد القنابل الملقاة، سنجدها أعلى من 11000 قنبلة، بما يجعل العدد الإجمالي هو 21000 قنبلة، أي بمعدل 1235 قنبلة كل يوم.

وبذلك سيكون عدد القنابل التي جرى إسقاطها على غزة، خلال 5 أسابيع، تصل 43225 قنبلة.

  1. من تحليل الخبير “زوران كوسوفاتش” يمكننا أن نستنتج أنه بعد ثلاثة (3) أسابيع من العدوان على غزة، قام الكيان الصهيوني بإسقاط أزيد من 18000 طن من المتفجرات على القطاع، محمولة في 24000 قنبلة، أي بمعدل 1043 قنبلة كل يوم.

بمعنى أنه خلال 5 أسابيع يكون جيش الكيان الصهيوني قد أسقط على قطاع غزة ما يصل إلى 36505 قنبلة.

  • لو نأخذ بالمعدل المعلن عنه في الأسبوع الأول، خلال 6 أيام، رغم أنه كان أقل ضراوة مقارنة لما جرى بعده، فيمكننا القول بأن (12000 طن) من المتفجرات يقابلها (18000 قنبلة)، أي بمعدل 1059 قنبلة كل يوم.

سيكون عدد القنابل التي جرى إسقاطها على غزة، خلال 5 أسابيع، تصل 37065 قنبلة.

  1. لكننا لو نأخذ بالمعدل المعلن عنه في الأسبوع الأول فقط، إسقاط 6000 قنبلة خلال 6 أيام، أي بمعدل 1000 قنبلة كلّ يوم.

سيكون عدد القنابل التي جرى إسقاطها على غزة، خلال 5 أسابيع، هي 35000 قنبلة.

بعد هذا التتبع المنهجي، سأعتمد على التقديرات التي تأخذ المعدل الأدنى كقاعدة لتدقيق تقديراتي في هذه الدراسة، بمعنى أنه على مدى 35 يوم (أي خلال 5 أسابيع) من العدوان على قطاع غزة قام جيش الاحتلال بإلقاء نحو 32 ألف طن من المتفجرات على القطاع، بما يقابله 33300 قنبلة، وهذا أقل تقدير.

 

 

  1. تقدير الأثر البيئي والمناخي

مما سبق من عملية التتبع، ودومًا بإعتمادنا لأدنى التقديرات، يمكننا القول أن القصف الذي طال قطاع غزة كان بواسطة 33300 قنبلة على أقل تقدير.

هذا العدد المهول من القنابل، الذي ألقاه الإحتلال الصهيوني على غزة خلال خمسة (5) أسابيع، يعادل تقريبا العُشر (10%) من مجموع ما أطلقته القوات الأمريكية والقوات المتحالفة معها من قنابل وصواريخ على مدار العشرين (20) عامًا الماضية (2001-2021)، أي على مدى أزيد من 1000 أسبوع، حيث ألقت بأكثر من (337000 قنبلة وصاروخ) على عدد واسع البلدان (العراق، سوريا، أفغانستان، باكستان، ليبيا، اليمن، الصومال، فلسطين، لبنان) تحت ذريعة “الحرب على الإرهاب”. [17]

وهو يعادل ما أسقطته الولايات المتحدة على العراق وسوريا على مدى ثماني (8) سنوات كاملة (2001 -2008)، 5 أسابيع مقابل 400 أسبوع، و يعادل ما ألقته على أفغانستان خلال سبع (7) سنوات (2001 -2008)، وتقريبا ضعف ما ألقته عليها في السنة الذروة للحرب عليها (وهي سنة 2001).

أما في الحرب على ليبيا، فإن حلف الناتو صرّح بإسقاط حوالي 7600 قنبلة (وصاروخ أيضا) عليها، أي أن ما ألقي على قطاع غزة في 5 أسابيع يزيد بأربعة (4) أضعاف على ما ألقي على ليبيا).

حتى أن صحيفة نيويورك تايمز الأميركية، ذكرت في وقت سابق[18]، بأن ضربات جيش الكيان الصهيونى على غزة تُعد من الضربات الأكثر كثافة خلال القرن الحالي، وتجاوزت في أسبوع واحد، من حيث الكثافة، تلك الضربات التي نفذها التحالف العسكري بقيادة الولايات المتحدة على الموصل عام 2017 (خلال شهر كامل).

ولقياس حجم الأثر المناخي لكامل منظومة العمل والإسناد والتداخل مع المواد النشطة التي استخدمت في القصف على قطاع غزة على مدى خمسة (5) أسابيع، دعونا نستحضر عناصر دالة استقيناه من دراسة شاملة أنجزها معهد واتسون في جامعة براون في الولايات المتحدة الأمريكية، هذه الجامعة العريقة التي تُعد سابع أقدم جامعة في الولايات المتحدة الأمريكية والمصنفة 64 في أحدث تصنيف عالمي للجامعات. حيث تشير هذه الدراسة بأن الحروب الواسعة النطاق لما بعد 11 سبتمبر تحت ذريعة “الحرب على الإرهاب”، بين عامي 2001 و2017، وهي السنوات التي تتوفر عنها بيانات منذ بداية الحرب على الإرهاب مع الغزو الأمريكي لأفغانستان، نتج عنها إطلاق 1,2 مليار طن من غازات الدفيئة في الجو، وهو ما يمثل أكثر من الانبعاثات السنوية الناتجة عن سير (257 مليون سيارة)، منها 400 مليون طن من غازات الدفيئة ترجع بشكل مباشر إلى استهلاك الوقود المرتبط بالحرب، والجزء الأكبر منه ما استهلاك خصيصًا في الطائرات العسكرية[19].

وقياسًا على ذلك سنجد بأن حجم غازات الدفيئة المنبعثة، خلال خمسة (5) أسابيع فقط من العدوان الهمجي على غزة، قد تجاوزت 118 مليون طن، وهو ما يُقارب تقريبا إجمالي انبعاثات غاز الميثان، مقارنة مع الحد الأعلى لنطاق تقديرات الإنبعاثات الناجمة عن صناعة النفط والغاز في العالم ككل، والتي قدّرها نظام تتبع غاز الميثان التابع لوكالة الطاقة الدولية ضمن نطاق 80 – 135 مليون طن سنويا (2022).

و لو نقوم بحسب الأثر البيئي دون الأخذ في الحسبان إستهلاك الوقود، أي بإحتساب صفر إستهلاك وقود لمنظومة القصف ككل، لصعوبة تقدير المسافات، أي نعتمد فقط 800 مليون طن من غازات الدفيئة، سنجد بأن في حالة الحرب على غزة تقدر بـ 79 مليون طن، أي أنه يتوافق مع الحد الأدنى لمستوى الإنبعاثات الناجمة عن صناعة النفط والغاز في العالم ككل!!!

من الدراسات القليلة في هذا الجانب نجد تقرير “الأضرار المناخية الناجمة عن حرب روسيا في أوكرانيا: 24 فبراير 2022 – 23 فبراير 2023″، والذي قُدم التقرير الأولي له لأعمال قمة المناخ (COP27) “الأضرار المناخية الناجمة عن حرب روسيا في أوكرانيا، من خلال مبادرة حساب غازات الدفيئة للحرب. 1 نوفمبر 2022” والذي يتناول تحليل فترة سبعة أشهر. يخلص تقرير التقييم المرحلي الثاني إلى أن انبعاثات غازات الدفيئة التي تعود إلى اثني عشر (12) شهراً من الحرب بلغت في مجملها 120 مليون طن من ثاني أكسيد الكربون. وهذا يعادل إجمالي انبعاثات غازات الدفيئة المنتجة خلال نفس الفترة في بلد مثل بلجيكا [20]. لكن في هذا التقرير تعود الـ 50% من تقدير الإنبعاثات إلى إعادة الإعمار بعد الحرب، حيث يقدر التقرير الوحدات السكنية (بين عمارات ومنازل خاصة) المدمرة بـ 72634 وحدة، والوحدات التالفة جزئيا بـ 74926 وحدة، أي أن عدد السكنات الإجمالية المتضررة تبلغ 147 ألف و560 وحدة سكنية.

في المقابل نجد في غزة بأن التقديرات الأولية تشير إلى أن عدد السكنات المدمرة كليا تُقدر بـ 43 ألف وحدة سكنية، والوحدات السكنية المتهدمة جزئيا 225 ألف وحدة سكنية، أي أن عدد السكنات الإجمالية المتضررة تبلغ 268 ألف وحدة سكنية، مع التذكير بأن أغلبها توجد في عمارات وسكنات متعددة الطوابق، ودون إضافة عدد المدارس والمساجد والكنائس والمستشفيات والمؤسسات الرسمية المتضررة، نجد هذا يعادل 60 بالمئة من الوحدات السكنية في قطاع غزة تأثرت بالعدوان ما بين هدم كلي وغير صالحة للسكن وهدم جزئي.

الإستنتاج الأولي: ما تضرر من مباني في أوكرانيا خلال 12 شهر (52 أسبوع) يمثل (55%) من تعداد مثيلتها في غزة والتي تضررت خلال (5 أسابيع فقط)، ورغم هذا جرى تقدير انبعاثات غازات الدفيئة الناتجة عنها (في أوكرانيا) بـ 120 مليون طن من ثاني أكسيد الكربون.

أعتقد بأن تقديراتنا لغازات الدفيئة الناتجة عن الحرب في غزة متواضعة جدا، وقد يكون حجمها الحقيقي أعلى بكثير من تقديراتنا هذه، ورغم هذا فهي في مستوى 118 مليون طن مكافئ من ثاني أكسيد الكربون، وهو ما يمثل أزيد من نصف حجم إنبعاثات ثاني أكسيد الكربون الناتجة عن الوقود الأحفوري والسلاسل الصناعية في دولة الإمارات العربية المتحدة لكامل سنة 2022،[21] الدولة التي تستضيف قمة المناخ “COP28” خلال الفترة من 30 نوفمبر إلى 12 ديسمبر 2023.

 

إنها كارثة مناخية بكل اختصار.

يا سادة المناخ ..

حروب المناخ، بإعتبارها خاتمة كلّ الحروب .. تنتظر منكم جعل الحرب على غزة آخر حروب المناخ ..

وإن صدقكم في مسعاكم لإنقاذ كوكب الأرض من حالة الإحترار .. يمر حتما عبر الوقف الفوري للأعمال الوحشية التدميرية لـ “غزة” .. وإلا فإن كلّ القول هو إجترار ..!!

مع التذكير بأن يوم 29 نوفمبر من كل عام هو موعد أممي و يوم دولي للتضامن مع الشعب الفلسطيني[22].

دراسة من إعداد : مهماه بوزيان – أمين عام وزارة الإنتقال الطاقوي والطاقات المتجددة – سابقًا

 ملاحظة: يمكن الإطلاع على الدراسة pdf

 

SG_24-NOV-الحرب-على-غزة-والجريمة-المناخية (1)

 

 

 

متعلقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى